المرحلة الأولي عندما وطأت قدمي أرض العراق. وجدت بلاد الرافدين وقد تحولت إلي ثكنة عسكرية لاستقبال المشاركين في أعمال قمة بغداد التي اختتمت أعمالها الأسبوع الماضي. ورغم الترحيب والحفاوة التي لاقيناها بدءاً من مطار بغداد ووصولاً إلي الفندق المقرر إقامتنا به إلا أنه كان هناك قرار بمنع خروجنا إلي الشوارع حرصاً علي حياتنا وذلك في إطار الخطة التنفيذية التي أقرتها قوات الأمن العراقية. صعدت في اليوم الأول لوصولنا إلي حجرتي الفندق في تمام الساعة الواحدة صباحاً بعد يوم شاق حيث كنا في مطار القاهرة منذ العاشرة صباحاً. وكانت بداخلي رغبة كبيرة في أن أري شوارع بغداد. وانتظرت حتي صباح اليوم التالي حيث كان اجتماع وزراء المال والاقتصاد العرب والذي انتهي في تمام الخامسة عصراً. وعدنا إلي الفندق المقيمين فيه مرة أخري. وازدادت الرغبة بداخلي لرؤية العراق علي أرض الواقع وكسر حاجزالخوف وخطر التجوال الذي فرضته القوات العراقية . فذهبت إلي الأمن المسئول في الفندق وطلبت منهم السماح لي بالخروج. فجاء الرد سريعاً علي حياتي وحرصاً علي أمننا إلا أن هذا الرفض زادني اصراراً وعناداً علي الخروج فقلت لهم إنني سأخرج علي مسئوليتي الشخصية وأنني أريد رؤية شوارع العراق . فما كان منهم الا أن استجابوا لرغبتي وتركوني أخرج ولكن دون حراسة أو سيارة تابعة لهم حتي لا يتحملوا المسئولية في حالة حدوث أي شيء. خرجت وبداخلي إحساس بالنصر لأنني استطعت الخروج. ورغم هذا الإحساس إلا أنني كنت قلقة إلي حدما . فقررت أن أطرد الإحساس بالخوف من داخلي وأن أسير إلي "سوق كرادة" وهو السوق الأشهر في العراق والذي يعتبرونه أرقي الأسواق . وخلال طريقي قابلتني العديد من النقاط الأمنية وسيارات التابعة للجهات الأمنية المتعددة في العراق. والتي كانت تشعرني بالاطمئنان طوال طريقي. ويبدو أن مصريتي كانت واضحة في ملامح وجهي . فما كنت أمشي إلا وأجد الجميع من الشعب العراقي والأمن يرحبون بي لمجرد أنني مصرية وليس لذلك علامة بأنني تابعة لوفد الجامعة أو إلي القمة وإنما فقط لأنني مصرية. فكانوا حريصين علي معرفة أحوال مصر والمصريين حتي بعد الثورة وكانوا يقولون لي أنهم لحبهم لمصر اختاروا"كارمن" وأنهم سعداء لفوزها في المسابقة الشهيرة التي فازت بها فكان يسود الفرح والمودة الذي جعلني أنسي أنني أطوف في شوارع بغداد وتخيلت كأنني في مصر. فلم أشعر بأي غربة في العراق. ووصلت إلي سوق كرادة بعد ما يقرب من نصف ساعة من السير علي الأقدام ووجدت سوقاً متواضعاً إلي حد كبير. وقلت هل هذه هي العراق التي يحكي ويتحاكي عنها الجميع فالشوارع قد طغي عليها آثار الدمار وكأنك عدت بالزمن عشرات السنوات إلي الوراء . وعندما أسأل لماذا لم يتم إعمار هذه الشوارع ورصفها وتهيئتها لترقي إلي مكانة العراق. جاء الرد حاسماً وهو كيف نبني ونعمر وهناك أياد تخرب وتدمر!!. في هذه اللحظة تمنيت أن يعود السلام والإستقرار إلي العراق حتي تستطيع أن تصحو وتحتل مكانتها مرة أخري بين المدن. ودخلن إلي المحلات في سوق كرادة وسألت عن صناعة الملابس والمنتجات وهل هناك منتجات عراقية . فجاء الرد للأسف علي لسان أحد الباعة أنه لم يعد هناك أي انتاج عراقي أو صناعة عراقية . وكل المنتجات إما صناعة تركية أو سورية فحزنت علي الصناعة العراقية. إلاأنني فرحت كثيراً في نفس الوقت عندما وجدت أطقم الحمامات في القنادق هناك صناعة مصرية . كما وجدت"الجبن المثلثات" هناك أيضاً صناعة مصرية . وشعرت بالفخر أننا نجحنا ولو لمرة في تصدير صناعتناإلي الدول العربية.وجاء اليوم التالي حيث اجتماع وزراء الخارجية العرب وبالطبع زادت الإجراءات الأمنية تعقيداً حرصاً علي الوزراء. وذهبنا إلي المنطقة الخضراء وهي المنطقة الأكثر أمناً في العراق وأكثرها تعقيداً في الإجراءات الأمنية وذهبنا إلي القصر الحكومي الذي كان ضمن قصور صدام حسين. وانتظرت حتي انتهي المؤتمر وعدنا مرة أخري إلي الفندق الذي منا نقيم فيه - خارج المنطقة الخضراء - في تمام الساعة التاسعة مساءً تقريباً. وبالرغم من أنني كنت متعبة جداً إلا أنني طلبت من أفراد الأمن الخروج مرة أخري. فكان الرفض هذه المرة أشد وكانت أيضا رغبتي أكثر في الخروج وانصاعوا مرة أخري لرغبتي وأيضاً علي مسئوليتي الشخصية . وعندما خرجت هذه المرة كان إحساس الخوف قد غادرني تماماً وكنت أسير بثقة أكبر وكأنني أسصير في بلد أعيش فيها منذ سنوات ولكن كانت المحلات قد أغلقت وكان هناك ما يشبه حظر التجوال غير المعلن حيث فضل المواطنون البقاء في منازلهم عن النزول إلي الشوارع نظراً لأن الجهات الأمنية كانت قد قطعت الطرق المؤدية إلي الفنادق التي نقيك فيها. في إطار الخطة الأمنية لتأمين المشاركين . كما قطعت الاتصلات عن المواطنين. فعمدما سألت الضباط السيدات اللاتي قمن بتفتيشي . قلن إهن يبيتون منذ 10 أيام كاملة قبل بدء انعقاد القمة في أماكن عملهن لتفتيش السيدات المشاركات في أعمال القمة وأنهن مجزن عن إجراء اتصالات مع أبنائهن بسبب قطع الاتصالات في العراق. رغم أنني شاركت في العديدمن القمم العربية من قبل سواء في قطر والسعودية أو الكويت أو حتي في مصر . إلا أنني والحق يقال لم أجد مثل الأمن العراقي في حسن تعامله مع المواطنين والضيوف . رغم أنه يعمل في ظروف أصعب نظراً للوضع الأمني المعقد والمضطرب الذي يعملون فيه . كما أنهم كانوا تحت ضغط عصبي كبير يتعلق بالعديد من التهديدات التي تلقوها بشأن القمة العربية استهداف القادة والمشاركين . إلا أنهم وبحق كانوا مدربين علي التعامل مع كل الأزمات والمشاكل بلباقة وأدب جم يصعب أن تجده في قطاع الأمن عموماً. فغالباً يكون رجال الأمن حريصين علي غملهم وتأمين المشاركين فقط دون اهتمام بأي شيء آخر . أما الأمن العراقي كان حريصاً علي الترحيب بالضيوف وخدمتهم قبل تأمينهم .. فشكراً رجال الأمن العراقي. ومن المفارقات الطريفة التي وجدتها في العراق هي الكلاب البوليسية المدربة علي التفتيش وكشف المتفجرات وما شابه . حيث يسمونها "كيناي"وليس كلبا وهو باهظ الثمن حيث يشترونه ب20ألف دولار . بينما يرصدون راتباً شهرياً لغذائه ورعايته يصل إلي ألف دولار!! وجاء اليوم الأخير لنا في العراق وهو يوم انعقاد القمة والتي كان مقرراً لها انعقادها في تمام الساعة الثانية عشرة . فصحوت مبكراً وحرصت علي أن أطوف شوارع بغداد في الصباح . ووجدت الأطفال يلعبون بالكرة في الشوارع والناس تسير وترحب ايضاً بالمصريين . رغم ضيقهم الشديد من محاصرتهم علي مدي ثلاثة أيام أغلقت فيها معظم محلاتهم علي مدي ايام أعمال القمة. وفي واقع الأمر أنني تمنيت أن أبقي في العراق أياماً أخري لأراها علي حقيقتها . فرغم أنني رأيت الكثير من شوارعها وأهلها الا أنه في نفس الوقت كانت البلد مغلقة تماماً حرصاً علي تأمين المشاركين بالقمة . ورغم وقوع تفجيرين تزامناً مع اجتماع القمة . إلا أنني أري أن القمة نجحت بكل المقاييس وهو ما رأيناه في عيونهم التي كانت تشع فرحاً . وفرحنا جميعاً بقدرتهم الأمنية في تأمين كافة المشاركين من القادة وحتي أصغر عامل . وعدنا جميعاً إلي أرض الوطن الحبيب وتبقي ذكري العراق في نفوسنا . نتمني لها أن تعود مكانتها سريعاً بعد أن عادت لاحضان العرب.