أسفرت زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى إلى العراق عن نتائج مهمة توضح مدى حاجة العراق إلى العرب بشكل غير مسبوق على عكس ما تردد طيلة السنوات الماضية بأن الوجود العربى غير مرحب به، وطالبت كل القوى السياسية العراقية بإصرار ضرورة انعقاد القمة العربية المقبلة فى العراق وتقديم كل الدعم العراقى اللازم. وكان الخطاب الإعلامى العراقى موحداً فى موضوعات المرحلة وكذلك وضوح الرؤية المتبادلة بين العرب والعراق حول المستقبل، كما بدا واضحا حنين أهل العراق لمصر ولدورها ولكل الدول العربية مجسدا فى مصالح واستراتيجيات متبادلة للتعاون العربى المشترك. كان الموضوع الأمنى حديث المسئولين فى العراق حيث انتقد وبشدة نورى المالكى رئيس الوزراء العراقى ما تردده وسائل الإعلام عن خطورة الأوضاع الأمنية وكأن العراق بلد آخر، وأكد أن الأولويات تتركز حول جعل العراق بحيرة سلام وواحة للاستقرار والتنمية وتحسين أحوال الشعب العراقى وكذلك كان اللقاء مع الرئيس جلال طالبانى الذى أكد للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى أهمية انعقاد القمة العربية فى العراق وحرصه على المشاركة فى القمة العربية الاقتصادية بوفد عالى المستوى فى شرم الشيخ واستعداد العراق للعمل العربى المشترك فى كل مراحله ويعد تمسك قادة العراق بانعقاد القمة العربية من منطلق انه قرار للقمة العربية التى انعقدت فى سرت عام 2010 وأن العراق عضو مؤسس للجامعة العربية والإصرار العراقى على عودة العراق لمحيطة العربى كرسالة للعالم بأن العراق قد عاد وأن انفصال العراق عن محيطه طيلة السنوات الماضية خلق حالة من عدم التوازن فى المنطقة العربية وبالتالى الفرصة متاحة أمام الجميع للعودة المتوازنة فى العمل العربى المشترك والابتعاد عن سياسة الاقصاء أو التهميش أو ملء الفراغ من الخارج والجديد فى العراق حالة من التفاهم بين جميع القوى والكتل السياسية فى العراق انعكست بالارتياح والهدوء فى الشارع العراقى واختفت سياسة الطائفية وبدا الجميع حتى تحت قبة البرلمان شعبا واحدا وأمة واحدة رغم اختلاف المذاهب والأعراق وصحح وزير الخارجية العراقى هوشيار زيبارى ما تردد عن رغبة الأكراد فى الانفصال، حيث أكد أن حديث الرئيس مسعود بارزانى تم ترجمته بالخطأ وأن الواقع هو ان الشعب الكردى ارتضى أن يعيش فى العراق الموحد. يبدو المشهد فى العراق مختلفاً عما تبثه الفضائيات والتقارير الإعلامية فقد أمضينا خمسة أيام فى العراق فى حالة رعب على خلفية هذه التقارير لدرجة أننى وضعت إلى جوارى السترة الواقية وخوذة الرأس وعينى على جدار أسمنتى أتخفى وراءه فى حالة سقوط قذائف الهاون أو صواريخ تأتى من اى اتجاه وارتفعت وتيرة الرعب عندما وصلنا إلى مقر الإقامة فندق أشبه بالمعسكر وغالبا كان يستخدمه الأمريكان أثناء الحرب على العراق والفندق مظهره من الخارج كأنه بناية مهجورة ولكن تغلقه بوابات من حديد وحراسات لجنود من جنسيات مختلفة وبعد البوابة حديقة متواضعة وصالة للطعام ثم غرف أرضية صغيرة لا تتجاوز الأمتار وبعد دخولى الفندق الأشبه بالمعسكر استقبلنا مدير الفندق الذى يتحدث باللكنة الانجليزية السريعة لدرجة انه ينطق الكلمة بحرفين أو ثلاثة وصحبنا إلى دور ثان لاعطائنا محاضرة عن كيفية حماية أنفسنا فى حالة أى هجوم صواريخ أو قذائف وعلى خريطة للمنطقة الخضراء شرح الموقع والموقف وبأن الفندق يمكن أن يتعرض للهجوم من الجو لكن من الأرض توجد حماية وعرض علينا ثلاث صفارات انذار تعنى الخطر والأمن والحريق وقام بعمل تجارب لهما وأعطيت التعليمات بعدم التواجد خارج الفندق او الخروج الفردى لان الحماية تتوافر بشكل جماعى فقط وفى صبيحة اليوم التالى صممت على استكشاف الأمر بعيدا عن تعليمات (تونى) الأمنية ورحت اتفقد الشارع مستندة على إيمانى بالله أنه خير حافظاً فوجدت حركة الشارع طبيعية حيث ذهاب الموظفين إلى اشغالهم وعملهم والسيارات تسير فى كل اتجاه بدون حراسة وبدون تعليمات (تونى) مدير الفندق ووجدت بعد الظهر شبابا يلعب الكرة فى استاد صغير أمام الفندق (المعسكر) والمدجج بالسلاح ونحن جميعا فى حالة رعب فى الداخل نخشى الخروج من الأبواب وهذا ما يحدث فى العالم العربى تصلنا التقارير المرعبة فنزداد رعبا ونجلس داخل الأسوار وغيرنا من الخارج فى حالة نشاط غير مسبوق داخل وطنهم – لقد تعلمت الدرس فى بغداد من اليوم لابد من تحرى كل حرف تطلقه التقارير الغربية أو غيرها ولابد وأن أرى واسمع واشاهد الموقع والميدان – وفى مساء اليوم التالى صممت على الخروج الى الشارع وبعيدا عن المعسكر وبالفعل قمت بتسجيل حوار مع وزير الخارجية العراقى هوشيار زيبارى. الاطمئنان فى داخلى كان عالياً جدا بأنه لن يحدث شىء وبعد وصول الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى إلى العراق بدأنا نتحرك معه فى حماية عراقية حيث أجرى حوالى 30 لقاء فى 48 ساعة ونحن معه وكانت الحماية مبالغا فيها: اسلحة ثقيلة وخفيفة وسيارات مصفحة ومجنزرة وغلق طرق ولكننا كنا نسير وسط زحام شديد فى شوارع بغداد ولم يحدث شىء ثم يحدثنى صحفى مقيم فى بغداد ويقول ربنا يستر عليكم وعلى الأمين العام المنطقة الخضراء مستهدفة وأغلقت الهاتف معه دون الاهتمام بما قال ومضت الزيارة فى هدوء تام وترحاب شديد وحنين شعب العراق وارضها لكل ما هو عربى والترحاب بدور الجامعة العربية وبأدائها ارتفع فى إشادة رائعة من كل المسئولين ودوت سماء العراق وفى ختام الزيارة ذهبنا الى مطار بغداد كى نستقل طائرة حربية من طراز 130 س لزيارة محافظة النجف ووصلنا الى المطار الدولى بها وجرى استقبال رسمى وكانت الإجراءات الأمنية شديدة الإحكام ووسط زحام شديد فى الشوارع اخترق موكب موسى شوارع النجف لمدة نصف ساعة فى طريقه إلى منزل السيد على السيسستانى وانقسم الركاب الى جزءين (حتى لاندخل جميعا من باب واحد) ووصلنا فى طريق اجتمع فيه الكل ودخلنا فى ازقة ضيقة حتى وصلنا الى منزل السيسستانى وهو متواضع للغاية وأقرب إلى البيت الريفى العادى جدا سجاد وجلسة على الأرض وخلال اللقاء تحدث السيستانى ببضع كلمات قليلة مفادها أهمية التوافق والاتفاق بين الجميع حتى يعم الاستقرار وبدوره استعرض الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى دور الجامعة العربية منذ عام 2005 وتبنيها لفكرة المصالحة الوطنية واهتمام الجامعة بالعراق باعتباره دولة مؤسسة للجامعة وبعد ساعة من اللقاء زار موسى المنطقة وسط زحام شديد وحراسات مكثفة استكمل زيارته الى أربيل حيث لقاء الرئيس مسعود بارزانى وعدنا نحن على متن الطائرة الحربية الى مطار بغداد الدولى كى نستقل طائرة أخرى إلى العاصمة الأردنية عمان ومنها الى القاهرة وفى ذهنى محاضرة تونى فى معسكر الإقامة وحوارى مع نفسى بأن هناك فرقا كبيرا بين التقارير التى تأتى من العراق وبين زيارة الواقع وفرق كبير بين الواقعية والمبالغة والتهويل وأدركت أننا فى مرحلة حرب نفسية واسعة الهدف منها ابعاد العرب عن دورهم ومكانتهم فى اوطانهم واخلاء الطرق للآخر المستفيد، وبعد كل ذلك ننتظر قرار وزراء الخارجية العرب الذين يلتقون يوم 17 يناير الجارى فى شرم الشيخ على هامش أعمال القمة الاقتصادية العربية الثانية للاستماع الى تقرير من الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى حول إمكانية عقد القمة العربية فى العراق وطبيعة الوضع الأمنى وكذلك إصرار وتصميم بغداد على استضافة القمة العربية باعتبارها عنوانا كبيرا يعلن كرسالة للعالم كله أن العراق قد عاد الى وطنه العربى وخرج من أنفاق الظلام وبدأ مرحلة جديدة من الاستقرار. والمتتبع لجولة موسى فى بغداد يستطيع الحكم من كم ومضمون اللقاءات الهائل الذى جرى فى ربوع العراق ليس كعام 2005 الذى كان يتم فى مقر إقامة الأمين العام باستثناء لقاءات رئيس الوزراء ونواب رئيس الجمهورية وها هو ذا فى عام 2011 يسجل مشاهد سياسية وامنية اكثر اطمئنانا على مستقبل العراق والمتوقع أن يشهد حالة أكثر استقرارا بعد الخروج النهائى للقوات الأمريكية مع نهاية العام الحالى.