كل المبدعين يفضلون العمل دون رقيب وفي عالم السينما طالما كانت الرقابة وجهازها من الأشياء المزعجة دائما وعلي مر السنين في مصر كان المبدعون ولا يزالون ينادون بالتخلص من هذا الجهاز خاصة في الأوقات التي تثار فيها أزمات أو تعترض فيها الرقابة علي مشاهد معينة أو تبدي ملاحظاتها علي جملة حوار هنا أو إشارة هناك. لقد تعايش الفنان والمبدع والسينمائي المصري مع الرقابة عقوداً عديدة وأصبح خبيرا في الإفلات منها وتحاشي المطبات التي توقعه بين أنيابها ومع طول الوقت والسنوات باتت أنياب الرقابة أقل حدة وبدأت رأسها أكثر فهما وتسامي مع ما يعرض عليها من أجل الترخيص بالنشر ولذلك شاهدنا علي الصعيد السينمائي أفلاما وأفلاما بها مساحات حرية أوسع ومشاهد ما كانت تمر من قبل ولكن هناك نصوص قانونية رقابية تعد من المسلمات والأصول التي لا يستطيع أن يتخطاها أحد.. قد تكون هذه النصوص مهمة لسلامة المجتمع وعدم إحداث فتن أو خلافات فيه. خاصة تلك المتعلقة بالعلاقة بين المسلمين والمسيحيين. فالدولة لاتريد أن تناقش هذه العلاقة بشكل يثير فتنة أو يحدث فرقة أو يمس دينا وثوابت عقائدية ويبدو أن رفض التصريح بعرض فيلم "الخروج من القاهرة" للمخرج هشام عيسوي جاء من هذا المنظور وتعرضه لعلاقة بين طرفين مسلم ومسيحي أو مسيحية ومسلمة.. فهذه الإشكالية بالذات تثير من المشاكل ما لا يحمد عقباه وقد شهدت مصر خلال أيام الثورة وقبلها وبعدها مشاكل كبيرة وضخمة بسبب مثل هذه العلاقات وهذا الحب والعشق بين طرفين من دينين مختلفين فهذه النقطة بالذات تثير الطرفين وتجسيدها علي الشاشة بأي شكل من الأشكال لن يكون مفيدا أو سيحدث قلاقل واحتجاجات في هذا الوقت العصيب. أؤمن بحرية الإبداع وحرية الفن وحرية التناول وحرية التصوير والإبداع ولا أحبذ أبدا دخول الرقابة علي الخط في أي عمل فني ولكن علي المبدعين أنفسهم أن يكون لديهم حس سياسي ووطني واجتماعي ومعرفة عميقة بما يدور علي أرض الواقع وعليهم أن يكونوا رقباء أنفسهم لا يخوضون في أشياء أن تبد لهم تسؤهم وتسوء الآخرين. فالرقابة التي يعترض عليها الجميع والتي يفضلون دائما تسجيل نهايتها لم تتعسف في مئات الأعمال ولم تتوقف أمام أي شئ. خاصة في السنوات الأخيرة وإن كان لها ملاحظة في مشهد هنا أو جملة حوار هناك وفقا للقانون الذي تستخدمه للأمن القومي للبلاد فلا مانع أن يراجع مخرج العمل نفسه وإذا لم يقتنع فهناك اللجنة العليا للتظلمات وبها كبار المثقفين الذين يحكمون بين الرقابة والمبدع. هذا هو الطريق الصحيح وليس معني أن هناك ثورة أن روح الثورة مازالت نابضة في المجتمع وأن التغيير لابد أن يحدث.. ليس معني ذلك أن التغيير هو الحرية المطلقة وأن يفعل كل من يريد ما يريد.. نحن نريد التغيير إلي الأحسن والأجمل وليس من الأجمل ولا الأحسن ألا يتحمل تحمل صناع السينما مسئوليتهم تجاه المجتمع ويعبثون من قريب أو بعيد بأشياء قد تثير فتناً طائفية وتؤثر علي أمن المجتمع كله.