الفنان علي الحجار أكثر المطربين المحترفين التصاقاً بالثورة ومساهما فيها. معبراً عنها بصوته الجميل ذي الملكات التعبيرية الهائلة.. هذه حقيقة ساطعة لا يستطيع أحد إنكارها. ومن هذا المطلق خصصنا له السطور التالية ليكون خير ختام لسلسلة أغاني الميدان التي بدأناها منذ أسبوعين وتناولنا فيها عدداً من الفرق والمطربين الذين ارتبطوا بالثورة وبالميدان وجمع بينهم الصدق والثورية ولكن الذي تجلي بوضوح أن هناك بساطة مبالغاً فيها وسطحية شديدة في الفكر الموسيقي الذي لم يواكب الإبداع الشعري الرائع باستثناء أعمال الموسيقار الشاب مصطفي سعيد. أما فناننا الكبير الحجار الذي يختار دائماً كلمات تعبر عن آرائه ومبادئه نجد أغانيه الثورية معظمها بدأت قبل الثورة ومهدت لها وأيضًا الكلمات لعبت دورا أساسياً فيها. خاصة أنه يتعاون مع كبار الشعراء أصحاب المبادئ الثورية أصحاب الخبرة والحرفية. الفكر الموسيقي والمقصود بالفكر الموسيقي في الأغنية هو التناول الموسيقي المعبر عن مضمون الكلمات المغناة والذي يستخدم ويوظف الأدوات الموسيقية من إيقاع وألحان مصاغه في قوالب ومقامات موسيقية ومهارات التوزيع الآلي واستخدام النطاق الصوتي للآلات والأصوات البشرية. بما يخدم المضمون الدرامي والتعبيري للكلمات الشعرية. فمثلاً أغنية "ضحكة المساجين". كلمات عبدالرحمن الأبنودي ولحن فاروق الشرنوبي لا تتضمن بناءً موسيقياً يواكب البناء الشعري. فالجملة الموسيقية تتكرر بدون مبرر. كما أن اللحن جاء أقل من قدرات الحجار الصوتية. أي ممكن يغنيه فرد صوته محدود ومتواضع. أما أغنية الشهيد ومطلعها "مع السلامة يا ابتسامة الزهر" ألحان أمير عبدالمجيد والتي تتجلي فيها عبقرية الأبنودي الشعرية والتي يتم أداؤها من خلال مجموعة "كورس" يتقاسم الحجار الغناء معه الإيقاع فيها جاء رتيباً يفتقر للتنوع وكأن التعبير عن الجنائز والموت لا يكون إلا بهذه الضحالة الإيقاعية ونجد الحجار أضفي بصوته الكثير علي هذا اللحن. أما أغنية "ابتسمي يا بلدنا من تاني" ألحان وتوزيع أمير عبدالمجيد أيضاً يعيبها الإيقاع الإليكتروني الثابت طوال الأغنية بدون توظيف. مما أفقدها تعبيريتها كأنه قالب موسيقي ثابت. تم تركيب الكلام عليه. ولكن من الأعمال الثورية للحجار وتظهر فيها بوضوح موهبة الملحن أغنية سيد حجاب "يا مصر ليه دنياك لاخبيط" ألحان ياسر عبدالرحمن. حيث فيها ألحان متناسقة مع إيقاع الكلمات. وتم توظيف كل العناصر النغمية للتعبير عن المعني وهناك استخدام جيد للآلات الموسيقية. أما الأغاني "ملعون" و"الحرية". الأولي أشعار سيد حجاب والثانية لبهاء جاهين والاثنتان من ألحان عمر خيرت نجد استخدامه لتيمات لحنية فيها استعارة من أعماله الموسيقية السابقة والشائعة ويتضح فيها سمات موسيقي خيرت التي هي عبارة عن موسيقي خفيفة موزعة أوركسترالياً مع تطعيمها ببعض آلات التخت الشرقي. فالجمل بسيطة رقيقة تعتمد علي تكرار التيمة الموسيقية علي نغمات متعددة. وهذا يجعل ألحانه محصورة في مقامات محدودة تتناسب مع الإيقاعات الغربية. عبقرية الشريعي إذا كنا تناولنا في السطور السابقة ما معناه أن الظاهرة العامة في أغاني الحجار الثورية أن الكلمة فيها هي البطل الحقيقي. وأن هناك فقراً في الميلوديات وغياباً للفكر الموسيقي في التوزيع. إلا أن الفنان عمار الشريعي والذي ارتبط كثيراً بالحجار أعطي درساً للملحنين علي قيمة الجمل اللحنية والتعبير عن الكلمة في الأغنية الشهيرة "هنا القاهرة". التي يقدم الحجار مقتطفات منها دائماً علي المسرح بدون مصاحبة موسيقية علي الإطلاق. مما أكد أن الصوت البشري آلة موسيقية طبيعية ذات نسيج يغزله الملحن بميلودياته الثرية. أما الفكر الموسيقي المتكامل يتجلي في الأغنية ذاتها بالمصاحبة الموسيقية والتي توضح موهبة وعلم وحرفية هذا الملحن العظيم وتستحق دراسة خاصة. ولكن لا نستطيع أن نغفل جهد الحجار الذي ارتبط بنبض الجماهير وتعاونه مع كثير من الملحنين أعطت تنوعاً في أعماله. وأخيراً وبعدإلقاء الضوء علي أغاني الثورة والميدان من الواعدين والنجم علي الحجار. يتضح جلياً أن عهد الفساد والظلام لثلاثة عقود متوالية وتعمد التجهيل في مجال الموسيقي ألقي بظلاله علي الأغاني. مما يؤكد أن الفكر الموسيقي فيها لا يستطيع أن يواكب الإبداع الشعري المتميز. بل تخلف عنه بمراحل كثيرة يستثني من ذلك بعض الإبداعات الفردية.