نواصل الحديث عن تأثير ثورة يناير علي الأغنية والتي بدأنا في تناوله الاسبوع الماضي حيث القينا الضوء علي فرقة اسكندريلا واعمال المغني رامي عصام وتوصلنا إلي أن الكلمة الشعرية هي البطل وان الموسيقي لم تستطع أن تواكبها لتعمد التجهيل لهذا الفرع الهام من الفنون التعبيرية ولكن رغم ذلك كثير من هذه الاغاني لاقي النجاح للصدق والإحساس والمناسبة حيث نبعث من داخل الميدان وتم غنائها به ورددها رواده واعتبرها الثوار اغانيهم الخاصة وهم أصحابها. هناك التجارب الغنائية التي ارتبطت ايضا بالثورة نجد مبدعيها اصحاب تجربة موسيقية سابقة بسنوات عن الثورة ونجحوا بعيدا عن الميدان لكن لأن الموضوعات التي كانوا يتناولونها كانت تعبر عن سلبيات الواقع وبها نقد كبير للمجتمع كانوا أول من هرعوا للميدان وقدموا أعمالهم التي بعضها تناسب الثورة والآخر تم إبداعه نابعا من اللحظة من هؤلاء الفنان حمزة نمرة الذي بدأ نشاطه الفني عام 1999 وله ألبومات في السوق وكثير من أغانيه تم تصويرها فيديو وبعض اعماله اعتمدت علي الاسلوب الغربي وبالذات نوع من البوب الامريكي التي تتكون فيه الأغنية مجرد صوت يلقي الكلمات بطريقة متتابعة ليس بها اي قدر من التنغيم ويصاحبها في الخلفية موسيقي ايقاعية ثابته مثل أغنية "عصفورين" كما ان لديه أغاني تركيبه الكلمات لاتتوائم مع الموسيقي فنجد امتدادات نغمية علي الفاظ قصيرة أو العكس مثل اغاني و "شوش" و "ارفع راسك" و نجد هنا اللحن ليس نابعاً من موسيقي الكلمة العربية وللاسف هناك الكثير ساروا في هذا الاتجاه الذي لا يناسب لغتنا العربية التي تتميز الفاظها بموسيقي خاصة بها استيعابها وفهمها كان وراء ابداعات رواد التلحين في مصر كما لحمزة اغاني علي طريقة البوب المصري "تيار حميد الشاعري" مثل أغاني "حاصر حصارك" و"المرجيحة" ولكنه نضج وبدأ التراث الموسيقي المصري تظهر ملامحه في أغنيته الشهيرة "علي القهوة" وايضا ظهر أدائه الجيد في اغنية "هيلا هيلا يامطر" والتي من الحان الملحن التونسي نبراس شمام وكلمات آدم فتحي وعامه الحان نمرة كان للكلمات فيها دور بارز وحسها الاجتماعي والثوري ساعد علي نجاحها وواضح انه يتطور وتجربته الموسيقية التي ترتمي في احضان البوب الأمريكي والمصري تزداد نضجا مع الأيام وتتجه رويداً رويداً إلي أحضان موسيقانا المصرية الأصلية. انا مصري اما فرقة أنا مصري هي ايضا من الفرق التي تكونت منذ بدايات هذا القرن وكان الهدف منها مقاومة الفتنة الطائفية بأغاني تحمل هذا المعني ومن اشهر اغانيها "مسلم مسيحي انا مصري" من الحان مؤسس الفرقة ايهاب عبده اما توزيعها الموسيقي الحالي للشريك في تأسيس هذه الفرقة محمد علي أحد أعضاء فرقة قيتاره ومن الشباب الموهوب والدارس والذي يعزف علي اكثر من آلة موسيقية ولكنه بارعا في الكمان الذي يعزف عليه ويستخدمه في أداء معظم الفواصل الموسيقية ويلحن حاليا بعض أعمال الفرقة كما يمتلك صوتا وأداء رائعا سبق ان تناولناه علي هذه الصفحة. الفرقة ذهبت إلي الميدان حاملة ارثها من الأعمال التي تنقد المجتمع المصري واضافت عليه اغاني ثورية الفرقة تهتم بالصوت البشري وتعتمد عليه ولكن لديها اهتمام خاص بالموسيقي الخالصة وبالتجارب الجديدة في القوالب الغنائية فتقدم الحاناً علي نمط مسرحيات الرحبانية مثل اغينة "صابر" وقدمت صيغة الاسكتش في أغنية "حادي بادي".. الألحان بها تعبيرية كبيرة ولكن من صوت كورالي وتتميز عن غيرها بتقديم الأعمال الصوفية الإسلامية مع الترانيم القبطية مميزات الفرقة ايضا ان كل أعضائها يمتلكون أصوات جميلة مدربة تدريباً جيداً.. تجربة مصطفي سعيد تختلف عن كل ما سبق لانه يقدم موسيقي تراثنا التقليدي التي تعتمد علي اللحن والإيقاع والأداء وبالعكس ربما تفوقت الموسيقي علي الكلمات التي نجدها تفتقد للشاعرية وقريبة للنثر ولكن الموسيقي اوضحت المعني واظهرت النغمات الكامنة في اللفظ العربي وهذا تجلي واضحا في اغانيه للشاعر تميم البرغوثي "ياشعب هانت وبانت" وأغنية "منصورة يامصر" الحان بها احساس بالكلمة وتعبر عنها كما انه يستخدم المقامات لخدمة هذا التعبير وتوضيحه. يساعده علي ذلك صوته الفطري الجميل والمصقل بتدريب جيد.. والفنان مصطفي السعيد حرم من رؤية النظر ولكن أنعم عليه الله بالبصيرة النافذة والتي جعلته يشعر بقيمة التراث وينهل منه ويقدمه في تجربة فريدة من خلال البومه الرائع "رباعيات الخيام".. هذا الفنان الواعي ذهب إلي ميدان التحرير وهو مكتمل النضج الفني مالكا لأدواته عازفا ماهراً لالة العود وملحنا موهوباً ودارساً للعناصر الموسيقة وعارفا باللغة العربية الفصحي والعامية المصرية متذوقا لجماليات كل منهما ولهذا امتعنا في كل اغانية عن الثورة منها اغانيه مع الشاعر الجميل أمين حداد "الظلم هايرحل لازم" وأغنية "صباح الخير علي الورد اللي فتح في جناين مصر" انه نموذج جيد لتواصل موسيقي ثورة 25 يناير مع ثورة 1919 لأنها نابعة من المدرسة الغنائية المصرية التقليدية بالتعبيرية ولاتهمل التطريب ولهذا أري أنه إضافة لفرق الموسيقي العربية التابعة لدار الأوبرا أن تستضيفة في حفله خاصة لاعماله كلها وتقدمها من خلال توزيع موسيقي جيد وسوف يكون هذا احتفال متميز بالثورة.