في الصباح وأنت تتناول فنجان القهوة علي مقعدك المريح أمام التليفزيون. أو حين تدلف إلي أحد المقاهي تنشد قدراً من الراحة بعد عملية تسوق أنفقت فيها مبلغاً وقدره. أو في أثناء انتظارك ميعاد إقلاع الطائرة في صالة المطار تحتسي فنجان "لاتيه". أو حتي عند وصولك إلي المكتب وتبدأ في تناول عدداً من فناجين القهوة علي امتداد ساعات العمل. في هذه الاثناء.. تذكر أن هذا الفنجان المنعش والضروري في حياتك يصلك بعد رحلة مضنية من شتي أشكال القمع والاستغلال والظلم.. وتذكر أكثر أن الفضل لهذا المزاج العالي يعود إلي فصيل من فقراء العالم الذين يعيشون علي الكفاف وبالكاد يجدون قوت يومهم ويتجرعون "كاسات" من الفقر المرير. هؤلاء هم الفلاحون الأفارقة الذين يزرعون أرقي وأجود أنواع البن في جنوب وغرب اثيوبيا حيث المنطقة التي تمثل "مسقط رأس" هذا المحصول: البن. إن للبن تاريخ طويل.. بلاد العرب ليست بعيدة عنه.. فالقهوة هي "نبيذ" الإنسان العربي.. وللقهوة ثقافة ارتبطت بها وبطريقة إعدادها. وبطقوس احتسائها. وقد ارتبطت زراعة البن في اثيوبيا بالاستعمار الوحشي الغربي وبالشركات الرأسمالية الكبري التي تقوم بتصنيع الأنواع المختلفة من القهوة وسوف تجد هذه الأنواع في السوبرماركات باسماء هذه الشركات مثل نسله Nestle. و"ستاربكس" Starbucks. وبروكتر وجامبل. وكرافت. الخ الخ. ويلقب البن بالذهب الاسود. مثل البترول والفحم والفلفل الأسود ومثل عبيد افريقيا السوداء الذين كان يتم اختطافهم بالشباك ويساقون في سفن تحملهم إلي العالم الجديد "الولاياتالمتحدة" حيث يزرعون الأراضي الشاسعة ويخدمون "السادة" الذين تجري في عروقهم الدماء الزرقاء. في عام 2006 أنتج وأخرج الشقيقان البريطانيان مارك ونيك فرانسيس فيلماً تسجيلياً يعتبر وثيقة فريدة. وتحقيق سينمائي غير مسبوق حول زراعة محصول البن ورحلته حتي يصلك إلي حيث تتناول فنجان القهوة. يلتقي صناع الفيلم بالضالعين في هذه التجارة التي تدر ذهباً وتعود بأرباح مذهلة لا يصل منها شيئاً يذكر إلي المزارعين. ويستعرض صور هؤلاء المزارعين أنفسهم حيث تتجسد الحقائق الصادمة في هذه التجارة. ويشير الفيلم إلي امتناع وكلاء الشركات العملاقة عن الكلام. ويلفت النظر إلي كيف تأكل "الحيتان" البشرية. البساريا الضعيفة وتتضخم ثرواتها مثل "القطط السمان" أو مثل "حيتان طرة" في دولة نامية. إن السينما وسيط ثقافي وإنساني يلعب دوراً لا يستهان به في تنوير عقولنا وفتح آفاق أمام مداركنا تكتشف مظاهر الظلم والبؤس فوق هذا الكوكب الشقي الذي نعيش فيه.