إكرام يوسف عشنا زمنا طويلا نتحدث عن "الذهب الأسود" كناية عن النفط الذي كان نعمة من الله تحولت الي نقمة بعدما صار احد عناصر سالت لعاب المستعمرين وزكت شهوتهم للسيطرة علي بلادنا فكان ما كان، وما هو كائن حتي الآن.. لكن مخرجين امريكيين هما الاخوان نيك ومارك فرانسيز سمحا لنفسيهما باستعارة التعبير ليطلقانه علي سلعة اخري هي محصول البن الاثيوبي، في فيلمهما الوثائقي "الذهب الاسود.. وجذب الفيلم الانتباه في مهرجان "صندانس" الامريكي للسينما "بالمناسبة ولمن يهمه الامر، جائزة لجنة التحكيم للسينما العالمية لاحسن فيلم درامي ذهبت الي الفيلم الاسرائيلي "الطمي الحلو" ويحكي قصة صبي يتعامل مع امه المريضة عقليا في احدي المزارع التعاونية في السبعينيات، بينما فاز الفيلم الامريكي الوثائق "العراق في شظايا" بجائزة أحسن مخرج وتصوير". نعود للفيلم الوثائقي "الذهب الاسود" الذي يقول "نيك فرانسيز" احد مخرجيه لوسائل الاعلام، ان فكرته انبثقت من اهتمامه بقضايا فقر مزارعي البن في اثيوبيا، في الوقت الذي تحصد فيه شركة عالمية شهيرة ملايين الدولارات من جراء بيع القهوة في فروعها المنتشرة في جميع انحاء العالم. وجذب الفيلم بالفعل اهتماما كبيرا من المشاهدين محبي القهوة خاصة في امريكا واوروبا بعدما اصبح البن بالفعل سلعة مهمة لدي كثير من الشعوب في العالم. منذ ان اكتشف راع للاغنام في منطقة بجنوب اثيوبيا ان أغنامه صارت اكثر حيوية بعد تناولها نوعا من الحبوب فأخذ بعضها منها وغلاها ليصنع اول مشروب للقهوة ويذكر ان الصوفيين اول من استورد القهوة من اثيوبيا الي اليمن حيث كانوا يشربونها كي يسهروا طويلا للتعبد والصلاة وفي نهاية القرن الخامس عشر وصلت القهوة الي مكة وتركيا ومن ثم الي البندقية في ايطاليا وفي منتصف اتون السابع عشر وصلت الي انجلترا بواسطة شخص تركي فتح اول محل لبيع القهوة في شارع لامبارد بلندن ومن ثم أصبح اسم القهوة بالتركية كهفي وبالايطالية كافا وبالانجليزية "كافي". وفي الوقت الذي انشغل فيه مشاهدو الفيلم الوثائقي من محبي القهوة بالجدل الدائر حول الفيلم، كانت معركة اخري تدور بين اثيوبيا وبين الشركة الامريكية العملاقة التي تسوق معظم البن المنتج في الدولة الافريقية الفقيرة، ويتراوح سعر فنجان القهوة في مقاهيها بين اربعة وخمسة دولارات. فاثيوبيا كانت تسعي الي تسجيل انواع البن التي تنتجها كعلامات تجارية املا بالحصول علي قدر اكبر من عائدات تجارتها الدولية وهو ما تعارضه الشر في انحاء العالم. وساندت منظمة اوكسفام البريطانية التي تدافع عن مصالح دول العالم الثالث حق اديس ابابا في دمغ ثلاثة من اجود انواع البن الاثيوبي بعلامات تجارية واتهمت الشركة العالمية بالتأثير علي اتحاد البن القومي في الولاياتالمتحدة لرفض طلب اديس بابا الحصول علي العلامات التجارية وهو الحق الذي أيدته معظم الدول العشر الاعضاء في اتحاد بن شرق افريقيا EAFCA وخطوة الدمغ هذه تستهدف - حسبما تري البلدان الفقيرة - حماية الحقوق المالية والقانونية وإجمالا حقوق الملكية الفكرية الخاصة بالمنتج من هذه السلعة الاستراتيجية فالدول النامية مثل اثيوبيا تقول ان من شأن دمغ محاصيلها الزراعية المميزة بعلامات تجارية ان ينتشل ملايين المزارعين من أبنائها من هاوية الفقر لانه ببساطة سيرفع اسعار انتاجهم الزراعي لكن هذا السيناريو علي ما يبدو اشد ما يخشاه مستوردو هذه المحاصيل لانه ببساطة ايضا سيقلص هوامش ارباحهم ومن ثم هددت اثيوبيا بتبني تدابير ضد الشركة اذا لم تعترف بعلاماتها التجارية ويبدو ان هذا التصعيد قد دفع الشركة الامريكية الي اعتماد لهجة تصالحية اذ اكدت علي لسان نائب رئيسها انها لا تعتزم السعي لعرقلة اي جهود تبذلها اثيوبيا لدمغ انتاجها من البن بعلامات تجارية ورغم ان الشركة حرصت علي توزيع بيانات تؤكد فيها انها تدفع سعرا معقولا للبن الاثيوبي غير ان ما يصل للمزارعين من هذه الاسعار هو اقل القليل نتيجة لما ذكرت انه غياب الشفافية في اثيوبيا الا ان السؤال يظل مطروحا في ظل هوجة العولمة واتفاقيات التجارة الحرة الي اي حد يمكن للدول الفقيرة حماية منتجاتها من غول هذه العولمة الذي يلتهم بشراسة ما يقتات عليه ابناء هذه الدول؟ وما الذي يجب علي الدول النامية عمله للحفاظ علي فرصة فقرائها في البقاء والتمتع بناتج ما تملكه من ثروات طبيعية ومن مواد خام؟ وعلي سبيل المثال؛ فقد نجحنا في مصر في الحصول علي شعار او علامة تجارية للقطن المصري؛ وقامت كل من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية واتحاد مصدري الاقطان بالاسكندرية بتسجيل الشعار في مصر وتم التسجيل عالميا في الولاياتالمتحدةالامريكية وجار التسجيل في كندا، اوروبا، آسيا، واجزاء مختلفة من العالم. وستؤول ملكية هذا الشعار تدريجيا الي اتحاد مصدري الاقطان كما تم صياغة عقد الترخيص الذي سيحكم استخدام الشعار ويضمن الحفاظ