تعد الأعمال الإبداعية المعاصرة - في الكثير من أحداثها - انعكاساً لحياتنا السياسية. والانتخابات بعداً مهماً في ذلك. قرأنا عن الانتخابات في زقاق المدق لنجيب محفوظ. والشارع الجديد للسحار. ونفوس مضطربة لأحمد زكي مخلوف. وقصص يوسف السباعي القصيرة. وغيرها. وفي ليلة انتخابات أحدث مجالسنا النيابية يتحدث الأدباء عن معني هذا الحدث المهم في حياتنا. يستعيد الشاعر حسن فتح الباب أيام صباه. حين سمع كلمة الانتخابات: تذكرت صندوق الدنيا الذي كنا نلتف حوله ونحن أطفال نسمع ونري السيرة الهلالية وسير الزير سالم وعنترة وبيبرس وغيرها. وحينما بلغت سن الرشد عرفت أن صندوق الانتخاب مازال صندوق الدنيا. لأنه صراع كما هو الحال في كل المجتمعات. لاسيما مجتمعنا العربي. وقد شاهدت ذلك حين كنت ضابط شرطة في الأرياف. وأسندت لي مهمة الأمن والإشراف علي النظام في بعض الدوائر الانتخابية. وما يعتورها من غرائب وعجائب. ومع ذلك تظل الانتخابات البرلمانية هي محك قدرة المواطن علي ممارسة حريته. وحقه في اختيار من يصلح للدفاع عن حقوقه. وصد غائلة المغيرين عليها من المفسدين في الأرض. فالانتخابات تعني الديمقراطية وهي أهم ما نالته الشعوب عبر كفاحها الطويل من حرية ومساواة وعدالة سياسية واجتماعية. ويري الروائي حسني سيد لبيب أن انتخابات مجلس الشعب تمثل البناء السليم في المستقبل الواعد للأجيال القادمة. حيث تتحقق التنمية الاقتصادية لمختلف طبقات الشعب. لذا ينبغي أن يتوجه الناخبون إلي صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم للمرشحين الذين يستحقون ثقتهم. فصوت الناخب أمانة ينبغي الحرص عي أدائها. ونحن الأدباء في أمس الحاجة إلي من يمثلنا تحت قبة البرلمان. حتي يتحقق الازدهار للثقافة بصفة عامة. والآداب والفنون بصفة خاصة. ويقول د. محمد علي سلامة إن الانتخابات تمثل - في الدول الديمقراطية - تعبيراً عن إرادة المواطن الحر الذي يختار بناء علي برامج موضوعية. تمثل اتجاهات ولا تمثل أشخاصاً. وفي هذه الحالة تكون قناعة الناخب مبنية علي أساس عقلي بحت. أو قناعة أخري بأن الأشخاص الذين يتبنون هذا البرنامج قادرون علي تحقيق مقومات أو بنود هذا البرنامج. وهذا ما نلمسه في جميع الدول التي تطغي فيها البنية الثقافية علي بنية الفردية أو الأفكار الشخصية. ويكون هذا البرنامج قائماً علي أسس راسخة وثابتة. تنبع من دستور البلاد الثابت والدائم الذي يحكم الأشخاص أيا كانت مواقعهم. وينضوون تحت لوائه. وتبرز قدراتهم الفردية. من خلال إجادة تطبيق بنود هذا الدستور والالتزام به. فتبعد الأهواء الشخصية عن ممارسة دورها. مهما كانت قوتها. وبالالتزام ببنود هذا الدستور تضمن حقوق المواطنة علي أعلي درجاتها. وفي هذه البلاد المؤسسية نجد الاختلافات بين برامج الأحزاب تنبع من تأويلات مختلفة لنص الدستور. واجتهادات قوية في محاولة تطبيقه. وبلادنا تمضي في هذا الطريق. وإن لم تكن قد وصلت إلي المستوي الأمثل. إنما هي سائرة في هذا الطريق. والدليل هذه المشاركة الفعالة من جميع القوي السياسية في مصر بهذا الزخم الهائل. ومن خلال بعض المؤتمرات الانتخابية. سواء للحزب الحاكم. أو للأحزاب السياسية المعارضة. نلمح تطوراً علي هذا الطريق. بدليل ما طرحه حزب الوفد من حكومة الظل. بالرغم من أنه ليس متأكداً أو متيقناً من مسألة فوزه في الانتخابات. إنما هي خطوة تحسب له. وتحسب للنظام. بأن سمح بها في ظل مناخ يقترب بنا كثيراً من الصورة المنشودة. ولكي تتم الانتخابات في مجتمع ديمقراطي - والكلام للناقد والمترجم ربيع مفتاح - فلابد أن يتمتع أفراد المجتمع بحقوق المواطنة كاملة. وهو حق التصويت. وحق الترشيح. وحقه في عدم تزييف إدراته. ولابد أيضا من تحقيق نوع من إتاحة الفرص أمام الجميع بقدر متساو. ولا تفرقة بين مواطن وآخر بسبب اللون أو العرق أو الدين. عندما يتمتع المواطنون بحق المواطنة كاملة. يكونون أمام القانون سواء. ويترتب علي ذلك سيادة مناخ الديمقراطية. ولن يتم ذلك إلا إذا كان المواطن علي درجة من الوعي تؤهله لفهم الواقع الذي يعيشه. والمستقبل الذي يتطلع إليه. يصبح في حالة تجانس ثقافي واجتماعي. ويكون التمييز لمن يرشح نفسه قائماً علي أساس برنامج انتخابي بعيداً عن الارتكاز إلي شلل أو عائلات أو قبائل. في بريطانيا - علي سبيل المثال - كان جون ميجور موظفاً في بنك. وسأل صديقاً له عن كيفية ممارسة العمل السياسي. فأجاب: أن تنضم إلي حزب. فانضم إلي حزب المحافظين. ثم رشح نفسه. وحصل علي ثقة أهل دائرته ثم أصبح نجماً في الحزب. وحصل علي وزارة الاقتصاد. ثم رشح نفسه لرئاسة الحزب. ونالها بعد أن نال ثقة الناخبين. وهناك أوباما الذي يعد من الأقلية في فصول الولاياتالمتحدة. أهّل نفسه بدراسة القانون. وحصل علي درجة عالية في القانون. ثم انضم للحزب الديمقراطي إلي أن أصبح حاكماً للولاية. ثم رشح نفسه رئيساً لأكبر دولة علي وجه الأرض. هل هذا السؤال يمكن تطبيقه في كل المجتمعات العربية؟ ولماذا؟ إذا أردنا التقدم في مجال ما. سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً. فلن يتأتي ذلك إلا إذا كانت قاطرة الثقافة هي التي تقود بقية العربات. البداية هي الوعي والثقافة. وفي تقدير الروائي كمال رحيم أن الانتخاب هو عصب أي نظام اجتماعي عادل. وفكرة الانتخابات البرلمانية تعني تولي مجموعة من البشر السلطة التشريعية عبر انتخابات حرة ونزيهة. معني ذلك أن أغلبية الشعب راضياً عن هذه المجموعة لإدارة أموره التشريعية لفترة محددة. فإذا تحققت في تلك الفترة المصالح المأمولة للشعب. فإن المجموعة سترشح نفسها. ومن ثم تفوز بثقة الشعب. ومن هنا نشأت فكرة المعارضة. فهم جماعة من الناس يناقشون تصرفات الحزب الحاكم. ويبدون رأيهم فيها. ويعرضونها أحياناً. وكل ذلك لصالح الشعب سواء فاز حزب أو فشلت أحزاب تشكل كتلة معارضة. ويتم صراع بينها هو - في الحقيقة - لصالح الشعب. لأنها تتصارع علي من يحقق أكبر أهداف ومصالح الشعب. الانتخاب وسيلة ديمقراطية لتحقيق أهداف ومصالح الشعب. وهذا يتطلب أن يكون الشعب علي درجة معقولة ومقبولة من الثقافة تجعله يهتم بالشأن العام والمصلحة العامة. فالشعوب الأكثر تطوراً تهتم بالشأن العام. نحن تجد أبسط الناس حياة وتعليماً وثقافة يرفضون أو يؤيدون فلاناً لتمثيلهم. الرجل يقول لا لمن انتخبه لأنه لا ليحقق الصالح العام. إن النظام البرلماني يشرع ويضع القانون الذي ينظم أحوال الجماعة. فلابد من اختيار الصفوة العاقلة القادرة علي وضع تشريعات تحقق صالح الناس وتضبط علاقاتهم. وهو يراقب أداء السلطة التنفيذية عبر القنوات الشرعية مثل السؤال والاستجواب.