لا يختلف اثنان علي حالة الفوضي الكلامية التي تنشرها برامج التوك شو علي مختلف الفضائيات.. حالة أدخلت المشاهد والمتابع في متاهة ودوامة لم يعد يعرف فيها الصحيح من المغلوط.. الحق من الباطل.. المنزه من المغرض. لقد شتت معظم هذه البرامج عقول المشاهدين وجعلتهم حائرين في المشهد السياسي والمشهد العام وأوصلتهم إلي حالة من الملل والزهق وفقدان الأمل بعد ثورة رائعة كان يتمني منها هذا الشعب العظيم الصابر المثابر أن تتحسن الأوضاع وأن يجد شيئا مبهجا وأملا في مستقبل أحسن. لقد استطاع المحاورون والمذيعون والضيوف علي مختلف مشاربهم في هذه البرامج التي تمطرها الفضائيات بلا رحمة أن تحبط الناس وتقلق مضاجعهم باشتباكات كلامية متناقضة في كل شيء وفي كل مشكلة وفي كل مصيبة. والمشاهد العادي الذي تسرب الإحباط إلي نفسه لا يستطيع بالطبع أن يحلل ما يسمع وما يري وأن يعرف توجهات هذه القناة أو تلك أو هذا الضيف أو ذاك ولا يستطيع بالطبع التوصل إلي حقيقة بعينها. لا يعرف مثلا أن هناك قنوات لها توجهات معينة تفرضها عليها جهات تمويلها وأن هناك قنوات يتم دفعها نحو اتجاهات بعينها لتسويد حياة الشعب المصري وبث حالة اليأس فيه أو تأجيج مشاعره في اتجاه معين وهذا ما يعرف بالاعلام المأجور الذي ينفذ أجندات معينة. وهو في رأيي لا يختلف كثيرا عن اعلام الانترنت الذي يتلاعب به الهواة وتلعب فيه كل الأطراف التي لا تتورع عن صناعة الأكاذيب والشائعات وتحترف الفبركات المسجلة والمصورة وكلاهما كفيل بتدمير هذا الوطن ونشر الفتن في أرجائه. لو كانت هناك قنوات تليفزيونية محترمة محايدة وتضع مصالح هذا الوطن نصب أعينها لاستطاعت أن تقدم الحقيقة وأن تتحري الدقة فيما تبثه من صور وأخبار وأن تختار ضيوفا ليس لهم أهداف خفية ومصالح ذاتية يستطيعون تقديم رؤية عاقلة متأنية لوطن يتحسس طريقه نحو الاستقرار ونحو الديمقراطية ووطن ينتقل من مرحلة إلي مرحلة بفضل ثورة سلمية أشاد بها العالم وكان هدفها واضحا وجليا. الشعب المصري الذي صبر طويلا علي نظام فاسد ظالم دمر علي مدي ثلاثة عقود كل شيء وأفسد كل شيء كان يستحق إعلاما حرا نزيها بناء يؤواز ثورته ويؤازر أمله في حياة حرة كريمة ترفع الظلم عنه كان في حاجة إلي رجال مخلصين وليس رجال مأجورين لا تهمهم إلا مصالحهم ومصالح من يستأجرهم. التاريخ الإعلامي سيسجل في صفحاته كما سيسجلها المصريون في عقولهم كل محاولات إفشال الثورة المصرية وكل محاولات إثارة الفتنة وتأجيج المشاعر وسيسجل كل لحظة ساهم فيها هذا الإعلام في زعزعة الأمن وتأخير لحظة البناء.. سيسجل الفبركات المغرضة وسيحاسب في وقت ما كل من أراد بمصر سوءا.