لا شيء يشخص حالة الإعلام العربي في تناوله للانتفاضات الشعبية إلا أنه خلطبيطة بث مباشر.. الإعلام الرسمي يصور الثوار بأنهم مرتزقة مأجورين لديهم أجندات داخلية وخارجية بل ولا يستحي من وصف حفنة لا تتعدي العشرات أو المئات من المؤيدين المنتفعين والمأجورين بالشعب.. ناهيك عن التركيز علي الرقص والأهازيج في الشوارع تأييدا للزعيم في الوقت الذي يتغاضي فيه علي مشاهد قتل المتظاهرين بالرصاص الحي والمطاطي. حدث هذا في تونس ومصر واليمن وبدرجة أكثر كاريكاتيرية في ليبيا حيث استخدم القذافي الصواريخ والطائرات ضد المتظاهرين في الوقت الذي ينقل فيه إعلامه الرسمي الرقص والهتافات المؤيدة للزعيم في الميدان الأخضر وأناس يتزردون والزردة في اللهجة الليبية تعني الفسحة. ويصل منطق التغييب أشده في سوريا حيث بث التليفزيون السوري مشاهد كدليل علي أن تظاهرات الشعب والقتلي والجرحي فبركة إعلامية وحيل تصوير.. نعم فإن شر البلية ما يضحك.. ونكتفي بمشهد واحد فقط حيث بث صورا عن قيام مجموعة من أصحاب الأجندات - علي حد تعبير التليفزيون السوري ذ بإعداد سائل أحمر مثل الدم ورشه علي المتظاهرين لإظهار وحشية النظام في الأوساط العالمية.. سمعنا من قبل عندما يريد شخص أن يأكلنا البالوظة أنه شرب حاجة صفراء لكن لم نسمع عن حاجة حمرا إلا في الحالة السورية. وعلي النقيض نري الفضائيات أصحاب الأجندات علي دين الممولين ومصدرهم المفضل والسهل هو: شاهد عيان .. فهناك قنوات التمويل الخليجي التي تخصصت في صب الزيت علي النار وليس مهما أي شيء مادام الأمر بعيدا عن الممولين فهي علي سبيل المثال تركز علي فظائع كتائب القذافي وتتغاضي عما يحدث في المشهد البحريني.. كما تمسك العصا من النصف في تصوير المشهد اليمني لحين اتضاح مواقف أصحاب المال.. وفي المقابل نجد القنوات ذات التمويل الإيراني وأتباع حزب الله يركزون علي فظائع تعامل النظام البحريني مؤيدا بقوات من السعودية ضد المتظاهرين الشيعة. وفي منطقة المتفرج يتجسد منطق المصالح حيث تقف قناة الحرة الممولة من الاستخبارات الأمريكية وكذلك روسيا اليوم .. الأولي تعكس بالطبع المواقف الأمريكية ومصالحها .. والثانية تعكس الموقف الروسي المناوئ لكل ما هو أمريكي مع الاعتراف بأن روسيا اليوم تستحق لقب القناة الأكثر حيادية بالمفهوم النسبي وليس المطلق. لوحة سيريالية يقف المشاهد العربي إزاءها حائرا "يضحك أم يبكي".. متحسرا علي ما آل إليه إعلام اليوم الذي لا بد له من مخرج ينقذ ماء الوجه. السؤال الآن: هل الحديث عن الإعلام المحايد ذهب إلي خبر كان أو أصبح من المستحيلات؟