شيء رائع بلا شك أن يبادر الإخوان والسلفيون لإعلان تشكيل دروع بشرية ولجان شعبية لحماية الكنائس أثناء الأعياد المسيحية باعتبار ذلك واجبا دينيا ووطنيا.. وهي رسالة تطمينية تقول للإخوة المسيحيين إن هؤلاء الإخوان والسلفيين الذين اختارهم الشعب للبرلمان ليسوا فزاعات مخيفة ولا كائنات غريبة قادمة من كوكب آخر لتقلب الوطن رأساً علي عقب. حسناً.. ولكن الأفضل أن تتجاوز الفكرة هذه الكيانات الحزبية والجماعات لتشمل شباب الوطن بكل أطيافه حتي يشعر الجميع بالمسئولية وبأنه شريك في هذا المهرجان الوطني الذي يجسد وحدة المصريين. لماذا تكون الدروع البشرية واللجان الشعبية من الإخوان والسلفيين فقط؟!.. لماذا لا تتسع الدائرة لتشمل أطيافا أخري مثل الجمعية الشرعية وشباب الثورة الممثل في ائتلافاتها والمصريين الأحرار وشباب الوفد والتجمع ومن يقدر علي المشاركة ويسعي إليها؟! انها تجربة بديعة حقاً أن يشارك المصري المسلم في حراسة أخيه المصري المسيحي وهو يحتفل بعيد الميلاد المجيد داخل كنيسته.. سوف يكون المشهد مهيباً بلا شك ومعبراً عن مصر الجديدة التي حلمنا بها.. والروح الجديدة التي بعثت فينا أثناء الثورة المجيدة حينما كان الشباب المسيحي في ميدان التحرير يقوم بحراسة الشباب المسلم وهو يصلي.. كما كان الشباب المسلم يحرس الشباب المسيحي وهو يقيم قداسه.. ثم يرفعون معاً القرآن والإنجيل.. الهلال والصليب. ويبقي إلي جانب هذا الدور الشعبي في حراسة الكنائس الدور الأهم والأساسي لقوات الأمن ومعها قوات الجيش التي حققت نجاحا باهرا في حماية اللجان الانتخابية وعليها واجب حماية الكنائس بنفس الروح وبنفس الحماس والشعور بالمسئولية. اننا لو نجحنا في هذه التجربة فسوف نقطع الطريق علي الذين ينفخون في النار.. والذين يزايدون علي الطرفين المسلم والمسيحي.. ويسعون لتأجيج الفتن حتي لا تهدأ مصر وتنعم بالاستقرار.. وتظل في غليان دائم.. يخاف بعضها من بعض ويشك بعضها في بعض.. فلا تقوم لها قائمة. أعرف مما نشرته الصحف أن البابا شنودة رفض تأجيل أو إلغاء أعياد الميلاد حتي لا يعطي صورة سيئة عن مصر.. وطلب من مسئولي الكنيسة توجيه دعوات حضور قداس عيد الميلاد لكل الأحزاب السياسية بما فيها الأحزاب السلفية كالأصالة والنور والفضيلة وحزب الحرية والعدالة.. وهي مبادرة طيبة يجب أن ترد إلي البابا بأفضل منها. وأعلنت جماعة الإخوان انها سترسل وفداً رفيع المستوي إلي الكاتدرائية لتهنئة البابا وجموع المسيحيين بالعيد.. وقال الدكتور طارق البيطار أحد قيادات الدعوة السلفية انه تم تشكيل دروع بشرية ولجان شعبية لحراسة الكنائس أثناء الاحتفالات حتي لو وصل الأمر إلي استشهاد شبابنا فديننا يدعونا للحفاظ علي من يعيشون معنا في الوطن. لكن للأسف هناك بعض المواقف السلبية في هذا المناخ الطيب.. وهذه المواقف تعبر عن أناس غير قادرين حتي الآن علي التفاعل بإيجابية مع اللحظة التاريخية وضروراتها. من ذلك الفتوي المنسوبة لقيادة سلفية عن تحريم تهنئة المسيحيين بأعياد الميلاد.. وما تردد عن تهديد نجيب ساويرس للكنيسة ان هي استقبلت الإخوان والسلفيين في الأعياد. وفي هذا الإطار حملت صحيفة "المسائية" يوم الجمعة أول من أمس عنوانا صادما يقول: "حوائط بشرية من شباب ماسبيرو لمنع دخول الإخوان الكنيسة".. وفي التفاصيل أن رامي كامل منسق اتحاد شباب ماسبيرو دعا إلي اعتصام داخل الكاتدرائية لأهالي شهداء ومصابي أحداث ماسبيرو للتأكيد علي رفض الشباب المسيحي فكرة دخول الإخوان الكاتدرائية. أما صحيفة "الوفد" فقد نشرت في عدد الجمعة أيضاً تصريحا للأنبا كيرلس أسقف نجح حمادي وصف فيه دعوات الإخوان والسلفيين لحماية الكنائس بأنها "شغل سياسة وانتخابات" وعلق قائلاً: "يا جحا مرات أبوك بتحبك قال تبقي اتجننت". والأنبا كيرلس هو نفسه الذي أعلن عن تلقيه تهديدات علي هاتفه المحمول بتكرار مذبحة نجع حمادي إزاء احتفال الكنيسة بعيد الميلاد مثلما حدث في يناير قبل الماضي. هذه بعض نماذج للمشاعر المضطربة والمحيطة.. لكن الذي لا شك فيه أن مصر تنتظر لحظة التوافق والتعاون وتشابك الأيدي.. لحظة الانصهار والانسجام بين مسلميها ومسيحييها وعودتهم إلي روح الأسرة التي كانت حتي نطمئن جميعا إلي أن الثورة قد نجحت فعلاً.