لا أدري سبباً واحداً للإصرار علي مجلس الشوري والاجتهاد في إجراء انتخاباته بكل جدية مع أن لا أحد يذكره بخير.. ولم يكن له دور حقيقي في الحياة السياسية يذكر له فيشكر عليه.. بل كان مجرد ديكور مثل ديكورات كثيرة لاستكمال الشكل الديمقراطي حتي يقال إن عندنا برلماناً بمجلسين كما أن في أمريكا برلماناً بمجلسين. ونحن الآن إذ نبحث عن أفضل السبل لاختصار المرحلة الانتقالية فإن انتخابات مجلس الشوري التي يخطط لها أن تجري علي 3 مراحل أو مرحلتين تمثل عقبة حقيقية علي الطريق.. مع أن هذا المجلس لا يستحق كل هذا الاهتمام ولا يجوز أن يكور معطلاً للمسيرة حتي يتسني الإسراع بإعداد الدستور والدخول مباشرة إلي انتخابات الرئاسة. الحقيقة التي نعرفها جيداً هي أن مجلس الشوري مجرد شكل لا مضمون.. ونحن نريد أن نتخلص من كثير من الشكليات التي تعرقل حركتنا ولا جدوي منها. أخشي أن يكون السند الوحيد للإصرار علي بقاء مجلس الشوري هو ما ورد في المادة "60" من الإعلان الدستوري التي تنص علي أن يتولي أعضاء مجلسي الشعب والشوري غير المعينين انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية التي تختص بوضع الدستور.. وبذلك أعطت هذه المادة وجوداً ودوراً لمجلس الشوري إلي جانب مجلس الشعب. إذا كان الأمر كذلك ففي استطاعة المجلس العسكري أن يجري حوارا شاملا مع المجلس الاستشاري والقوي السياسية الفاعلة والوصول إلي قرار جرئ فيما يخص وضعية مجلس الشوري.. فإذا ما تحقق التوافق في هذا الشأن يمكن للمجلس العسكري أن يصدر تعديلا للإعلان الدستوري ينص علي إلغاء مجلس الشوري ونقل كامل صلاحياته واختصاصاته إلي مجلس الشعب ليكون هو المجلس الوحيد المضطلع بالمسئوليات البرلمانية من تشريع ورقابة علي الحكومة. ليس لدينا وقت نضيعه في انتخابات مجلس الشوري.. وليس لدينا مال واعتمادات للإنفاق علي هذه الانتخابات وعلي الجلسات والأعضاء.. هذه رفاهية ليس من العقل أن تتحملها ميزانية دولة مديونة واقتصادها يترنح. ربما تكون الفرصة سانحة الآن لاتخاذ القرار التاريخي بالتخلص من هذا المجلس.. ومجالس أخري عديدة لا تقدم شيئاً ملموساً للوطن.. في ضوء الدعوات المطروحة حالياً للتقشف وضبط الإنفاق.. وتوجيه اعتمادات ميزانية الدولة إلي التعليم والصحة وتشغيل المصانع المغلقة ومعالجة قضية البطالة. نحن نتلمس الطريق الآن لبناء الجمهورية الثابتة القائمة علي الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.. وقد دعا السيد منصور حسن رئيس المجلس الاستشاري للمجلس العسكري جميع القوي السياسية إلي الاجتماع للتوافق فيما بينها علي الأفكار والمقترحات المطروحة حول الترتيبات الصحيحة خلال الفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية.. وهي مبادرة طيبة ربما تفتح الباب للحوار حول إلغاء مجلس الشوري.. واستغلال الوقت الذي سيعطي لانتخاباته في الإعداد بشكل جاد وسريع للدستور الجديد فور انعقاد الجلسة الأولي لمجلس الشعب. لقد كتب كثيرون يطالبون بإلغاء مجلس الشوري.. وأتمني أن تلبي القوي السياسية تلك الرغبة الشعبية العارمة.. حني نعطي إشارة بأن النظام الجديد ليس في حاجة إلي ديكورات.. ولا يهتم بالشكليات.. ولن ينفق مليماً إلا في موضعه الحقيقي. أضف إلي ذلك أن غياب هذا المجلس سوف يمنع رئيس الجمهورية القادم من أن يلعب علي حبلين.. أو يستخدمه كمحلل أو بديل لمجلس الشعب إذا ما اصطدم به.. وأن يقدمه للشعب علي أنه مجلس الحكماء أو مجلس الشيوخ لينتقص من دور ومكانة البرلمان الحقيقي. لا نريد أن تكون هناك أية فرصة أمام الرئيس القادم للتلاعب أو الالتفاف علي مجلس الشعب الجديد الذي نتوقع أن يكون مجلسا قويا له أنياب وليس مجلسا مستأنساً. ان إلغاء مجلس الشوري سيقدم أكبر فائدة للتبكير بالمراحل المتبقية من الفترة الانتقالية.. وسيختصر مرحلة لا جدوي من ورائها.. فهل نحن قادرون علي مواجهة الحقيقة ومواجهة أنفسنا واتخاذ القرار؟!