أصبح في حكم المؤكد أن الإخوان المسلمين "الجماعة المحظوظة" ستقود قاطرة الإنتاج السينمائي في مصر مع بداية العام الجديد وأنها ستضع استثمارات كبيرة في هذا المجال.. ولكن أحدا لا يعرف كيف ستقودها وفي أي اتجاه. فبعد أن اكتسح حزب الحرية والعدالة الواجهة السياسية للجماعة انتخابات مجلس الشعب في المرحلتين الأولي والثانية لم يخف الإخوان برامجهم المستقبلية التي أعدوها سلفا فلن يقتصر نشاطهم علي المراكز الطبية والخدمية والأعمال الاجتماعية والخيرية ولكن سيظهرون في مواقع عديدة ليس علي المستوي السياسي والاقتصادي فقط ولكن علي الأصعدة الثقافية. وقد طالعت مؤخرا تصريحا لوزير الثقافة الحالي شاكر عبدالحميد أنه لا يتوقع أن يبقي في منصبه بعد الانتخابات لأن الإخوان لن يرضوا عنه وأن لديهم بدلاء سيحتلون هذا المقعد.. وأنا أري ذلك أيضا واعتقد أن وزيرا للثقافة منتميا أو متفاهما مع الإخوان سيحتل المقعد آجلا فهم يدركون قيمة هذا الموقع ولديهم خطط لتفعيل الثقافة في المجتمع قد تدهش الجميع. لم يأت إعلان الإخوان عن دخولهم مجال الإنتاج السينمائي من خلال مستشارهم ومنسقهم في هذا المضمار محسن راضي عضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة من فراغ بل وفق برنامج محدد سلفا واستثمارات كبيرة هي مثار قلق الآن في الوسط السينمائي الذي يبدي تخوفه من اكتساحهم للساحة أو الحجر علي نوعية السينما والأفلام التي يتبنونها منذ سنوات طويلة وتحقق لهم أرباحا هائلة. وحسب تصريحات الإخوان في هذا الشأن فإنهم لن يحجروا علي أحد واعتقد أنهم من الذكاء الذي يجعلهم لا يصطدمون مع الواقع الموجود بالفعل ولكنهم سينتهجون طرقا مختلفة ويقدمون أفلاما ذات مذاق مختلف وسيتعاملون فيها مع المبدعين الموجودين علي الساحة وغيرهم.. وبما أنهم هم المنتجون وأصحاب رأس المال المستثمر فلهم الحق في وضع السياسة العامة التي يريدونها لإنتاجهم والمواصفات العامة لأفلامهم التي ستحمل بالطبع قيما أخلاقية مختلفة واعتقد أنهم لن يدخلوا بهذه الاستثمارات لصناعة أفلام موجهة أو أفلام متخشبة كما يعتقد البعض فهم سيعملون وفق قواعد تجارية أيضا هم يلعبونها جيدا وهم يدركون أن السينما صناعة هامة ما لم يتواصل معها الجمهور ويساندها ستسفر عن خسائر طائلة.. وهم في رأيي يراهنون علي الجماهير كما راهنوا عليها في صناديق الانتخابات.. ووقتها سيكون الجمهور هو الحكم بين إنتاجهم وإنتاج الآخرين. ليس مستبعدا علي الإطلاق أن يتحالف مستثمر الإخوان في السينما مع شركات إنتاج أخري تتوافق معهم لتقديم أفلام عالية القيمة فنيا وأخلاقيا وليس عسيرا عليهم أن يجذبوا النجوم للعمل معهم وليس عسيرا عليهم أن يخلقوا نجوما جددا والمؤكد أنهم لو جعلوا الآخرين يطمئنون إليهم سيغيرون مؤشرات السينما المصرية وسيجد المنتجون الذين أغرقونا بأفلام "هلس" أنفسهم في مأزق لن يخرجوا منه بسهولة ما لم يغيروا أنفسهم ويبحثون عن سينما أفضل. اعتقد أن دخول استثمارات جديرة وكبيرة في مجال صناعة السينما سيعطي فرصة جيدة بل ورائعة لمشاريع سينمائية رائعة لا يجد مبدعوها وصانعوها أي استجابة من المنتجين التقليديين الذين يسيطرون علي هذه الصناعة الآن. مشاريع محترمة منها مشاريع تم الاحتفاء بها في مهرجان دبي ومساعدتها علي أساس أنها مشاريع لأفلام محترمة تحمل فكرا اجتماعيا جيدا. وقد تكون استثمارات الإخوان في هذا المجال فاتحة خير لمئات من الشباب الذين لا يجدون فرصة حقيقية لدي منتجين أدمنوا صنفا واحدا وجعلوا من الأفلام المصرية مسخرة ومهزلة ولم يتلفتوا لشباب صاعد واعد لديه أفكار كفيلة بوضع السينما المصرية علي القمة لأنها في رأيهم أفلام لن تجد نجاحا في شباك التذاكر. لا اعتقد أن مستوي هذه الاستثمارات الإخوانية في السينما سيفرضون شروطا تعجيزية تحول دون إنتاج أفلام جماهيرية ومحترمة في نفس الوقت فلا التعري يغير فيلما جيدا ولا الممارسات غير الأخلاقية تقفز بفيلم إلي النجاح.. ولا الهزل والسخافة والاستخفاف بعقل المشاهد هو الطريق للنجاح. فالشباب المصري الذي لا يجد الفرصة من خريجي أكاديمية الفنون علي مدار عشر سنوات أو أكثر لديه مشاريع مختلفة لسينما جديدة بعيدة عن تلك التي روجها بعض المنتجين البائسين الذين تعيشوا علي التفاهة والهلس لسنوات عديدة ولديهم أفلام تحترم عقلية المشاهد وقد يحصل بعضها علي جوائز عالمية لما فيها من أبعاد اجتماعية وسياسية ونفسية وقيم أخلاقية ورؤي سينمائية أرقي وأتمني أن يلتفت الإخوان المنتجون لهذا الشباب فهم قادرون علي صناعة السينما الأجمل والأرقي التي يريدونها.