أوبرا "رودليندا" التي تم بثها من المتروبوليتان تعد من الأحداث الفنية الهامة في مجال التعريف بالتراث الموسيقي العالمي وذلك لأنه للمرة الأولي التي تشهد فيه الساحة الموسيقية عندنا أوبرا من عصر الباروك "1600-1700" مما يمثل إضافة وإثراء حتي لو كان هذا من خلال شاشة سينمائية بالمسرح الصغير والأوبرا تمثل إحدي محاولات الإحياء واكتشاف كنوز هذا العصر والتي بدأت في أواخر القرن التاسع عشر واتسع نطاقها طوال القرن العشرين حتي الآن لدرجة أنه انتشرت فرق متخصصة في تقديم موسيقي ورقصات هذا العصر بعضها يتم تقديمها بنفس الآلات وآخرون يقدمونه برؤية جديدة وهناك من يستلهمه في أعمال معاصرة كما أن هناك من يؤلف علي غراره فرق كثيرة ومتنوعة انتشرت في كل من أوروبا وأمريكا ولأن فن الأوبرا من الفنون التي يمثل هذا العصر بدايتها نجدها حازت علي اهتمام الكثير من الفنانين سواء من يقدمها من خلال سيناريو معاصر أو كما هي ولكن باستخدام التكنولوجيا الحديثة وهذا ما حدث مع هذه الأوبرا التي نحن بصددها.. المهم الخالد والباقي دائماً هي الموسيقي. أوبرا "روديلندا" من أعمال المؤلف الألماني الانجليزي جورج فردريك هندل "1685-1759" والذي يعد من عمالقة عصر الباروك له العديد من المؤلفات الموسيقية المتنوعة تمثل الأوبرا أحد أركانها الهامة حيث له العديد منها وهذا العمل تم عرضه لأول مرة عام 1725 بلندن وتم إحياؤه حديثاً عام 1920 أي بعد عرضها الأول ب200 عام ثم تم إنتاجها عام 1998 أما أول إنتاج في المترو بوليتان كان عام 2004 وأعيد إنتاجها في 2006 وتقدم حالياً في 2011 والبطولة في العروض الثلاثة كانت للسبرانو "رينيه فلمنج" والأوبرا كتب النص "ليبرتو" نيكولا فرانشيسكو هايم وتتكون من 3 فصول وتدور أحداثها في مدينة ميلانو والقري المحيطة بها حول الملكة "روديلندا" التي اغتصب "جريموالدو" عرش زوجها الملك "برتاريدو" واستولي علي الحكم ويعلن عن موت الملك المخلوع وظلت الملكة وابنها "فلافيو" حبيسين في القصر وتتعرض لموقف صعب حيث يعرض عليها "جريموالدو" الزواج رغم أنه كان سبق له خطبة أخت زوجها "أوديجي" التي تتعاون معها لإنقاذ الملك الذي يظهر متخفياً بمساعدة صديقه وترفض روتليندا الزواج منه وبعد خطة يشارك فيها الجميع يعود العرش ويلتئم شمل الأسرة المالكة. الأوبرا كما شاهدناها يتمثل فيها سمات الأوبرا في هذا العصر حيث إن التركيز علي الغناء الفردي وكأنك تستمع إلي مجموعة من الأغاني يربطها خط درامي بسيط كما أن هناك تكرارا في الجملة بنفس الألفاظ ولكن بتغيير طفيف في النغمة كما أن هناك الكثير من الزخرفة أيضاً نلحظ هنا أدوارا لرجال يغنون بأصوات قريبة للنسائية ويطلق علي هذه الطبقة الصوتية "كوستراتو" وتضاف للطبقات النسائية المعروفة "سيرانو ميتزوسبرانو ألتو" وكان يؤديها في الماضي الشباب الذي لم يكتمل نمو أحباله الصوتية لاضطراب هرمونات الذكورة نتيجة لعمليات منتشرة في هذه الفترة الزمانية طبقاً لتقاليد تخص الكنيسة أما الآن يؤديها التينور الذي يستطيع أن يصل إلي الدرجة الحادة جداً ويطلق عليه "كونترتينور" وقام بأدائها في هذا العمل كل من "جوزيف قيصر" الذي أدي دور الملك "وايستن دافيس" الذي أدي دور "اونولفو" صديق الملك والذي لديه مواهب غنائية جيدة جعلته متميزاً في أداء أغاني هذا العصر وله شهرة كبيرة في هذا المضمار حيث يبدأ نغمة ثابتة ومستمرة ثم يتدرج حتي يصل إلي الارتعاش وهذه من أهم سمات موسيقي وغناء الباروك والتي أفرطت فيها نجمة العرض "فلمنج" والتي أحياناً كانت تخرج بها عن السياق الدرامي. من أبطال العمل أيضاً التينور "اندريس شول" الذي أدي دور "برتاريدو" مغتصب عرش الملك ومستشاره "جاريبالدو" الذي لعب دوره الباص "شنيانج" والاثنان كانا علي درجة عالية من الأداء المتميز سواء في الغناء أو التمثيل الدرامي المعبر وبشكل عام جميع أبطال العرض لعبوا الأدوار الغنائية بأسلوب تعبيري قصده المؤلف حيث نجد تبايناً واضحا بين الخير والشر. أيضاً أهم الشخصيات في هذا العمل الميتزو سبرانو الشهيرة "ستيفاني بلايث" التي أدت دور "أوديجي" شقيقة الملك وقد استطاعت أن تعطي ابعادا لهذا الدور التي اشتهرت به حيث حافظت علي سمات الغناء الباروكي بالإضافة للتعبير الدرامي التمثيلي بتوازن ملحوظ والذي تطلبته هذه الشخصية التي تناور برتاريدو أحياناً وتظهر حبها له ومرة أخري تتآمر ضده من أجل أخيها وتعقد الصفقات مع مستشاره في محاولة لإنقاذ رودليندا وابنها مواقف متناقضة قدمتها بأداء رائع ومتمكن. بالرغم من اعتماد العمل علي الأغاني الفردية إلا أنه كان هناك دويتو جميل في ختام الفصل الثاني بين الملك والملكة كما كان هناك غناء خماسي في المشهد الختامي يمثل تطوراً في هذا العصر وجاء أداؤه متميزاً وأثار إعجاب الجمهور المصري الذي يشاهد هذا النوع من الأوبرات لأول مرة. العمل قاده المايسترو الانجليزي "هاري بيكيت" والذي اشتهر بتخصصه في موسيقي الباروك وبالتحديد في أوبرات "هاندل" وواضح أنه أعاد ترتيب أوركسترا المتروبوليتان لتكون الموسيقي المصاحبة متناسبة مع العصر الباروكي وجاءت قيادته للعمل وتفسيره بشكل متقن وخاصة أنه هو أيضاً الذي قاده عام .2004 الأزياء في العرض جاءت مناسبة للعصر أما الديكور فقد مال إلي البساطة المفرطة ويضفي الإحساس أنك في بيئة صحراوية وليس في قصر ملك بعصر الباروك ولكن الحركة المسرحية لعبت دوراً بارزاً في إبعاد شبح الملل الذي من الممكن أن يجلبه الغناء المتكرر والإفراط في الحليات وطول المشهد وذلك بأن جعل هناك حركة مستمرة علي المسرح بداية من الافتتاحية وطوال المشاهد المليئة بالفواصل الموسيقية وبهذا عالج الرتابة التي قد يشعر بها متفرج القرن الواحد والعشرين الذي عاصر الأوبرات المتطورة. هذا النوع من الأعمال التي يراها الجمهور المصري لأول مرة تحتاج إلي محاضرة طويلة قبل العرض وتكون باللغة العربية ويتحدث فيها متخصصون ويعلن عن موعدها لمن يريد الحضور أو الأهم وأري أنه هو الميسر أن تساهم دار الأوبرا بكتابة معلومات وافية عن العمل في كتيب الحفل وخاصة أن هذا معمول به في عروض فرقة الأوبرا المحلية ومن خلال الاستاذة رشا طموم لأن هذه العروض ليست عملاً تجارياً وإنما ثقافي .