مع بدايات الموجة الثانية لثورة شباب التحرير المجيدة وقبل ان تغلق الاوبرا أبوابها تم عرض أحدي أوبرات المتروبوليتان في إطار بروتوكول البث المباشر لهذه العروض علي شاشاة سينما كبيرة في المسرح الصغير.. العرض جاء مناسبا ومواكبا مع ثورة هؤلاء الشباب حيث ان موضوع هذه الاوبرا يدور حول فكرة دفع الظلم والاستبداد من خلال المقاومة السلمية وهذا ما كان يحدث من الشباب في التحرير علي بعد خطوات من دار الاوبرا لقد جاء هذا العرض وكأن ابناء التحرير أتفقوا مع المتروبوليتان لعرضها مصادفة. غاندي هذا العمل من الاعمال الموسيقية الاستعراضية الحديثة للمؤلف الامريكي "فيليب جلاس" وتسمي "ساتيا جراها" وهي كلمة هندية تعني "الاصرار علي الحقيقة" وهي دعوة الزعيم الهندي ماهتما غاندي "1869- 1948" وتدور أحداثها في 3 فصول و7 مشاهد والشخصية المحورية في العمل هو غاندي ولكن ليس بشكل السيرة الذاتية للزعيم وإنما حول فكرة المقاومة السلمية بأشكالها المختلفة وجاء ذلك عن طريق الشخصيات التي أثرت في غاندي والذين تأثروا به فشاهدنا في الفصل الأول تأثره بالكاتب الروسي تولوستوي "1861- 1941" الذي يعد رائدا في بث أفكار المقاومة السلمية وملهما لغاندي الذي تأثر بكتابه الشهير "مملكة الرب بداخلك" ايضا هذا الفصل كان التركيز فيه علي الفترة التي عاش فيها غاندي بجنوب افريقيا واثرها علي تشكيل فلسفته الثورية أما الفصل الثاني يتعرض للشاعر الهندي طاغور "1861- 1941" الذي كان معاصرا لغاندي أما الفصل الثالث يدور حول الزعيم الاسود مارتن لوثر كنج "1929- 1968" والذتأثر بغندي ويطلق عليه غاندي أمريكا لمقاومته للتمييز العنصري بطريقة المظاهرات السلمية. المنمنمات المؤلف الموسيقي فيليب جلاس ينتمي إلي مدرسة موسيقية اسمها "منمنمات" والمقصود بها التبسط وهي حركة فنية ظهرت في الستينيات خرجت من عباءة المدرسة التجريدية وتقوم فلسفتها علي تقديم الاعمال الفنية بأقل عدد من العناصر والجزء الموسيقي من هذه المدرسة ترعرع علي يد عدد من المؤلفين الامريكيين منهم فيليب جلاس الذي يتميز بغزارة الانتاج.. وموسيقي هذه المدرسة تعتمد علي جملة لحنية تأخذ شكلاً معيناً يعتمد علي التكرار ولهذا يطلق عليها بعض النقاد المدرسة التنويمية حيث ايقاعاتها الثابتة علي إيقاع واحد تبعث علي النوم.. ولأن هذه المدرسة تختزل العناصر الفنية نجد هذه الاوبرا لايؤديها أوركسترا كامل مثل الاوبرات التقليدية بل يتكون الفريق من آلات وترية وآلات نفخ خشبية فقط بدون آلات النفخ النحاسية وآلات الايقاع أما التواتر في النغمات فيأتي من النسيج الموسيقي الذي يبدعه هذا المؤلف يشارك في العمل كورال كبير متنوع أما الاصوات الفردية فهي عبارة عن 2 سبرانو و 2 تينور و 2 ميتزوسبرانووباريتون واحد والعمل قاده المايسترو الارجنتيني "دانني انزوليني" الذي يعد من أكثر القادة المتحمسين للموسيقي المعاصرة وقاد أعمال كثيرة لأول مرة لمؤلفين معاصرين كما ان له أعمالاً مشتركة مع مؤلف العمل فيليب جلاس. رؤية اخراجية الرؤية الاخراجية في العمل جاءت انعكاسا لهذا النوع من الموسيقي المختزلة فنجد الديكورات والحركة المسرحية لجوليان كروش واضاءة بول كونستابل وازياء كيفين بولارد العناصر الثلاثة انصهرت في بوتقة واحدة اعتمدت علي الرمز في الحركة واللون واستخدام كل الخامات المتاحة للتعبير عن الفكرة وتأكيدها من دمي كبيرة الحجم واصباغ علي الوجوه وأقنعة وملابس ملونة.. ان تناوله يذكرنا باسلوب وليد عوني في مسرح الرقص المسرحي الحديث الذي يتم هنا استعمال مفرداته ولكن مع استخدام الامكانيات التكنيكية الكبيرة للمتروبوليتان والرؤية البصرية هنا لا تكتفي بالتعبير عن الموسيقي وانما يتم توظيفها لتعمق فكرتها اما الغناء العنصر الوحيد الذي نلمح فيه بعض التقليدية ولكن من خلال جمل لحنية غير معقدة وواضح ان الكل يفهم دوره جيدا وطبيعة هذه الموسيقي الحديثة وهذا بالتأكيد ماجعلنا نستمتع بأداء التينور ريتشارد كروفت الذي أدي دور غاندي والسبرانو راشيل دوركين أما الباص الفريد والكر فصوته فيه إغلاق شديد مما يجعل ألفاظه تبدو غامضة ولأن الغناء في هذا الدور من نوت منخفضة جدا كان يحتاج لصوت أكثر بريقا ولكن الجانب التمثيلي والحركي جاء جيدا مثل كل أعضاء هذا الفريق.