للمرة الثانية تطل علينا احدي روائع المؤلف العالمي ريتشارد فاجنر "1813 1883" من خلال مشروع البث المباشر من أوبرا "الميتروبوليتان" بنيويورك للمسرح الصغير بدار الأوبرا بالقاهرة والذي بدأ في اكتوبر الماضي وشاهدنا من خلاله خمس أوبرات ثم توقف اثر أحداث الثورة واستأنف نشاطه بهذا العرض الذي يمثل ختام موسم هذه العروض واذا كانت بداية البث مع فاجنرو أوبراه "ذهب الابن" التي تعد الحلقة الأولي من رباعية "خاتم البيولنج" فإن عرض الختام كان مع الحلقة الثانية لهذه الملحمة وتسمي "الفالكير" وترجمتها الجنية المحاربة وقد عرضت لأول مرة في 26 يونيو عام 1870 علي مسرح البلاط الوطني بميونخ في ألمانيا. وكانت الرؤية المسرحية بالكامل لفاجنر الذي كتب ايضا اشعارها فهذا المؤلف كان ظاهرة متفردة حيث تتميز اعماله بالابداع المتكامل من جانبه للموسيقي والألحان والقصة والاشعار من الديكور والملابس وكل هذا في انسجام تام وتعبير واضح وملموس بين الموسيقي التي نسمعها والمناظر التي نراها وبهذا أطلق النقاد فيما بعد علي اعماله اسم "الدراما الموسيقية" والتي لها ايضا ميزات خاصة تجلت بوضوح في هذا العمل الذي نحن بصدره وسوف نتناوله في السطور القادمة. وأوبرا "الفالكير" تتكون من 3 فصول وتدور في عالم الأساطير الجرمانيه حيث يتقاسم الأدوار البشر والآلهة وهي تستكمل قصة ذهب الابن وتدور حول قصة حب بين "سيجموند " و"سيجليدا" يتصارع عليها الآلهة فريكا وفوتان وتنتهي بموت سيجموند وللجنيه المحاربة "بروفهليدا" دور بارز في العمل حيث تسعي لإنقاذ سيجموند ولا تتمكن فتسعي لانقاذ سيجيليدا التي تبقي علي قيد الحياة عندما تعلم أن في احشائها طفلن من سيجموند وليس من زوجها الشرير هو ندينج التي كانت تعيش معه رغما عنها ويقتل سيجموند وتختم هذه الحلقة بنوم بروفهيلدرا بفعل السحر وينشر والدها حولها نارا سحرية ومن يستطيع ان يتخطاها يحظي بها. الأوبرا طويلة وتستمر حوالي خمس ساعات ونصف وتخللها استراحتان ولكن سحر الموسيقي وابهار المناظر وجمال العرض السينمائي من وضوح الرؤية والاستمتاع بالتعبير التمثيلي للمغنين وايضا الترجمة تجعل الجمهور لا يشعر بالوقت بل يستشعر متعة تؤكد عبقرية المؤلف الألماني "فاجنر". متعه بصرية العمل من انتاج الفنان الكندي روبرت ليباج الذي أنتج ايضا ذهب الابن واعلن انه بصدد انتاج باقي الرباعية "سيجموند وعشق الآله" في الموسم القادم ليباج وفريق معاونيه مصمم الديكور مارل فيليون والمخرج "نيلسون فينيولا" ومصمم الملابس "فرونسو اسان أوبان" ومصمم الاضاءة "اتيان بوشين" ومصمم الفيديو "بوريس فيركونت" كل هؤلاء بالتعاون مع القائد الموسيقي جيمس استطاعوا أن يقدموا لنا ملحمة حافظت علي كل جمال العرض الأصلي بالإضافة لرؤية معاصرة في التعامل التكنولوجي والفني من حيث ميل للتجريد من خلال بعض الأنابيب والألواح الخشبية والمعدنية شاهدنا الغابه والجبال والأكواخ من خلال تقنية متطورة في الحركة بالإضافة كما حدث في "ذهب الابن" دخول للممثلين علي المسرح بطريقة غير تقليدية أي ينزلون من السقف وينزلون في باطن خشبة المسرح تقنيه حديثه وصعبه وتحتاج في حد ذاتها الي تدريب من الممثل بالاضافة الي اعتماد كبير علي الا ضاءة مع ملابس ايضا غير تقليدية من حيث الخامات فنجد فستان البطلة به حبال والحبية المحاربة ملابسها مثل قطع من الحديد المهم أن كل هذا تم توظيفه بشكل اعطي عمقاً للحدث وقربه لذهن المتفرج ولهذا نعد هذه الرؤية ا ضافة لعالم الأوبرا العالمي وأمر فني جيد يحسب لهذا المنتج وللمتروبوليتان الذي تمثل اضافاته ايضا استعانه ببعض نجوم المدرسة الفاجنرية الغنائية أي الذي لهم رصيد فني لاعمال فاجنر والتي تعد متميزة وتحتاج الي تدريب خاص في الاصوات من حيث اعتمادها علي التعبير واحيانا تتعامل مع النوتة الموسيقية بشكل يخالف القراءة التقليدية عن ارتفاع وانخفاض وميل للتعبيرية كأنها آلة موسيقية ضمن الأوركسترا ومن هؤلاء يرمان ترافل الذي قام بدور "فوتان" وهي نزمييتر كونج الذي ادي دور الشرير "هونديننج" ايضا الاضافة استعانة بأصوات لها شهرة كبيرة في الأوبرات الدرامية ولكن اعطاهم ادوار بها أوبرات فاجنر فأضاف الجديد من الأصوات القادرة علي أداء فاجنر وقد برعت "ريبورية توييت" التي تشتهر بأنها كانت سمينه جدا ثم وحاليا بعد رجيم قاس في غاية الرشاقة التي ساعدتها علي اسناد هذا الدور لها وايضا المغنية ايضا ماريا "السبرابو" والتي كانت بدور سيحليندا وبطل العرض التينور الألماني جوناث كوفمان والميتزدسبرانو ستيفاني بلابث . براعة المايسترو أبطال العرض السته بالإضافة الي الجنيات الثمانية التي يظهر في الفصل الثالث و تنقسم اصواتهن بين السبرانو والمينز وسبرانو والألتو الجميع جاءت اصواتهم علي درجة عالية من الجمال والتدريب والأداء المتقن الذي يتضح من خلاله ايضا براعة المايسترو جيمس لفاين قائد العرض والذي كان يحتفل هذا العرض بمرور 40 عاما علي قيادته لفريق اوركسترا المتروبو ليتان وكيف اصبح من اعظم الفرق الاوبرالية في العالم وحتي الآن ما يزيد علي 2460 عرضا. في هذا العرض استطاع ان يجعلنا نستشعر ميزان موسيقي فاجز بشكل عام من اداء متميز لآلات لنفخ الكثيرة والبالغ عددها في هذا العرض ما يزيد علي عشرين عازفا بالاضافة لباقي آلات الأوركسترا الوترية والايقاعية والتي استعملها فاجنر بأسلوب مبتكر اصبح اساسا للموسيقي الحديثة فيما بعد واتضح يبضا "اللحن الدال" علي الشخصية والتي ايضا تم توظيفه للتنبؤ بالحدث والشخصية التي تأتي مستقبلا ايضا كان بارعا في مقدمة الفصل الأول حيث نقل لنا جو العاصفة من خلال اتحاد آلات النفخ والايقاع وتدخل خفيف من الوتريات وتتابع اللحن بشكل دائري فيها ليقود جيد لدوران الرياح وشدة العواصف كما انه كان موفقا في مقدمة الفصل الثالث التي تعد من اشهر موسيقات هذا العرض ويتم استخدامها في كثير من الأفلام وتعزف كثيرا جماهيرية وهي مشهد دخول "المنبات" الفالكيرات في الفصل الثالث مشهد يعد من اروع مشاهد الأوبرا علي الاطلاق موسيقيا وايضا مشهد الختام حيث تنام "الحنيه الماربة" وتنشر الجنية المحاربة في منظر رائع وموسيقي خلابه وتعزف اللحن الدال لسيجفريد بطل الأوبرا الثالثة والتي سوف يأتي لانقاذها. سهرة رائعة ونقلة حضارية تجعلنا نفكر جديا في فرقة الأوبرا المصرية وتخطيط لمستقبلها ومستقبل اعضائها ونسعي لنستفيد من هذا الفن في ابداعات مصرية تقوم علي اساطيرنا المصرية ولكن كما سبق ان ذكرت في "ذهب الابن" هذا العرض للخاصة فقط وكان يجب علي دار الأوبرا التي لم تتكلف مليماً واحدا في هذه العروض بل كلها قامت علي أكتاف الرعاة المتبرعين .. كان يجب ان تساهم بكتيب ثري به شرح وتعليق جيد للعرض وللمؤلف "فاجنر" خاصة ان لديها المتخصصين في ذلك امثال د. رشا طموم وذلك من أجل المشاهد المصري الذي يجب ان تحترمه الدار ويكون هدفها في نشر الفنون الراقية.