صرح نجيب محفوظ في حوار صحفي بأنه لم يهمل آراء النقاد. لكن عدم رده علي الاجتهادات النقدية. لأن تقديره أن الرد علي ناقد من اختصاص ناقد آخر. وليس من اختصاص المؤلف الذي قال كل ما عنده في عمله المنقود. ولأنني أعتقد - والكلام لمحفوظ- أن نقد الدنيا والآخرة لا يستطيع أن يرفع عملاً أو يخفضه عما يستحق درجة. وأنا أحب دائماًً أن أعرض عملي الفني لعوامل الانتخاب الطبيعي فإذا كان يستحق الموت لمجرد أن ناقداً هاجمه. فمن الخير أن يموت. وإذا كان مقدراً له البقاء فسيبقي. والحق أن عدم الرد كان موقف محفوظ عندما واجهه نقاد اليسار بحملة قاسية. كان أشد تأثيره لأنه لم يكن عاجزاً عن الرد. أو تنقصه الحجج ولا الردود المقنعة. وإنما لأنه كان ألزم نفسه بأن يركز علي قضية الفن. علي الإبداع في ذاته. دون أن يشغل نفسه بقضايا أخري قد تصرفه عن التركيز علي فنه. ولم يكن هجوم النقاد وحده هو ما يعانيه محفوظ. كان الإهمال. وربما التعتيم. بعداً سلبياً آخر في التفات النقد إلي أعمال محفوظ. وقد أشرت من قبل إلي طلب الناقد الراحل محمد طلبة من محفوظ أن يأذن بدراسة أعماله إلي بداية ونهاية. تساءل محفوظ بعفوية تقطر مرارة لماذا تدرس أعمالي ولا تدرس أعمال الأدباء المعروفين؟! مرة وحيدة. كتب نجيب محفوظ عن اتجاهه الروائي الجديد في اللص والكلاب. وعبر المقال عن حصيلة معرفية وافرة. وعن فهم وتفهم. وإدراك واع لطبيعة المرحلة التي بدأت بأولاد حارتنا. وقد أتاحت لي الظروف أن أتعرف إلي مدي اهتمام محفوظ بآراء النقاد. وإلي الموضع الذي يستحقه في حياتنا الأدبية. عندما كتب الصديق الناقد الراحل جلال العشري في دراسة ذيلت الكتاب الثاني في سلسلة "كتابات معاصرة" عن جيل الستينيات فنسب إليه ما يضفي شحوباً علي تأثره بإبداعات محفوظ. كان متأثراً للغاية. لا لنفسه فحسب. وإنما لأدباء آخرين مثل يوسف الشاروني وإدوار الخراط لاحظ تأثيراتهم التي يصعب إغفالها في كتابات أدباء الستينيات. وفي أيام ترددي علي نجيب محفوظ في مكتبه بمؤسسة دعم السينما. لم يكن يخفي تألمه من كتابات النقاد العرب الذين عنوا بأعماله. بينما القضايا السياسية والأيديولوجيات تشغل النقاد المصريين. بأكثر مما يشغلهم الإبداع الأدبي. كانت المناسبة- فيما أذكر- دراسة نجيب سرور الرائعة عن ثلاثية بين القصرين. والتي نشرها- منجمة- في مجلة بيروتية. وأذكر قول محفوظ: حتي عندما كتب ناقد مصري عن أعمالي. نشر ما كتب في مجلة غير مصرية. استطرد في تألمه: ربما لم يجد منبراً مصرياً لنشر ما كتب. وزفر: الحصار غريب. ولعله يجدر بي أن أشير إلي سبب آخر لتألم محفوظ. وهو غياب الترجمة عن أعماله. حتي بعد أولاه النقاد المصريون اهتماماً لافتاً كان يهمس بلا جدوي ذلك كله أمام الحقيقة الماثلة. وهي عدم ترجمة أعماله. لترقي- فعلياً- إلي العالمية وأثق أنها كانت تشغله.