صحيح أن المؤسسة العسكرية المصرية. كان لها موقف مختلف من الثورة المصرية التي انطلقت في 25 يناير. بالمقارنة مع موقف مؤسسات عسكرية أخري في بلاد عربية شقيقة كاليمن وليبيا وسوريا وغير ذلك ولكن ليس معني هذا علي الاطلاق أن هذا الموقف يمنح المجلس العسكري الذي يقود هذه المؤسسة الوطنية الحق في حكم البلاد بأي طريقة غير التي يقررها هذا الشعب الذي فوضه في ذلك مؤقتا بشروط واضحة تماما هي تحقيق مطالب وأهداف الثورة. قد كان ولايزال علي المجلس العسكري أن يدرك إدراكاً يقينياً لاشك ولاريب فيه أنه مجرد "وكيل" عن هذا الشعب في إدارة البلاد وفي حدود الوكالة الضمنية التي أعطاها الشعب له ثقة فيه ومفادها ببساطة أنه سيحكم مؤقتا بالطريقة التي يريدها هذا الشعب حرفياً ودون أي تعديل من جانبه أو تباطؤ دون موافقة الشعب. هذه حقيقة أولية لايصح. وأظن أنه لايمكن بعد الآن. الالتفاف حولها فضلاً عن نقضها وهو الأمر الذي يستتبع بالضرورة أن يكون هذا الشعب علي علم بكل مجريات الأمور يوماً بيوم بل ساعة بساعة حتي يستطيع تقييم أداء الوكيل عنه في إدارة شئون البلاد باعتبار هذا الشعب صاحب الحق الأصيل حتي لو كان هذا المجلس شريكاً في صنع الثورة كما يصر أركانه لأن الشريك جزء من كل وليس الكل وباعتبار أن "الوكالة" ليست تفويضاً بدون شروط أو شيكا علي بياض. فهل تصرف المجلس العسكري خلال الشهور الماضية علي أساس هذه الحقيقة؟ الواقع يؤكد أن الأمر لم يكن كذلك والدليل علي ذلك دون الدخول في التفاصيل أن أي مقارنة بسيطة بين ما تم إنجازه حتي الآن من مطالب وأهداف الثورة وبين قائمة مطالب وأهداف الثورة المعلقة منذ اليوم الأول والتي تمثل شروطاً في عقد "الوكالة" أو حتي "الشراكة" ستسفر عن نتيجة واضحة وهي الاجابة عن السؤال السابق ب "لا"!! هذا فيما يتعلق بالمجلس العسكري وأدائه حتي الآن ولكن ماذا عن الشعب صاحب الحق الأصيل؟ هل أدي دوره المنوط به؟ الشواهد وما أكثرها تشير الي أن غالبية الذين صنعوا الثورة ودفعوا ثمنها ولا يزالون قد عادوا الي حياتهم الطبيعية تاركين إلي حين أمر إدارة البلاد للمجلس العسكري من جانب وما يسمي في العلوم السياسية والاجتماعية بال "نخبة" ممثلة في القوي السياسية والاجتماعية الفاعلة من جانب آخر. فماذا فعلت هذه النخبة؟! فور سقوط حسني مبارك في 11 فبراير عام 2011 بدا واضحا أن هذه "النخبة" تنقسم الي قسمين من حيث الخبرة والتنظيم والقدرة علي الحشد والتأثير. حيث امتلك بعضها هذه الامكانيات علي عكس الآخرين وبينهم طلائع الثوار الذين أطلقوها وصغوها وضحوا من أجلها ومن حيث التوجهات كذلك فأغلبها يميل الي اليمين وبعضها الي اليسار وبعضها يقف في الوسط. علي قلتهم رغم أن هذا الفصيل هو الأقرب لطبيعة الشعب المصري المعروف بوسطيته واعتداله في كل مناحي الحياة. سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. وربما اعتقادياً أيضا بدلالة التاريخ نفسه إذ أن الشعب المصري لم يكن متطرفاً لا ناحية اليمين ولا ناحية اليسار في يوم من الأيام وربما كان ذلك بالتحديد هو سر "المأزق" الذي يعيشها أو "الأزمة" التي نعيشها اليوم باعتبار ضعف ممثلي هذا التيار وسط "النخبة". ولاشك أن هذه التقسيمات أثرت علي مواقف هذه القوي السياسية من العناوين العامة والإجمالية التي رفعتها الثورة سواء من حيث المضمون أو الشكل ورغم أن الذي تصدر واجهة الأحداث هو الخلاف علي الشكل مثل الآليات والجداول الزمنية. إلا أن الخلاف الأصلي والأساسي كان ولا يزال يدور حول المضمون واصرار كل طرف علي اختيار وتطويع هذه الآليات والجداول الزمنية للوصول الي المضمون الذي تراوح بين أقصي درجات اليمين من جانب وأقصي درجات اليسار من جانب آخر مع ضعف شديد جداً من قبل الوسط بتياراته المختلفة. هذا هو الوجه الأول من وجوه المأزق أو الأزمة. أما الوجه الثاني هو اكتشافنا جميعا لحقيقة مفجعة هي افتقاد جل الفصائل المتنافسة أو المتصارعة لألف باء العمل السياسي أو حتي المجتمعي الصحيح وهو قبول الآخر حيث تبين أن الجميع يعتقد أنه يملك الحق كله وبالتالي فإقصاء الآخر أو تهميشه مهمة مقدسة يجب أن يمارسها الجميع ومن ثم اكتشفنا أن هذه "النخبة" مريضة بنفس مرض فرعون التوارث "ما أريكم إلا ما أري وما أهديكم إلا سبيل الرشاد" 29 غافر وبالتالي. أيضا فالاستحواذ واجب بل فرض وكأن كرسي الحكم في مصر مسكون بهذه اللعنة التي لاتصيب فقط الجالس عليه بل كل من يقترب أو حتي يفكر في الاقتراب منه!! وطبيعي أن يؤثر ذلك سواء علي الحوار بين القوي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافة والعقائدية من جانب وبين هذه القوي والمجلس العسكري من جانب آخر وربما يكون ذلك بالتحديد هو ما أسهم وأدي الي ما وصلنا اليه في الأيام الأخيرة. أقصد أيام السبت والأحد والأثنين والثلاثاء 19. 20. 21. 22/11/2011 وحتي الآن حيث عاد الثوار الي الميدان في محاولة جديدة لتصحيح مسار الثورة أو بالأحري إنقاذها من المجلس العسكري الذي تباطأ في تنفيذ مطالب وأهداف الثورة حتي اتهم "بالمتعالي" علي الشعب وكأنه وحده العليم ببواطن الأمور المتصرف فيها حتي أنه يتعامل معه وكأنه شعب من العقد أو فاقدي الأهلية الذين يجب حجب الكثير من الحقائق عنهم والتصرف نيابة عنهم أيضا والحجة هي نفس الحجة القديمة "الحفاظ علي الأمن القومي". ثم زاد الطين بلة بالبندين 9. 10 من وثيقة د.علي السلمي اللتين تجعلان من القوات المسلحة دولة فوق الدولة ونرجو ألا تكون هذه الوثيقة علي الأقل في هذا الجانب هي القشة التي تقسم ظهر البعير لا قدر الله هذا من جانب ومن الجانب الآخر. إنقاذ الثورة من براثن القوي والتيارات والأحزاب والائتلافات والاتحادات والتكتلات والجبهات التي تعاملت مع مصر بعد الثورة وكأنها بقرة مذبوحة أو علي وشك الذبح لاقدر الله تعالي يريد كل من هب ودب الفوز بها كلها أو بأكبر نصيب منها دون الآخرين متناسين أن "هبش" لحم وعظام البقرة الطيبة يعني موتها وموتهم حاشا لله تعالي أن يسمح بذلك. إن المعني المباشر للموجة الثانية من ثورة يناير والتي تغطي ميدان التحرير والميادين الأخري في أقاليم مصر المحروسة بإذن الله. هو تحميل الشعب مسئولية ما حدث من محاولات إجهاض أو احتواء أو ركوب أو حرق الثورة لكل من المجلس العسكري والقوي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافة والعقائدية الطاغية علي سطح البركة المطلخة بدماء المصريين الآن. هل يراجع المجلس العسكري وهذه القوي موقفهما بسرعة تتناسب مع نبض الشارع أم يبقي المجلس والقوي متمترسين حول خندقيهما؟ إن المطالب والأهداف التي تبلورت في ميدان التحرير علي الأقل يوم الثلاثاء الماضي واضحة وممكنة إذا فهم الطرفان الرسالة فليس صعباً ولا مستحيلاً أن يتم تشكيل حكومة إنقاذ وطني ولا إعادة هيكلة أجهزة الأمن وخاصة الداخلية ومحاسبة المسئولين من قتلة المصريين وسارقيهم أيا كانوا ومحاكمتهم محاكمة عادلة. وتطهير المؤسسات من فلول الحزب الوطني المنحل. والرسالة بوضوح وتحديد شديدين حتي لايحتج أحد بعدم وصولها اليه هي أن هذا الشعب جاد جداً ومستعد للتضحية حتي النهاية الي أن تتحقق أهداف الثورة كاملة وبالطريقة التي يقررها الشعب فليفهم الجميع ذلك وليتحمل كل مسئولياته ومن شذ لا أقول كما يقولون شذ في النار ولكني فقط أقول من شذ شذ عن الإجماع الوطني وسيدفع ثمن ذلك غالياً إن عاجلاً في صندوق الانتخابات القادمة أو آجلا في أي صناديق أخري!!