من المفترض أن الأدب رسالة تماماً. كما أن الفن رسالة ولكن الواقع مختلف تماماً بدليل أننا عندما نقيم أي عمل فيهما يكون وفق أسس بعيدة كلية عن هذا الأساس. ففي الأعمال الأدبية نجد روايات صعد بها النقاد والقراء إلي السماء وحققت نسب مبيعات عالية لأسباب تتعلق بالإبداع والحبكة الدرامية والتشويق والإثارة.... إلخ.. دون أن نلمس أية فائدة حقيقية من قراءتها. نعم هناك أعمال هدفها الوحيد مجرد التسلية وأخري تمد القارئ بحصيلة لغوية. وقليل تأخذ منه خبرة وتطرح لك حلولاً للمشاكل الواقعية. كل هذا مقبول. ولكن ما لا يمكن قبوله. بل ويعد جريمة هي الأعمال السوداوية التي تشحن المشاعر بجرعات هائلة من اليأس والإحباط تصبغ حياة من يعيشها. وتنعكس علي كل تفاصيلها والخطورة تزداد عندما يكون هذا العمل عن المجتمع ككل والبلد الذي نعيش فيه. عن رواية "يوتوبيا" أتحدث. والتي سبق أن أدنتها بشدة فور صدورها عندما قرأتها وأسلمتني لحالة اكتئاب شديدة رغماً عني والآن أجدد إدانتي لها بعد أن أثيرت حولها ضجة جديدة برحيل كاتبها باعتبارها أشهر أعماله التي لو حللها المتخصصون في علم النفس والاجتماع والتنمية البشرية سيؤكدون أنها كارثة حقيقية. هذه الرواية لمن لم يقرأها اجتماعية للكاتب د.أحمد خالد توفيق رحمه الله صدرت عام 2008 وحققت نسبة عالية جداً من القراءة خاصة بين الشباب وتتحدث عن الوضع الذي ستصبح عليه مصر بعد أقل من "50" عاماً من وجهة نظر الكاتب. حيث ستختفي الطبقة المتوسطة ويزداد جشع الرأسمالية. فيحدث اختلال اجتماعي يؤدي إلي اختفاء الأنظمة الحاكمة وانقسام الشعب إلي طبقتين: الصفوة ويمتلكون كل شيء ويعيشون في مدينة منفصلة أسموها "يوتوبيا" والفئة المطحونة "الأغيار" وبين الطبقتين وداخل كل منهما تجري أحداث وتفاصيل كثيرة تسرب إليك اليأس بشكل مبالغ فيه لدرجة أن إحدي صور تسلية الصفوة هي صيد الأغيار وقتلهم والعودة بأجزاء من أجسادهم إلي أهلهم للتفاخر. الخطورة هنا تكمن في أن الكثيرين يطبقون أحداث الرواية علي الواقع فمنهم من فسر ثورة يناير علي أنها ثورة الجياع التي تحدث عنها الكاتب وعندما خرجت العاصمة الإدارية للنور أكدوا أنها ستكون "يوتوبيا" وفسروا الأزمات الاقتصادية العادية التي تحدث لأسباب معلومة وفق أحداث الرواية. وعندما رحل الكاتب في 3 أبريل الجاري ربطوا هذا التاريخ بجملة كتبها علي لسان البطل في إحدي رواياته قال فيها: "سأموت وأدفن في 3 أبريل مما زاد إيمانهم بأن تنبؤاته صادقة. الحقيقة أن ما نؤمن به ونعيش مشاعره يتحقق في الواقع بنسبة كبيرة وفق أمر إلهي في الكون بتسخيره كله لنا وفق ما نحدده بأفكارنا وأفعالنا ثم ندفع ثمنه وهو ما اكتشفه العلم الحديث وأسماه قانون الجذب فليس المهم أن نقرأ ولكن أن ننتقي ما نقرأ.