من بين الاحتفالات العالمية ما يطلق عليه "اليوم العالمي لإلغاء العبودية".. هذا اليوم يشكل مناسبة لعروض الأفلام التسجيلية والروائية وأفلام الرسوم "كرتون" وأيضا أفلام عن حياة الشخصيات التاريخية التي لعبت أدواراً حاسمة في تحقيق هذا الإنجاز الإنساني الهائل وأشهرهم بطبيعة الحال الرئيس الأمريكي ابراهام لينكولن "1809م 1865م" الذي كان بطلاً وموضوعاً للعديد من الأفلام الأمريكية المهمة آخرها فيلم المخرج ستيفن سبليرج عام "2013م" بطولة دانيال دي لويس. لقد كان وسيط "الفيلم" الأكثر تأثيراً وشيوعاً هو الأكثر قدرة علي تناول موضوع "العبودية" وإلقاء الضوء علي نظام الرق وممارساته وتسجيل المراحل المختلفة التي مر بها والتي شرعت هذا النظام واستغلته اقتصادياً واجتماعياً منذ الامبراطورية الرومانية وثورة "سبارتاكوس" وحتي ثورة الأفارقة الذين تم اختطافهم كعبيد علي السفينة "أميستاد" في الفيلم الذي يحمل هذا الاسم. وقبل ذلك أفلام مثل "مولد أمة" "1915م" و"ذهب مع الريح" "1939م" أثارت جدلاً كبيراً بسبب تصويرها للعبودية وللعبيد علي نحو يخدم السياسات الأمريكية التي قننت هذا النظام اللإنساني وكان من بين الأفلام أيضا في هذه المرحلة فيلم "أغنية الجنوب" "1940م" الذي أنتجته والت ديزني. بعض الأفلام كانت تقدم إدانة قوية لبعض الذين يتصدون لهذا النظام ويطالبون بإلغائه مثل فيلم "مطاردة سانتا في" "1940م". وظلت علاقة السينما الأمريكية بهذا الموضوع العبودية شائكة ومركبة وتثير الجدل ثم بفضل حركة الحقوق المدنية إبان حقبة الخمسينيات بدأت صور العبيد الثائرين ضد نظام الرق تظهر داخل إطار ايجابي وبطولي مثل "سبارتاكوس" النموذج الثوري الذي قاد ثورة عبيد حقيقية تم افشالها واعدام جميع من شاركوا فيها ولكن ظلت الروح التي اشعلتها حية. العبيد يعجزون ولكن.. هل انتهت "العبودية" من حيث الجوهر. فإذا كانت العبودية تعني امتلاك الإنسان للإنسان. وأن "العبد" مملوكاً لسيده فإن الواقع يقول إن أسواق "النخاسة" مستمرة وبإمكان "المالك" أن يبيع عبيده أو يشتريهم أو حتي يهديهم أو يعذبهم حتي الموت. بماذا تسمي أوضاع عشرات المئات من العمال الآسيويين في "قطر" هؤلاء الذين لا يملكون الخروج بعيداً عن أماكن احتجازهم أو التواصل مع ذويهم؟؟ وما الفارق بين وضعية هؤلاء وبين العمال الزراعيين العاملين في مزارع الاقطاعيين وملاك المساحات الشاسعة في المستعمرات القديمة؟ ومن كانوا يتم اختطافهم ويقتادون للعمل بنظام السخرة في العالم الجديد "أمريكا"؟ في رأيي أن "العبودية"" كمعني وأسلوب وكظاهرة اقتصادية وسياسية وإنسانية واجتماعية لم تنته أبداً حيث يوجد الآن عبودية حديثة ونظام للرق يناسب التطورات الحديثة التي جرت وصبغت العالم بالدماء والعنف مثل تجنيد الصبية الصغار إجبارياً في الحروب التي تشنها جماعات الإرهابيين المنتمين إلي الإسلام السياسي وتمولها قوي الاستعمار الحديث خذ أيضا تجارة بيع الأعضاء وتجارة الرقيق الأبيض والعبودية الجنسية وما يندرج تحتها من ممارسات ومنها تزويج القاصرات قصراً كأحد الحلول لمشكلات الفقر في العالم الثالث. ثم ظواهر الهوس الجنسي عند رجال يمتلكون المال. والهوس السيكولوجي الذي يستمريء تعذيب الخدم واستغلالهم حتي الموت داخل المنازل وهناك تجارة دعارة الأطفال.. إلخ. وهذه الأمراض الاجتماعية التي تفرز أنواعاً متعددة للعبودية يضاعف من آثارها الفقر والجهل والشعور بالاستقواء والتفوق العرقي والتمييز الوحشي بسبب اللون والدين.. إلخ. لقد تفوقت نوعية من الإفلام "الإثنية" والتسجيلية التي يتم تصوير وقائعها في أماكنها الحقيقية للتعبير عن الأشكال الحديثة ل "العبودية" وإلقاء الضوء علي بشاعة الممارسات التي تحول الإنسان إلي "بضاعة" يتم تداولها والتصرف فيها بوحشية ومن هذه الأفلام التي تضيف إلي الوعي بهذه الظواهر التي استفحلت في أيامنا هذه ووصلت إلي مستوي يحول الإنسان إلي وحش أكثر ضراوة من وحوش الغابة فيلم هندي بعنوان "مولود في ماخور" للمخرجين روس كوفمان وزانا بريسكي تدور وقائعه في حي "الأنوار الحمراء" والذي يصور أوضاع مجموعة من الفتيات الأطفال يمارسن مهنة الدعارة ويتناول الفيلم التأثير المروع لهذه المهنة علي أمل محاولة تحرير هؤلاء الضحايا من تبعاتها. وفي فيلم آخر تسجيلي أيضا يقوم الممثل الأمريكي الأسود فورست وايتكر بدور الراوي حيث يقدم قصة مجموعة من العمال الزراعيين في ولاية فلوريدا يعيشون في ظروف بالغة القسوة ويتقاضون أجوراً لا تفي بالحدود الدنيا من احتياجاتهم الضرورية والفيلم بعنوان "سلاسل الطعام" للمخرج سانجاي رادال. وفي فيلم "عند نهاية العبودية" "2013م" يصور داني جلوفر الممثل والمخرج الأمريكي من أصل أفريقي بدوره الظروف المرعبة التي تشكل حياة العبودية الحديثة التي تظهر عمليات البيع والشراء لبشر يعملون في بيوت الدعارة في الفلبين حيث تجارة الرقيق الأبيض تنتشر في عشرات الأسواق وتمثل سوقاً اقتصادية مهمة يحكمها أساطين الجريمة والقائمة التي تنشرها بعض الاحصائيات تثير الرعب بسبب الحقائق المفزعة والصادمة عن عدد الدول الضالعة في هذه الأنشطة ومصر ليست بعيدة عنها ولا الدول "الإسلامية" التي تنتعش فيها هذه التجارة وتمارس فيها شتي أشكال العبودية. الذهب الأسود هذا عنوان لفيلم يشارك في أخراجه الاخوان مارك فرانسيس ونيك فرانسيس من انتاج 2012م ويتضمن تحليلاً لأساليب الاستغلال المروع للعمال في مرازع البن في أثيوبيا التي تعتبر الموطن الأصلي لهذا المحصول. والفيلم يتبع رحلة رجل "تاديس مسكلا" من أجل انقاذ 74 ألف عامل يعملون في مزارع البن من الإفلاس وأثناء هذه المهمة يقطع المسافات عبر العالم من أجل أن يجد مشترين مستعدين لدفع تمن مجز لهم. فيلم "فتاة صغيرة جداً" "2008م" للمخرجة لينا الفاريز يلفي الضوء علي أسواق "الجنس" يصور الاستغلال للفتيات الصغيرات في مدينة نيويورك وفي فيلم "فرسان للجمال أطفال" وهو عمل يتم تصويره في منطقة الشرق الأوسط حيث يعتبر سباق الجمال رياضة شعبية محببة ومن خلالها يتم منتهي الاستغلال للحيوان "الجمل" وللصبيان الصغار الذين يقومون برعايتهم وهو عمل من وجهة النظر التي يتبناها صناع هذا العمل صورة من صور العبودية التي تمارس ضد الأطفال. وفي فيلم "نداء واستجابة" "2008م" وهو عمل تسجيلي للمخرجة جاستين ديون يؤكد بالدليل أن "العبودية" موجودة حالياً بنسبة أكبر من العبودية التي كانت مشروعة كنظام للرق معترف به. فعندما يتحكم شخص في آخر ويجبره علي العمل ضد رغبته ويتعامل معه باعتباره ملكية خاصة فتلك بالتأكيد "عبودية" وهذا النوع من "العبودية" ينتشر وبكثرة في المزارع والاقطاعيات الواسعة وفيلم "ثمن السكر" "2007م" يصف رحلة الاب كريستوفر هارتلي وهو قسيس أسباني في جمهورية الدومينكان حيث الظروف اللاإنسانية التي يعيش فيها العمال الذين يجبرون علي العمل في موسم حصاد السكر. "عبودية" مقنعة أنيقة! وما أعنيه بالعنوان أعلاه تلك "العبودية" الحديثة جدا التي تجعل إعلاميين من النوعين يبيعون أنفسهم وضمائرهم وحرفتهم طوعاً وبصفاقة إلي من يمدهم بالأموال ويوفر لهم مجالاً للشهرة والانتشار واللمعان اضافة إلي حضور زاهي في محافل تجلب المزيد والمزيد من المال. ورأيي أنه بنظرة قريبة لمن يتابع ممارسات هؤلاء وهي بالمناسبة مكشوفة وفجة بالنسبة للعامة من الناس اعتماداً علي حدسهم وذكائهم الفطري ولكنها تبدو أكثر وضوحاً للمشاهد الذي يمتلك بالمعرفة والقدرة علي المتابعة قدرة أكبر علي التحليل والوصول إلي جذور هذه التبعية.. إنها "عبودية" مقنعة لشهوة المال والمظاهر وهوس الشهرة وما تحققه من وجاهة ونفوذ اجتماعي وشعور بالاستقواء رغم الصورة القبيحة التي تخلقها عند المشاهدين وتحولهم في نظر الأغلبية منهم إلي مجرد بضاعة تباع وتشتري ويتم السيطرة عليها بأجهزة التحكم عن بعد التي يتحكم فيها أصحاب النوافذ التي يطلون منها غير مكترثين بأنهم في نهاية المطاف مجرد بضاعة منتهية الصلاحية!