برزت في مصر، خلال السنوات الأخيرة، ظاهرة جديدة، أو لنقل وظيفة جديدة، يريد أن يتقمصها ويلعب في إطارها عدد من الباحثين عن الشهرة، أو المكانة، أو المال، أو عنهم جميعاً.. والمفارقة أن هذه الظاهرة وتلك الظاهرة مقطوعة السياق من ناحية، ولم تعد تلائم الزمان من ناحية أخري.. وكما أن عجلة الزمن لا تعود إلي الوراء، فإن بعث هذه الظاهرة، والقيام بهذه الوظيفة هو ضرب من ضروب العيش في الخيال، وبلغة الشباب هي نوع من " الافتكاسات" غير المقبولة.. " أسطورة " سبارتاكوس" ذلك العبد الروماني (109 ق.م ، 71 ق.م) الذي استطاع أن يحرر نفسه من أسر العبودية، واستطاع أن يوحد العبيد (الذين وصل عددهم إلي مائة ألف) تحت رايته، وأن يستولي علي فرنسا، وإيطاليا وغيرهما من الدول، قبل أن يتم طعنه بالسكين أثناء إحدي المعارك من الأساطير الشهيرة، ويتم استخدامها في الأدب، وفي الفنون، كدلالة رمزية علي التحرر من الرق، والأسر، وكل ما يعيق الحرية الإنسانية.. في مصر حالياً من يتصور نفسه أنه " سبارتاكوس" هذا العصر.. يتصور نفسه وقد "نصبه العبيد" أميراً عليهم.. وهو لايريد من قصة سبارتاكوس سوي الإمارة.. لا يريد أن يدفع الضريبة، ولا يريد أن يجهد نفسه، فوسائل الإعلام تقوم بهذا الدور بالنيابة عنه.. هو الأمر كله كلام في كلام.. يمكنك أن تنشيء موقعاً علي الإنترنت، وأن توظف بعض الطلبة، وأن تكوِّن بعض مجموعات النقاش والدردشة، وأن تنزل أخبارك علي " التويتر" وتضع صورك علي " الفيس بوك".. الوصفة سهلة.. غير أن النتائج غير مضمونة.. المأساة التي يعيشها الباحثون عن دور لسبارتاكوس هي أنه لايوجد عبيد في مصر في هذه الأيام.. فجميع المصريين " أسياد" وأحرار في بلادهم، وهم أكثر من هذا، وقبل هذا، مواطنون يحكمهم قانون المواطنة الذي يساوي بين الجميع.. والمأساة أيضاً التي لا يستطيع هؤلاء مواجهتها هو أن في مصر رئيساً منتخباً، تم انتخابه بانتخابات ديمقراطية نزيهة، وقد اختاره الشعب طواعية وبكامل إرادته، ومن ثم فإن القيام بدور سبارتاكوس هو دور "واسع" شوية علي هؤلاء.. وهو دور لا تتطلبه المرحلة التاريخية التي نعيشها.. المتقمصون لشخصية سبارتاكوس في هذه الأيام أشبه بمن يصر علي ارتداء بدلة محمد عبد الوهاب الشهيرة في فيلم " الوردة البيضاء".. بدلة كانت " شيكاً" في عصره، ولكنها الآن أكثر تفضيلاً لدي من يريد أن يلعب دور البلياتشو، وليس دور الفتي الأول!