عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 21-5-2025 بعد الهبوط الكبير    كم تبلغ قيمة الفائدة على سكن لكل المصريين 7 ؟ «التمويل العقاري» يجيب    كالاس: الاتحاد الأوروبي سيراجع اتفاقية الشراكة مع إسرائيل    الخارجية الفلسطينية ترحب بالإجراءات البريطانية ضد ممارسات الاحتلال في الضفة وغزة    لأول مرة.. سفيرة فلسطين تقدم رسالة تعيينها لرئيس المجلس الأوروبي ورئيسة المفوضية الأوروبية    مساعدات عاجلة واستئناف «هدنة غزة».. تفاصيل مكالمة وزير الخارجية الإماراتي ونظيره الإسرائيلي    ثلاثي الأهلي يجتاح قائمة الأفضل ب الدوري في تقييم «أبو الدهب».. ومدرب مفاجأة    طقس اليوم: حار نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء.. والعظمي بالقاهرة 31    رابط نتيجة الصف السادس الابتدائي الأزهري 2025 الترم الثاني برقم الجلوس فور ظهورها    مصرع طفلتين غرقا في ترعة بسوهاج    المستشار محمود فوزي: قانون الإجراءات الجنائية اجتهاد وليس كتابا مقدسا.. لا شيء في العالم عليه إجماع    ترامب: تكلفة "القبة الذهبية" جزء صغير من 5.1 تريليون دولار عدت بها من الخليج    موعد مباراة توتنهام ومانشستر يونايتد في نهائي الدوري الأوروبي والقنوات الناقلة    انفصال أحمد السقا رسميا عن زوجته مها الصغير    رئيس وزراء إسرائيل الأسبق: ما يحدث الآن في غزة جريمة حرب    آداب وأخلاق إسلامية تحكم العمل الصحفى والإعلامى (2)    الإيجار القديم.. محمود فوزي: الملاك استردوا استثماراتهم.. الشقة كانت تُباع بألف وتُؤجر ب15 جنيهًا    الدولار ب49.86 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأربعاء 21-5-2025    محمد معروف المرشح الأبرز لإدارة نهائي كأس مصر    ملحن آخر أغنيات السندريلا يفجّر مفاجأة عن زواج سعاد حسني وعبدالحليم حافظ سرا    محافظ الدقهلية يشهد حفل تجهيز 100 عروس وعريس (صور)    «غزل المحلة» يعلن مفاوضات الأهلي مع نجم الفريق    سي إن إن: إسرائيل تستعد لضربة محتملة على المنشآت النووية الإيرانية    طريقة عمل المكرونة بالصلصة، لغداء سريع وخفيف في الحر    ننشر أسماء المصابين في حادث تصادم سيارتين بطريق فايد بالإسماعيلية    بعد شهر العسل.. أجواء حافلة بالمشاعر بين أحمد زاهر وابنته ليلى في العرض الخاص ل المشروع X"    «أهدر كرزة مرموش».. تعليق مؤثر من جوارديولا في ليلة رحيل دي بروين    رياضة ½ الليل| جوميز يشكو الزمالك.. رفض تظلم زيزو.. هدف مرموش الخيالي.. عودة لبيب    تقدر ب2.5 مليون دولار.. اليوم أولى جلسات الطعن في قضية سرقة مجوهرات زوجة خالد يوسف    6 إصابات في حريق شقة بالإسكندرية (صور)    رئيس الجامعة الفرنسية ل"مصراوي": نقدم منحا دراسية للطلاب المصريين تصل إلى 100% (حوار)    محافظ الغربية يُجري حركة تغييرات محدودة في قيادات المحليات    مجلس الصحفيين يجتمع اليوم لتشكيل اللجان وهيئة المكتب    المستشار محمود فوزي: لا يمكن تقنين الخلو.. ومقترح ربع قيمة العقار للمستأجر به مشاكل قانونية    تفسير حلم الذهاب للعمرة مع شخص أعرفه    حدث في منتصف الليل| الرئيس يتلقى اتصالا من رئيس الوزراء الباكستاني.. ومواجهة ساخنة بين مستريح السيارات وضحاياه    52 مليار دولار.. متحدث الحكومة: نسعى للاستفادة من الاستثمارات الصينية الضخمة    شاب يقتل والده ويشعل النيران في جثته في بني سويف    رابطة الأندية: بيراميدز فرط في فرصة تأجيل مباراته أمام سيراميكا كليوباترا    تحول في الحياة المهنية والمالية.. حظ برج الدلو اليوم 21 مايو    لميس الحديدي عن أزمة بوسي شلبي وأبناء محمود عبدالعزيز: هناك من عايش الزيجة 20 سنة    سعر الفراخ البيضاء والبلدي وكرتونة البيض في الأسواق اليوم الأربعاء 21 مايو 2025    اللجنة العربية الإسلامية: نرحب ببيان بريطانيا وفرنسا وكندا لوقف حرب غزة ورفع الحصار    الجمعة 6 يونيو أول أيام العيد فلكيًا.. والإجازة تمتد حتى الاثنين    توقيع عقد تعاون جديد لشركة الأهلي لكرة القدم تحت سفح الأهرامات    إرهاق مزمن وجوع مستمر.. علامات مقاومة الأنسولين عند النساء    بمكونات سهلة وسريعة.. طريقة عمل الباستا فلورا للشيف نادية السيد    «منصة موحدة وكوتا شبابية».. ندوة حزبية تبحث تمكين الشباب وسط تحديات إقليمية ملتهبة    نائبة تطالب بتوصيل الغاز الطبيعي لمنطقة «بحري البلد» بأسيوط    عضو مجلس يتقدم بطلب لتفعيل مكتب الاتصال الخدمي بنقابة الصحفيين (تفاصيل)    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    نص محضر أبناء شريف الدجوي ضد بنات عمتهم منى بتهمة الاستيلاء على أموال الأسرة    المدرسة الرسمية الدولية بكفر الشيخ تحتفل بتخريج الدفعة الرابعة    تعرف علي موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    هل يجوز الجمع بين الصلوات بسبب ظروف العمل؟.. أمين الفتوى يُجيب    وفد صيني يزور مستشفى قصر العيني للتعاون في مشروعات طبية.. صور    وزير الصحة: ملتزمون بتعزيز التصنيع المحلي للمنتجات الصحية من أجل مستقبل أفضل    رئيس جامعة أسيوط يتابع امتحانات الفصل الدراسي الثاني ويطمئن على الطلاب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذا النهر العظيم.. نجيب محفوظ
نشر في المساء يوم 11 - 12 - 2017

وضعت عن نجيب محفوظ كتاباً هو "نجيب محفوظ صداقة جيلين" حاولت فيه أن أحيط بعالم محفوظ الأدبي والشخصي من خلال صداقة قريبة وقراءات لكل ما كتبه ولكل ما كتب عنه ما أفردت فصلاً عن الروائي الكبير في كتابي "آباء الستينيات".
والمفروض في هذه المساحة أن أتناول ما لم يسبق لي تناوله في شخصية محفوظ وأدبه وهو أمر قد يفرض التكرار لكن النهر العظيم المسمي نجيب محفوظ يحمل الكثير من الخصوبة والتجدد.
بالتحديد سأحاول أن أعرض في هذه الكلمات لبعض ما أثير حول سيرة نجيب محفوظ الشخصية والفنية والفكرية والسياسية.
كان نجيب محفوظ عبدالعزيز إبراهيم أحمد الباشا أصغر أخوته الستة تفصل بينه وبين من يكبره مباشرة عشر سنوات ومن ثم فقد كانت علاقته بهم والتعبير له تجمع بين الأخوة والأبوة والأمومة! ولعلي أذكرك بكمال عبدالجواد ووضعه المتميز في البيت بين أخوته ياسين وفهمي وخديجة وعائشة.
وكان والد نجيب موظفاً صغيراً ثم عمل فيما بعد بالتجارة.
بدأ نجيب محفوظ حياته الوظيفية في 11 نوفمبر 1934 ظل إلي 1939 في سكرتارية جامعة فؤاد الأول ثم نقل إلي وزارة الأوقاف وبقي فيها إلي 1954 عندما اختير مديراً للرقابة الفنية بمصلحة الفنون فمديراً لمؤسسة دعم السينما فمستشارا لوزير الثقافة لشئون السينما حتي احيل إلي المعاش في 1972 فأصبح من يومها كاتباً متفرغاً في مؤسسة الأهرام.
تقلب محفوظ في وظائف مختلفة لكنه ظل علي ولائه للوظيفة واحترامه لها ومراعاة طقوسها بدءاً بالحضور في الموعد المحدد والانصراف في الموعد المحدد وانتهاء بالاعتداد بزر الجاكتة ووضع الطربوش فوق الرأس.
نتذكر الفنان نفسه مع اختلافات واضحة في وصفه للموظف القديم فؤاد أبوكبير فهو مثال حسن للموظف مثال في اتزانه فهو محترم حقاً ودوءب علي العمل فهو حمار شغل ولم تزايله هذه الصفة يوماً منذ التحق بالخدمة بالكفاءة وهو ابن عشرين وقد انطبع بالروتين حتي تغلغل في روحه وسري في سلوكه حتي السلوك غير الرسمي فهو يرجع إلي بيته كل يوم حوالي الثالثة يتغدي وينام حتي الخامسة ثم يمضي إلي القهوة حوالي السادسة فيدخن النارجيلة ويتكلم في الكادر والسياسة ثم يلعب النرد وأخيراً يعود إلي بيته عند الحادية عشرة فيتعشي عشاء خفيفاً ويصلي ثم ينام كلمة في السر مجموعة بيت سييء السمعة وتعد الفترة من 1950 إلي 1954 من أخصب الفترات فنياً بالنسبة للفنان فقد عمل آنذاك مديراً لمؤسسة القرض الحسن التابعة لوزارة الأوقاف حيث التقي من خلال عمله الكثير من الشخصيات التي تباينت في ظروفها الاجتماعية والمادية ومع أنه من أسرة متوسط فقد عرف معني الحاجة في عمله بوزارة الأوقاف وهو تثمين الأشياء التي يرهنها أصحابها لقاء قرض حسن.
تزوج في 5491 من السيدة عطية الله كان صديقاً لأسرتها مما أتاح لكل منهما أن يتعرف إلي الآخر وعندما طلب الاقتران بها وافقت أسرتها التي كانت تعرفه جيداً وتم عقد القران في أيام قليلة وأثمر زواجهما أم كلثوم وفاطمة.
حياة شوارعية
نجيب محفوظ قاهري في معظم إبداعاته إذا استثنينا توظيفه للتاريخ الفرعوني فإن القاهرة هي حدود هذه الإبداعات بدءا بأولي قصصه القصيرة إلي أحدث قصصه القصيرة مروراً بما يبلغ 35 رواية وحوالي ثلاثمائة قصة قصيرة كما يقول فهو قد عاش حياة القاهرة وكان علي حد تعبيره شوارعياً بكل معني الكلمة.
والحق أني لا أستطيع أن أنسي الكثير من شخصيات محفوظ كم التقيت في الطريق أحمد عبدالجواد وياسين وفهمي وكمال وكامل رؤبة لاظ ونفسية وحسن أبوالروس وحسنين كامل علي ومحجوب عبدالدايم وإحسان شحاتة وسعيد مهران وصابر الرحيمي وعمر الحمزاوي وعيسي الدباغ وأحمد عاكف وعباس الحلو وحميدة وفرج إبراهيم وعشرات غيرهم أجاد الفنان رسم ملامحهم الظاهرة وتحليل نفسياتهم في أعماله.
مع ذلك فأنت تستطيع التعرف إلي أبعاد الحياة المصرية في قراءتك لأعمال نجيب محفوظ التاريخ والجغرافيا والمعتقدات والعادات والتقاليد والتطورات السياسية لا تقتصر مكونات الصورة البانورامية علي روايات مرحلة الواقعية الطبيعية منذ خان الخليلي إلي الثلاثية لكنك تجد تفصيلات مهمة من الصورة في اللص والكلاب والسمان والخريف والطريق والشحاذ إلي قشتمر آخر أعمال محفوظ الروائية إنه ليس زولاً مصر ولا جبرتي مصر الحديثة إنه نجيب محفوظ الذي لا يكتفي بالتصوير شأن المدرسة الواقعية الطبيعية ولا بمجرد التسجيل التاريخي أو الاجتماعي شأن المؤرخين لكننا نجد في مجموع أعماله نظرة كلية نظرة شاملة فلسفة حياة أشرت إليها قبلاً في كتابي نجيب محفوظ صداقة جيلين.
اعتبر نجيب محفوظ الفن حياة لا مهنة فحينما تعتبره مهنة لا تستطيع إلا أن تشغل بالك بانتظار الثمرة أما أنا فقد حصرت اهتمامي بالإنتاج نفسه وليس بما وراء الإنتاج وكنت أكتب وأكتب لا علي أمل أن ألفت النظر إلي كتاباتي ذات يوم بل كنت أكتب وأنا معتقد أني سأظل علي هذا الحال دائماً كان يكتب الرواية بيقين أن جميع الفنون مجزية إلا الرواية فهي أقرب إلي الرهبنة ويتناسب مجهودها مع جزائها تناسباً عكسياً.
يقول: عندما بدأت الكتابة كنت أعلم أنني أكتب أسلوباً أقرأ نعيه بقلم فريجينيا وولف ولكن التجربة التي كنت أقدمها كانت في هذا الأسبوع ولقد تبينت بعد ذلك أنه إذا كانت لي أصالة في هذا الأسلوب فهي في الاختيار فقط لقد اخترت هذا الأسلوب الواقعي وكانت هذه جرأة وربما جاءت نتيجة تفكير مني ففي هذا الوقت كانت فريجينيا وولف تهاجم الأسلوب القواعي وتدعو للأسلوب النفسي والمعروف أن أوروبا كانت مكتظة بالواقعية لحد الاختناق أما أنا فكنت متلهفاً علي الأسلوب الواقعي الذي كتبت به كان هو أحدث الأساليب وأشداها إغراء وتناسباً مع تجربتي وشخصي وزمني وأحسست بأنني لو كتبت بالأسلوب الحديث أصبح مجرد مقلد.
وظني أن نجيب محفوظ خدع الكثيرين ممن جدوا فيه روائياً فقط الرواية هي الإبداع الأهم للرجل لكنه مارس كل ألوان الكتابة بدءاً بالمقال الفلسفي فالترجمة القصة القصيرة والرواية والسيناريو السينمائي والمسرحية والخاطرة طال توقفه أمام بعض تلك الألوان مثلما حدث في المقال الفلسفي والسيناريو واكتفي أحياناً ببعض محاولات مثلما فعل في مسرحياته ذات الفصل الواحد والتي كانت انعكاساً لرغبته في إثارة حوار حول بواعث هزيمة يونيو 1967 ولعلي أختلف مع الفنان في قوله 1980 إنه لم يحاول أن يكتب سيرته الذاتية لذلك لأنه كان قد أعلن قبلاً أنه كمال عبدالجواد في الثلاثية وكان الإعداد الأول ل المرايا أن تكون سيرة ذاتية للفنان وتراجم لأبطال رواياته.
ومحفوظ يحرص علي أن تكون الفصحي لغة السرد والحوار لإيمانه بأن اللغة العربية من جملة الأمراض التي يعاني منها الشعب والتي سيتخلص منها حتماً حين يرتقي وأنا أعتبر العامية من عيوب مجتمعنا مثل الجهل والفقر والمرض تماماً بل إنه يري في العامية حركة رجعية والعربية حركة تقدمية اللغة العامية انحصار وتضيق وانطواء علي الذات لا يناسب العصر الحديث الذي ينزع للتوسع والتكتل والانتشار الإنساني.
هل أهمله النقد؟
القول بأن النقاد أهملوا نجيب محفوظ فترة طويلة فلم ينتبهوا إليه إلا بعد روايته التاسعة بداية ونهاية أدباء معاصرون رجاء النقاش وهو ما أكده الفنان في أكثر من حوار صحفي كقوله حياتي بدأت بإهمال طويل وانتهت باهتمام كبير أسماء لامعة مفيد فوزي مكتبة مدبولي ثم قوله فيما بعد ضاع وقت جيلنا في تحطيم الحواجز.
أذكر أني كتبت من قبل نجيب محفوظ كنز اكتشفناه نحن ولم ينبهنا إليه الأجانب اكتشفه من قرأ له وأعجب به ووجد فيه مثلاً أعلي والقول إن نجيب عاش يكتب خمسين سنة دون أن يكتشف أي ناقد في مصر أنه عملاق هذا القول مشكلة الكاتب الشخصية مشكلة أنه قرأ محفوظ كما قرأ الآخرين فلم تتوضح له الفوارق بين حجم الفنان نجيب محفوظ وأحجام الآخرين أما نحن الذين قرأنا نجيب محفوظ جيداً واستوعبناه جيداً وتفهمناه جيداً وعرفنا مدي خطورته وتأثيره وجدواه واتخذناه مثلاً أعلي ربما حتي في سلوكياتنا الشخصية فإننا نزعم باكتشاف كنز نجيب محفوظ منذ خان الخليلي التي يمكن أن نؤرخ بصدورها بدء تطوير فن الرواية في بلادنا كانت خان الخليلي كما ذكرت من قبل بداية تعرفي إلي ذلك العالم السحري المذهل الذي شكلته روايات نجيب محفوظ ثمة من التقي الفنان للمرة الأولي في بين القصرين عندما نشرت في الرسالة الجديدة وثمة من كانت البداية عنده في طبعة الكتاب الذهبي من زقاق المدق.
حقيقة أن النقد لم يتناول أعمال محفوظ بالكم الذي تناول به تلك الأعمال عقب صدور زقاق المدق في طبعتها الشعبية أذكر حفاوة أستاذتنا سهير القلماوي بالزقاق في حديث إذاعي وإعجاب المثقفين بها إلي حد إقدام الصديق الناقد المخضرم توفيق حنا علي وضع دراسة نقدية عن الرواية فاق عدد صفحاتها صفحات الرواية نفسها وإن لم يتح لتلك الدراسة أن تصدر بعد.
لكن التفات النقد لم يكن خيراً كله وبالذات في أواسط الخمسينيات قبل أن يصبح محفوظ هذه المؤسسة القومية كما وصفه لويس عوض فيما بعد فقد شنت عليه حرب قاسية لأسباب أيدولوجية محضة قدرت بعض الأقلام النقدية أن أدبه يعبر عن نقيضها ولولا عناد الثيران الذي وصف به محفوظ نفسه في مقابل التجاهل النقدي ثم في مقابل التسلط النقدي لأسكت قلمه خاصة أن السينما كانت قد وهبته كلمة السر التي يستطيع بها أن يغترف ما يشاء من مغارتها السحرية كان قد أصبح كاتباً للسيناريو مرموقاً وأذكر بالخبر الذي نشرته مجلة أسبوعية آنذاك عن التقاء الفنانة هدي سلطان بالقاص يوسف جوهر وكاتب السيناريو نجيب محفوظ لمراجعة سيناريو فيلمها القادم.
دنيا!
كان نجيب محفوظ يلح علي أنه يكتب للقارئ المصري لكنه فيما أتصور كان يدرك أنه أديب مصري لكل العالم أذكر ملامحه المتأثرة وهو يحدثني عن الحفاوة النقدية والشعبية بأعماله في امتداد الوطن العربي هل تصدق أنه لم يترجم لي عمل واحد حتي الآن وألفت التواضع في أحاديثه وتصرفاته لكن طموحاته المشروعة كانت بلا آفاق!
وقد صرح نجيب محفوظ في حوار صحفي أنه لم يهمل آراء النقاد لكن عدم رده علي الاجتهادات النقدية لأن تقديره أن الرد علي ناقد من اختصاص ناقد آخر وليس من اختصاص المؤلفة الذي قال كل ما عنده في عمله المنقود لوأنني أعتقد والكلام لمحفوظ أن نقد الدنيا والآخرة لا يستطيع أن يرفع عملاً أو يخفضه عما يستحق درجة وأنا أحب دائماً أن أعرض عملي الفني لعوامل الانتخاب الطبيعي فإذا كان يستحق الموت لمجرد أن ناقداً هاجمه فمن الخير أن يموت وإذا كان مقدراً له البقاء فسيبقي.
والحق أن عدم الرد كان موقف محفوظ عندما واجهه نقاد اليسار بحملة قاسية كان أشد تأثراً لأنه لم يكن عاجزاً عن الرد أو تنقصه الحجج ولا الردود المقنعة وإنما لأنه كان ألزم نفسه بأن يركز علي قضية الفن علي الإبداع في ذاته دون أن يشغل نفسه بقضايا أخري قد تصرفه عن التركيز علي فنه.
ولم يكن هجوم النقاد وحده هو ما يعانيه محفوظ كان الإهمال وربما التعتيم بعداً سلبياً آخر في التفات النقد إلي أعمال محفوظ وقد أشرت من قبل إلي طلب الناقد الراحل محمد طلبة من محفوظ بأن يأذن له بدراسة أعماله إلي بداية ونهاية تساءل محفوظ بعفوية تقطر مرارة لماذا تدرس أعمالي ولا تدرس أعمال الأدباء المعروفين؟!
مرة وحيدة كتب نجيب محفوظ عن اتجاهه الرائي الجديد في اللص والكلاب وعبر المقال عن حصيلة معرفية وافرة وعن فهم وتفهم وإدراك واع لطبيعة المرحلة التي بدأت بأولاد حارتنا.
وفي أيام ترددي علي نجيب محفوظ في مكتبه بمؤسسة دعم السينما لم يكن يخفي تألمه من كتابات النقاد العرب الذين عنوا بأعماله بينما القضايا السياسية والأيديولوجيات تشغل النقاد المصريين بأكثر مما يشغلهم الإبداع الأبدي كانت المناسبة فيما أذكر دراسة نجيب سرور الرائعة عن ثلاثية بين القصرين والتي نشرها منجمة في مجلة بيروتية وأذكر قول محفوظ حتي عندما كتب ناقد مصري عن أعمالي نشر ما كتب في مجلة غير مصرية استطرد في تألمه ربما لم يجد منبراً مصرياً لنشر ما كتب. وزفر: الحصار غريب.
ولعله يجدر بي أن أشير إلي سبب آخر لتألم محفوظ وهو غياب الترجمة عن أعماله حتي بعد أن أولاه النقاد المصريون اهتماماً واضحاً كان يهمس بلا جدوي ذلك كله أمام الحقيقة الماثلة وهي عدم ترجمة أعماله لترقي فعلياً إلي العالمية وأثق أنها كانت تشغله.
والحق أن أعمال كاتب ما لم تواجه سذاجة التأويلات بل سوء نيتها مثلما واجهت أعمال نجيب محفوظ كل يحاول تفسيرها بما يرضي اتجاهه بصرف النظر عن ذلك الاتجاه ومدي اقترابه من الأعمال أو ابتعاده عنها.
أسقط الفنان من أحداث التاريخ في رواياته الفرعونية علي أحداث معاصرة وعبر في روايات مرحلة الواقعية الطبيعية عن أحداث معاصرة لم تخذله موهبته ولا ثقافته المتفوقة في تقديم صياغة فنية ناضجة وأكثر تفهماً لمتطلبات التكنيك الروائي قياساً إلي إبداعات سابقة ومعاصرة.
أكد قوله لي: الأدب له حيل لا حصر لها فهو فن ماكر وليس وضعه وضع الفكر المباشر أنت كمفكر مباشر تقول كلاماً واضحاً ولكن الأديب لديه الرمز ولديه أمور أخري يستطيع بواسطته أن يتحايل فيعبر عن كلمته بشيد من اليسر لا يتاح عادة للمفكر أما العقبة الأولي فهي فقدان الحرية.
بل إن أولاد حارتنا التي كاد يدفع حياته مقابلا لإبداعها يجد يحيي حقي أن الفنان حقق بها ما عجز عنه غيره من الكتاب حقق الأمل الذي كنا نتطلع إليه وهو ارتفاع الأدب عندنا إلي النظرة الشاملة والتفسير الفلسفي الموحد للبشرية جمعاء ووضع تاريخ الإنسانية كله في بوتقة واحدة. عصر الأحباب مؤلفات يحيي حقي هيبة الكتاب.
ولعل موقف محفوظ الفكري والاجتماعي والسياسي في آن يتبدي في أعقاب نكسة 1967 مباشرة كان حرصه علي وضوح عمله الفني هو الأرضية التي تقف عليها أعمال تلك الفترة وأن يكون الصديق جسر علاقته بقرائه حتي لو عاد بفن القصة العربية كما قال لي إلي أحد أشكاله الأولي المقامة أو يكتب خطباً ووعظاً أو موضوعات إنشائية تغيب عنها لغة الفن!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.