رغم مرور نحو 38 عاما علي يوم العبور العظيم العاشر من شهر رمضان المبارك لاتزال فرحة "اللحظة الفارقة" ماثلة في القلب والوجدان وبقيت محفورة في الذاكرة كلمات المذيع عبر الاثير حين قال: انه بعد الثانية من ظهر هذا اليوم تمكنت قواتنا المسلحة من عبور قناة السويس انتشلتنا هذه الكلمات من هوة الظلام التي أحاطت بنا منذ يوم النكسة في يونيو عام 67. لقد استطعنا استنشاق الهواء النقي بعد 6 سنوات أمضيناها في حزن وأسي مما جعلنا نمضي منكسي الرءوس نشوة الفرح انستنا هموم السنوات العجاف وارتفعت الألسنة تردد الدعوات وتتوجه بالشكر لله عز وجل علي هذا التوفيق في شهر الصيام السادس من أكتوبر. نسمات النصر وعلامات البشر انتشرت علي كل الوجوه وكانت كلمة "الحمد لله" هي نشيد مصر كلها في تلك اللحظة الفاصلة! لقد جاء هذا التوفيق والنصر من عند الله وبإلهام منه سبحانه لأفضل جند الله في الأرض ومن كان دورهم في هذه الحياة انهم في رباط إلي يوم القيامة ظلت الدماء تغلي في العروق والفكر شاردا والعمل بلا توقف من أجل استعادة الحق السليب لهؤلاء الجنود والضباط الذين ظلموا في يوم النكسة الحزين تواصل العمل ليل نهار وحينما كنت التقي بأحد الجنود أو الضباط الذين شاء حظهم أن يعيشوا هذه الأوقات العصيبة كان الواحد منهم رغم انه تم استبقاؤه نحو 6 سنوات تحت وطأة هذه الفترة إلا ان التعبير الذي كان يجري علي ألسنتهم سوف نظل مهما طال الزمن في سعي وعمل جاد لتحطيم خط بارليف وخطوط النابالم علي شاطيء القناة بالجهة الشرقية بالإضافة إلي القوات الجاهزة دائما والطيارين الرابضين في الطائرات والجميع علي أهبة الاستعداد وتلبية نداءات موشي ديان وزير الدفاع الاسرائيلي وتلك العجوز جولدامائير. التاريخ سوف يظل سجله الحافل في تلك اللحظة الفارقة نبعا يقترف منه القادة والعسكريون وغيرهم المعلومات والبرامج التي سهر عليها أبناء مصر البواسل لتنفيذ المهام التي أدت إلي انتزاع النصر من براثن الصهاينة الذين اغتصبوا الأرض المقدسة ومن قبلها احتلال فلسطين واستطاع جنود مصر تحطيم اسطورة الجيش الذي لا يقهر التي ابتدعها الاسرائيليون زوراً وبهتانا واسترد خير أجناد الأرض بشهادة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم هذا الحق الذي سلبه الصهاينة في لحظة غدر خاطفة وقد ارتفعت الرءوس وتبادل المصريون والعرب في كل مكان التهاني بالنصر العظيم واستنشق الضباط والجنود وقادة الطيران هواء يوم نصر الله للجند في معركة الحق الفاصلة وذلك بالعرق وبذل أقصي الجهد من أجل كرامة المصريين وأشقائهم العرب. فقد كانت تحاصرهم قبل هذا اليوم العظيم نظرات الاستخفاف لدرجة ان بعض الحاقدين والشامتين من أبناء أوروبا والأمريكان وضعوا لافتات علي بعض أماكن السهر والمطاعم تحمل عبارات خادشة للحياء وتتضمن عبارة حقيرة "ممنوع دخول العرب والكلاب". لكن في فترة وجيزة تم انتزاع هذه اللافتات وصارت في مزبلة الشارع والتاريخ وتحولت النظرات للاعجاب والتقدير وانطلقت عبارات الترحيب. في هذه اللحظة الفارقة تجلت عظمة أبناء مصر فقد كانوا علي قلب رجل واحد وفي أيام النصر العظيم لم تسجل دوائر الشرطة والنيابة أي حادث سرقة فقد كان الشغل الشاغل للجميع هو استرداد الكرامة ووقف اسطورة اسرائيل من الفرات للنيل وأصبح لمصر كما قال قائد الحرب والنصر أنور السادات درع وسيف وكانت سماء الأرض الطيبة وترابها تمتليء بهؤلاء الأبطال هؤلاء أصحاب الضربة الجوية المؤثرة والمدمرة وهؤلاء رجال القوارب المطاطية وأولئك الرجال الذين دمروا وفتحوا الثغرات في خط بارليف ذلك الساتر الترابي الذي وضعه الأعداء ليكون بالإضافة إلي المانع المائي حائلا دون عبور جنودنا البواسل إلي أرض سيناء الحبيبة ومن يطالع أمجاد هؤلاء الأبطال ومواهبهم التي تفجرت للتغلب علي هذا الساتر الترابي الضخم وكيف قهروا هذه الأساليب الماكرة والتي قال عنها أحد الكتاب يوما ان جنودنا من المصريين لن يستطيعوا عبور القناة والساتر الترابي إلا علي نهر من الدماء فالنابالم وخط بارليف والطائرات جاهزة للانطلاق في أية لحظة. لكن شاءت إرادة الله وتوفيقه لهؤلاء الرجال في ابتكار أحدث الوسائل لفتح ثغرات في الساتر الترابي مكنت الجنود من العبور إلي الأرض المباركة وتعالت صيحة الله أكبر مزلزلة العدو الاسرائيلي في عقر داره!! من اللمحات الخاطفة التي عبر عنها بكلمات واثقة ذلك الضابط المصري العظيم المقدم فائق زكي يوسف يقول استلهمت فكرة فتح ثغرات في الساتر الترابي من فكرة المصريين في بناء السد العالي فقد نقلنا في السد العالي بنظام التجويف 10 ملايين متر مكعب من الرمال وتم بلورة فكرة هذا الضابط المصري الممتاز وبعد نحو 300 تجربة جاءت النتائج جيدة وبفضل الله وتوفيقه تم فتح 60 ثغرة قبل العاشرة مساء يوم 6 أكتوبر العاشر من رمضان بعد أن انهار 90 ألف متر مكعب من الرمال الخاصة بساتر بارليف إلي مياه القناة مما سمح بعبور لواء مدرع بالكامل من معبر شمال القرش حيث كان يصل ارتفاع الساتر نحو 20 مترا وفي الثامنة والنصف مساء يوم النصر عبرت القوات وارتفع علم مصر خفاقا فوق أرض الفيروز. ملحمة هذا النصر العظيم وتلك الروح الوثابة في هذه الأيام المجيدة نحن في أشد الحاجة إليها بعد ثورة الشعب في يناير الماضي. ان نداء الواجب يطالب كل مصري ومصرية بتناسي النزاعات والأغراض الشخصية ولنتكاتف بهذه الروح لبناء بلادنا علي أساس من الحب وتضافر الجهود وليتنا ندرك ان مصر لن يبنيها إلا سواعد أبنائها والتجرد من كل الأغراض ليتنا نستلهم هذه الروح لاستعادة الأمجاد وقهر أي عقبات وليت المظاهرات والاعتصامات والمليونيات تتوقف ولتنصهر إرادتنا في بوتقة واحدة والمساهمة في البناء وبذل أقصي الجهد لكي تعود عجلة الانتاج وتتحقق آمال الشباب في العمل وكل أصحاب الحقوق. يا سادة انتهي وقت الهتافات وبدأت ساعة العمل فهل نلبي النداء قبل فوات الأوان؟!