فتشت في الذاكرة عن فيلم مصري يتضمن صورا درامية أو حكاية وطنية مؤثرة عن شهيد أو مجموعة من الشهداء المصريين يتناول دراما حرب تضاهي الدرامات العسكرية غير المعتادة التي شكلها المقاتلون في جهازي الجيش والشرطة. ودخلت علي "جوجل" فاعتذر مؤشر البحث عن تلبية طلبي "لا يوجد" سرحت في الصناعة الوطنية المنوط بها تسجيل المعارك وتحفيز الخيال واعمال الحمية الوطنية وانعاشها ومن ثم استحضار البطولات التي يحققها أبناء القوات المسلحة والشرطة الذين يسقطون تباعاً عبر مراحل التاريخ الذي عشناه ونعيشه وسرحت في "صناعة وطنية" حولت كل مظاهر حياتنا إلي مادة للترفيه العابر والساذج والمبتذل في بعض الأحيان. ولم أجد بدا من البحث في أرشيف السينما العالمية الحديثة وتوقفت أمام فيلم نموذجي فجر دموع المشاهدين عند عرضه عام 1998 واستأثر باهتمام عشاق التاريخ والسينما والحرب وحصل علي خمس جوائز أوسكار. أشير إلي فيلم "إنقاذ الجندي رايان" أحد أهم الأفلام وأكثرها إبداعا علي مستوي الصورة والأداء والتصوير الرائع للمشاهد الحربية وتجسيد واستحضار العنف المروع الذي واجهه الجنود الأمريكيون في إحدي معارك الحرب العالمية الثانية بالتحديد معركة غزو نورماندي التي صارت معروفة باسم "DDay" 6 يونية 1944. فهكذا تكون دراما الحرب.. وكيف تصل بتأثيرها إلي أبعد الحدود وها هي ملحمة رائعة تستمد أحداثها من الواقع الفعلي وتعيد إنتاج إحدي معارك الحرب العالمية الثانية بأبطال تصدرهم أمريكا عبر السينما إلي العالم ولا تملك إلا الاقتناع بهم. وما يلفت النظر في هذا الفيلم قصته التي تصور عملية البحث عن جندي مقاتل ذهب أشقاؤه الثلاثة إلي الحرب وماتوا جميعاً ولم يعد للأم المكلومة إلا أن تستنجد بالحكومة الأمريكية لكي تعيد ابنها الرابع جيمس رايان آخر من تبقي من الأبناء الأربعة فيلاقي طلبها تعاطفا من القادة خاصة ان هناك قانونا يحتم إعادة الابن حتي لا تفقد الأم جميع أبنائها.. الفيلم إذن عن إنقاذ جندي واحد وإعادته سالماً إلي أمه. ومن أجل هذا الهدف يتم تكليف أحد الضباط الكبار الذي يشكل بدوره فرقة من المقاتلين الأشداء للبحث عن هذا الجندي وإعادته قبل أن يستشهد "يلعب دوره النجم توم هانكس" والفيلم يبدأ بزيارة للمدافن الخاصة بالجنود الأمريكيين في نورماندي ثم بعودة إلي الوراء لسرد قصة البحث عن "رايان" وإنقاذه.. ومن ثم الدخول في خضم ملحمة عسكرية رائعة والقصة برغم بساطتها إلا انها تشكل انطلاقة فذة لدراما سينمائية قوية عن الحرب وعن المواجهات الدامية بين الجنود الأمريكيين والجيش الألماني. وليست القصة فقط وإنما المعالجة البصرية المذهلة لمشاهد الاشتباكات والمواجهات. فالفيلم يتضمن في البداية 24 دقيقة أجمع كثير من النقاد علي اعتبارها مشاهد غير مسبوقة عن الحرب. إذن كيف تناول سبلبرج قصة البحث عن "رايان" ليقدم قصة عظيمة عن معني الشرف والواجب الوطني والتجسيد الآسر للبطولة والشجاعة وبقدرة علي التجسيد البصري تكشف عن مستوي الكفاءة والاتقان علي الشاشة لم يحدث من قبل. يقول أحد النقاد الأمريكيين في تعليقه علي الفيلم انه عمل يجعلك فخوراً بأمريكا من دون ادعاء أو طنطنة أو صخب ويغمرك بالمشاعر الوطنية وأنت تشاهد العلم الأمريكي يرفرف ومثل هذا العمل المجيد يجعلك تجدد ايمانك بعظمة وقدرة السينما علي اشعال الحمية الوطنية. ومن هنا تعتبر السينما الأمريكية أحد عناصر القوة الداعمة والناعمة للسياسات الأمريكية والمؤثرة في الوجدان الجمعي للجماهير العاشقة للفيلم علي طول امتداد العالم ومخرج مثل ستيفن سبلبرج صانع هذا العمل السينمائي الذي أصبح من كلاسيكيات السينما ونموذج مثالي ومبهر لنوعية أفلام الحرب هو واحد من الجنود المقاتلين علي الشاشة والداعمين للسياسات الأمريكية ومن أجل الإعداد لهذا الفيلم قام كُتاب السيناريو بعمل لقاءات عديدة مع الجنود والضباط الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية ومن خلال هذه اللقاءات قاموا بتوثيق تفاصيل أكثر من عشرين معركة حقيقية وربطوا بين شهادات المحاربين ونسجوا من خلالها قصة سينمائية درامية مؤثرة في قالب بديع يستعين باستخدام المؤثرات الصوتية والبصرية إلي جانب الأداء التمثيلي القوي مع مخرج خلاق يستخدم الكاميرا كما يستخدم الأديب القلم محققاً نتيجة مدهشة. ستيفن سبلبرج "1946 - " من صناع السينما الذين برعوا في استخدام الخيال قدر براعتهم في توظيف هذه الملكة الخلاقة في تكريس السياسات الأمريكية والانتصار للقضايا السياسية الساخنة التي تروج للمشروع الصهيوني وينتصر لإسرائيل فهو المخرج الذي أقام متحفاً كبيراً جداً لضحايا الهولوكست واسمه يزين الأرشيف السينمائي في إسرائيل فهو صاحب موقف مدعوم بفنه ولديه قضية وواجب إزاء "المسألة اليهودية" وأفلامه مثل "قائمة شندلر" مثال وحتي فيلم "إنقاذ الجندي رايان" مقتبس من قصة واقعية ترتبط بأسرته. فهل نلومه؟؟ إنه واحد من المقاتلين الناعمين بسلاح السينما ومن المناهضين للحرب كما يقول هو نفسه عن الفيلم الذي يهدف من خلاله أن يعرض علي الناس وصناع القرار بشاعة وفظاعة الحروب وتأثيرها المروع علي البشرية وان جعلهم يفكرون جيداً قبل أن يؤيدوا حرباً أو يشاركوا فيه.. ولا أعرف هل يمكن أن نوجه هذا الكلام إلي دولة إسرائيل مثلاً التي أقيمت علي جماجم وأطلال البيوت التي يسكنها الفلسطينيون؟! لكنها السياسات المركبة والمعقدة. فالفيلم عن "الحرب" من وجهة نظر أمريكية والعنف الدموي الذي تعتمده الدول وسيلة لتحقيق الأهداف العسكرية والسياسية. فهل يمكن أن نصدق ما يقوله صناع الحروب ومنهم أمريكا التي تمتلك أقوي مصانع أسلحة الدمار الشامل التي يستخدمها الآن الجماعات الإرهابية في حروب الجيل الرابع. من المفيد أن نداوم علي عروض هذه النوعية من أفلام الحرب ونفتح باباً للحوار حولها خصوصاً إذا كانت تتناول قصصاً وأحداثاً واقعية من التاريخ الحديث وفيلم مثل "إنقاذ الجندي رايان" ينطوي علي مادة ممتعة جداً تمزج بين الدراما وبين المعارك العسكرية ويتناول جزءاً من التاريخ العسكري من منظور يدعم ويمجد العسكرية الأمريكية ويعيد تعريف البطولة والشرف من خلال هذا التوجه. انه عن "شهيد" أو مجموعة شهداء أو في الحقيقة عن الجيش الأمريكي ومفهوم الشرف والوطنية من وجهة نظر واحد من أساطين السينما الأمريكية.