دأبت صناعة السينما الأمريكية منذ بدايات السينما علي انتاج أفلام حربية تؤررخ للصدامات العسكرية التي عرفتها البشرية منذ فجر التاريخ.. الأفلام تكفي عناوينها فقط لملء صفحات طويلة.. فقد كان ومازال هذا النوع من الأفلام ضمن المشاريع الناجحة ومنها أفلام خالدة وقوية التأثير ويعاد بثها من وقت لآخر وحسب الطلب من خلال شبكات الأفلام الخاصة "فيلم الحرب (War Film) من أوائل الأنواع التي روجت لها هوليوود.. واقتبست بعض حبكاتها من الكتاب المقدس "الانجيل والتوارة" ومن الأحداث العالمية الكبري مثل الحرب الأولي والثانية وحرب فيتنام والحرب الكورية والحروب الحديثة من منطقة الخليج العربي وحتي حرب البوسنة وحروب الخليج وحرب العراق الخ... جميع الاستوديوهات الكبري في هوليوود شاركت في انتاج هذه النوعية وكذلك معظم النجوم والنجمات الكبار بأجيالهم المختلفة من جون وين وحتي توم كروز مرورا بمارلون براندو وسلفستر ستالوني وشوارز نجر وكذلك كبار المخرجين مثل اوليفرستون وادوارد زويك وتوني سكوت وستيفن سبليرج ورولاند اميريشي وستانلي كوبريك.. وفرانكلين شافنر ويترنيس مالك وحتي المخرجة كاترين بيجلو. "فيلم الحرب" يشكل ميدانا واسعا ليس فقط لاستعراض القوة وتمجيد العسكرية الأمريكية بل ايضا لتضمين الصدامات البشرية بالأيدولوجيات التي تبرر خوض المعارك. وتنتصر للمواقف التي تتبناها الإدارات المتعاقبة وتدافع عنها المؤسسة العسكرية.. والتي تضع جمهور العالم الواسع من المدنيين المستهلكين للسينما أمام ما هية المعارك العسكرية التي يخوضها الجيش الأمريكي ومعني شرف العسكرية. وقدر البطولة والتضحية والأمجاد الخالدة التي تدخل تاريخ الأمة بفضل انتصاراتها. "فيلم الحرب" وسيلة تستخدم لإعادة انتاج ما جري في ساحات الصدام من منظور يخدم سياسات الدولة ويبرر تدخلاتها غير المشروعة في معظم الاحيان أي انها تحلل الحرام وتصبغ عليه مشروعية مصطنعة بأدوات السينما.. المدنيون في منازلهم يشاركون في الحرب من خلال الشاشة ولكن بعد أن تهدأ المعارك وبعد أن يتحقق الهدف من الاشتباكات العسكرية الدامية وبدون النظر إلي حجم وفداحة الثمن المدفوع. والفارق مهول ومثير لبراكين من الغضب بين حرب العراق والحرب علي الإرهاب وتداعياتها وما جري من خراب وتدمير وتشريد ونسف للثروات وللميراث الثقافي للحضارات العتيدة والأكاذيب الفاضحة المختلفة التي كانت مبررا لتحريك الجيوش واستخدام الاسلحة المدمرة وهدم مقومات الدولة وتسريح جيشها وزرع بذور الإرهاب الأعظم الذي مازالت الشعوب تعاني منه تدفع فواتيره من دماء ابنائها.. الفارق بين ما جري علي الواقع وما تقدمه السينما بعد إعادة انتاجه. "فيلم الحرب" بما يتضمنه من أيدولوجية موجهة هو الذي يبقي في ذاكرة الجمهور. وراجع الأفلام الأمريكية عن العراق أو عن فيتنام وعن "الحرب الثانية العالمية" أفلام عظيمة وقوية فنيا ومؤثرة جماهيريا واسترجع أفلاما شاهدها معظمنا مثل "انقاذ الجندي رايان" "1998" للمخرج ستيفن سبلبرج و"ابوكاليبسي الآن" "1979" للمخرج فرنسيس فورد كوبولا.. وفيلم "هيرت لوكر" للمخرجة كاترين بيجلو عن حرب العرق وهي نفسها مخرجة فيلم "نصف ساعة بعد منتصف الليل" عن عملية اصطياد بن لادن وقتله ضمن معارك الحرب علي الإرهاب فمن الذي سيتذكر وهو يشاهد الفيلم المؤثر أن الإرهاب وبن لادن صناعة أمريكية. "فيلم الحرب" نوع يعيد انتاج التاريخ والصراعات التي تخوضها القوي العظمي للسيطرة علي العالم وبسط نفوذها علي كوكب الأرض.. فهو من أكثر الوسائط الجماهيرية قوة انه بالفعل احد ادوات القوة الناعمة. * * ومصر خاضت حروبا عسكرية ضد إسرائيل وعرف جيشها الهزيمة مثلما عرف الانتصار مرات. سواء في حرب الاستنزاف وفي حرب اكتوبر وقواتها المسلحة تخوض منذ سنوات حروبا حديثة من نوع خاص وأشبه بحروب العصابات ضد الجماعات الإرهابية المسلحة التي تقوم بالنيابة بتحقيق أغراض واستراتيجيات القوي الكبري وبايدولوجية "إسلامية" تحاول الميديا العالمية تسويقها للمجتمع الانساني كله. "فيلم الحرب" في مصر تعتبر نوعية نادرة ومهملة وما تم انتاجه قليل جدا وساذج واضعف من أن يقدم لجمهور السينما من المدنيين صورا واقعية تجعلهم يعايشون الحرب وما يواجهه ابناء القوات المسلحة في المعارك الآنية التي تدور في سيناء نحن نسمع عن سقوط شهداء وعن ضخامة التضحيات وفي نفس الوقت نتابع عشرات المسلسلات والأفلام العقيمة والسخيفة والهزلية الخالية من إشارة تلفت النظر إلي الملاحم التي يصنعها هؤلاء الأبطال.