لماذا كاترين بيجلو؟ ببساطة لأنني شخصياً أجد فيها النموذج المثالي لصانع الفيلم الأمريكي الذي يقوم من خلال الأفلام بالتخديم علي السياسات الأمريكية والثقافة الأمريكية والمفهوم الاستعماري للإدارات المتعاقبة الأمريكية إزاء منطقة الشرق الأوسط والعلاقة مع إسرائيل.. إنها أيضاً النموذج الناعم "اللطيف" القادر علي تأليف وإنتاج وإخراج الأفلام العسكرية الخشنة. كاترين آن بيجلو من مواليد 27 نوفمبر 1951 تحمل جوائز أوسكار من الأكاديمية الأمريكية وجوائز البافتا من الأكاديمية البريطانية وجوائز الجولدن جلوب وتم اختيارها أكثر من مرة كأفضل صورة لامرأة مخرجة وأفضل مخرجة امرأة ومن بين أكثر الشخصيات تأثيراً حسب اختيار مجلة "تايم" الأمريكية عام .2010 شاهدنا لها في القاهرة فيلمين أحدهما عن الحرب في العراق والثاني عن عملية اختطاف بن لادن واغتياله.. الفيلم الأول بعنوان "خزانة الألم" "2010" الذي رشح لعدد من جوائز الأوسكار وفاز بجائزتي أفضل فيلم وأفضل إخراج ونفس الجوائز حصل عليها الفيلم من اتحاد المخرجين الأمريكيين ومن اتحاد النقاد الأمريكيين أيضاً! إنها أول مخرجة امرأة تحصل علي جائزة الأوسكار.. والجوائز الأمريكية من وجهة نظري المتواضعة ليست بعيدة عن التوجهات السياسية. وليست مُنزهة عن الغرض وليست نظيفة ولا متحررة من النزعات العنصرية. فقد ظلت هوليود وستبقي النسخة الفنية للسياسة الأمريكية والذراع المؤثر الجماهيري لوزارة الدفاع "البنتاجون" والأفلام الحربية مثل "خزانة الألم" و"30 دقيقة بعد منتصف الليل" ويعتبران من النماذج الجيدة جداً لنوعية "فيلم الحرب" الموجهة الذي تنطوي الرسائل الضمنية الموجهة من خلاله علي تمجيد العسكرية الأمريكية وإلقاء الضوء بأكثر الأساليب المباشرة تأثيراً علي صورة الجندي والقائد العسكري المستعد لكافة أنواع المغامرات. كاترين بيجلو أحد الأصوات الناطقة سينمائياً والشاهدة بالصوت والصورة علي قدرة وقوة الدولة العظمي المهيمنة علي مقدرات الشعوب في منطقتنا. "خزانة الألم" الفيلم الذي جرت أحداثه في بغداد يعتمد علي تجارب واقعية حسب بيانات الفيلم عاشتها مجموعة من الجنود الأمريكيين الضالعين في الحرب علي العراق والتي شنتها أمريكا بعد أحداث سبتمبر 2001 تحت دعاوي الحرب علي الإرهاب. والإرهاب لم يكن أكثر قوة ولم ينشر حتي وصل جميع الدول العربية حالياً إلا بعد هذه الحرب وبسببها وإن كان ذلك ليس موضوعنا. قدمت هذه المخرجة متعددة المواهب تنويعة مختلفة لفيلم "الحرب" ولفيلم "الأكشن" الذي تمثل "الحركة" فيه عنصراً أساسياً في جمالياته كفن مرئي. وقبل هذه الأفلام المعتمدة علي بث مشاعر الإثارة يعتمد بالضرورة علي سيناريو لا يترك مساحة للأخطاء العسكرية وبالتالي تخضع لمشورة الخبراء في هذا المجال.. فهي إلي جانب الإخراج والتأليف والإنتاج رسامة موهوبة درست في معهد سان فرانسيسكو للفنون وحاصلة في هذا المجال علي شهادات تؤكد هذه الموهبة. في فيلمها "30 دقيقة بعد منتصف الليل" "2012" قدمت بلغة السينما تأريخاً لدور المخابرات والقوة العسكرية للقوات البحرية الأمريكية في عملية "اصطياد" أسامة بن لادن واختطافه من مخبئه ونقله إلي الأسطول الرابض فوق مياه المحيط حيث تم اغتياله والتخلص من جثته. كاترين بيجلو مخرجة أمريكية جديرة بالإعجاب وبالدراسة "كحالة" وتميزها في تقديم فيلم عن العسكرية الأمريكية المكلفة تقليدياً بالدفاع عن مصالح الدولة العظمي يلفت النظر إلي أهمية "نوع" مهم وموظف سياسياً من أنواع الأفلام الأمريكية التي قدمت منها هذه المخرجة نفسها "فيلم الرعب" والفيلم "البوليسي" والفيلم "الغرائبي" والفيلم "الاجتماعي" المشغول بصور المرأة الأمريكية. جوهر أفلام هذه المخرجة لا يمكن فهمه إلا في إطار السياق الثقافي السياسي الفني الذي تعبر عنه.. إنها كصانعة أفلام لا نملك استبعادها كجزء من النشاط الذي يقوم به جهاز المخابرات "سي إيه أي" ولا أجندة البنتاجون. ولا التوجه اليميني للإدارة الأمريكية في تعاملها خارج الحدود إنها جزء مهم جداً في صناعة الوهم أو الإيهام بالقوة التي لا تقهر!!