"أسد سيناء" يضع الناقد السينمائي في خانة اليك حيث المفروض أن يتفاءل بفيلم جديد يلقي الضوء علي حدث عسكري بطولي جرت وقائعه بالفعل أثناء حرب أكتوبر 1973 فالفيلم لا يتناول فقط الحدث وإنما يضع هالة من التبجيل حول المقاتل الشهيد الذي ضرب مثلاً في الجسارة والقدرة القتالية ونجح بمفرده في إبادة 22 جندياً من القوات الخاصة الإسرائيلية بالإضافة إلي تدمير دبابتين وطائرتين هيلوكوبتر. هذه البطولة الفذة شاهدها جندي إسرائيلي من الكتيبة التي تصدي لها المقاتل المصري واسمه سيد زكريا خليل ومن فرط اعجابه ببسالته قام بحفظ متعلقاته بعد أن قتله ودفنه وظل محتفظاً بها حتي عام 1996 حين التقي ذلك الجندي الذي أصبح دبلوماسياً إسرائيلياً بالسفيرة المصرية في ألمانيا وحكي لها قصة سيد زكريا وسلمها متعلقاته ومنها خطاب كتبه الشهيد لوالده ولم يتمكن من إرساله بسبب ظروف الحرب فما كان من السفيرة إلي أن أبلغت المسئولين وتم تكريم الشهيد الذي كان في عداد المفقوين وتم تبليغ أسرته وحين شاعت القصة أطلقت عليه وكالات الأنباء لقب "أسد سيناء". الحكاية الواقعية مشبعة بالعناصر الدرامية وأقوي بالتأكيد علي المستوي النظري من حكاية الجندي رايان الذي كان محوراً لواحد من أفلام الحرب الأمريكية القوية عام 1996 ورشح لإحدي عشرة جائزة أوسكار ففاز بخمسة منها. حكاية البطل المصري المحملة بالامكانيات حين تحولت إلي فيلم روائي طويل بات من المستحيل مقارنته بأي فيلم أمريكي من هذه النوعية رغم تأثر "المخرج المنتج المؤلف" بهذا النوع ومن بعض أجزاء منه بفيلم "انقاذ الجندي رايان". لاوجه للمقارنه ومن البلاهة علي أي حال مقارنة فيلم حربي من انتاج "دريموركسي" وإخراج ستيفن سبلبرج وبطولة توم هانكس ومات ديمون وبتكلفة تصل إلي 70 مليون دولار. بينما الفيلم المصري "الطموح" من انتاج فرد لم يسبق له العمل في هذا الميدان ويجرب حظة لأول مرة كمؤلف ومنتج وممثل. وإن امتلك "الجسارة" في اختيار قصة تحتاج إلي امكانيات فنية ولوجستية ضخمة. فضلاً عن تمرس وخبرة فنية.. بالإضافة إلي أن المخزون من الخبرة المحلية في انتاج أفلام الحرب لا يتجاوز عدة أفلام ضحلة من نوع "الرصاصة لاتزال في جيبي" و"العمر لحظة" وأعتقد أن المؤلف المبتديء قد شاهد هذه الأفلام أيضا مثلما شاهد الأفلام الأمريكية. الفيلم "أسد سيناء" مغامرة بكل المعايير ليست محسوبة إلا إذا كان العائد منها لا يشكل أهمية بالنسبة للمنتج ومن المؤكد أن حجم الجرأة التي دفعت صناعه جعلتهم لا يدركون أنهم اختاروا النوع الأصعب من أنواع الأفلام. وحسب ما قيل إن "المنتج المؤلف الممثل" كان مدفوعاً بأسباب وطنية خالصة نشكره عليها فالشهداء يستحقون منا أكثر من فيلم ولكن حتي الآن لم ننتج فيلماً يليق بهم وهذا العمل فيه من الإدعاء لما يثير التساؤل. لقد انتجت السينما عشرات الأفلام عن الحروب العالمية. وهناك ميراث طويل جداً من هذا النوع الجماهيري " War Filu". شاهدنا منها نماذج مدهشة وجذابة جداً ورغم أن مصر خاضت في صراعها مع العدو الصهيوني أربعة حروب شرسة "48. 56. 67. 73" بالإضافة إلي حرب الاستنزاف التي جرت في الفترة ما بين النكسة والانتصار. إلا أنه لا يوجد فيلم واحد يمكن الاشارة إليه مجرد حفنة أعمال تجارية محدودة القيمة أفضلها لا يصمد للمنافسة مع أكثر ذلك الانتاج رداءة لو استحضرنا قائمة الأعمال العالمية "الأمريكية والسوفيتية والروسية والصينية إلخ" " أسد سيناء" وبكل أسف لا يمكن اعتبار "أسد سيناء" عملاً مهما بأي معيار. فكل الذين شاركوا فيه ما عدا قلة قليلة من أنصاف ومعدومي المواهب فيما عدا المصور العالمي المصري المبدع رمسيس مرزوق الذي قدم أفضل عناصر الفيلم حيث احتفي بالطبيعة في الجنوب وبالصحراء وبالجبال وبتوالي الشروق والغروب كمعيار للزمن وقدم تابلوهات طبيعية حية وصافية مدفوعاً ربما مثل المنتج بنوايا طيبة ورغبة في تشجيع عمل وطني يسهم في تمجيد العسكرية المصرية وأحد أبنائها الوافدين من الريف أبناء الصعيد. لقد بدأت المقال بما يوحي بعدم الحماس. ذلك لأن الانطباع الأخير ليس إيجابياً. ورأيي أن الفيلم تجربة متواضعة للغاية برغم الاجتهاد ومحاولة إعادة انتاج بعض المشاهد العسكرية من أفلام سابقة وأبراز الشخصية المصرية المقاتلة وأن تم ذلك بقدر غير كبير من الإجادة. لقد شاهدت الفيلم في صالة خالية تماماً. ولولا الاحراج لكان مدير السينما ألغي العرض لأن تذكرة واحدة لا تكفي. وحسب ما فهمت فإن الفيلم لا يجد إقبالاً علي الأقل في الدار التي شاهدته فيها.. ففي المجال الترفيهي لا تكفي الدوافع الوطنية لجذب الجمهور. ولا يكفي إضافة عدد من الأغنيات الوطنية بأصوات معقولة لأن النجاح الجماهيري للفيلم في مصر يتطلب توليفه قوية ومثيرة تجمع بين عناصر الدراما والميلودراما والأغنيات والقيمة الانتاجية الجيدة الداعمة للعناصر المرئية مثل المناظر والمعدات العسكرية والمجاميع وصور المعارك وسائر التفاصيل التي من شأنها أن تولد تأثيراً عند المتفرج. الواضح أن القيمة الانتاجية تكشف عن فقر وتواضع جم بالإضافة إلي ضعف عنصري الأداء والإخراج.. أداء المؤلف الممثل المنتج الذي منح نفسه حق الحضور من البداية حتي نقطة النهاية والمخرج حسن السيد الذي يبدأ أولي تجاربه بفيلم حربي عن أكتوبر بغض النظر عن مقوماته هو الفنية. شخصيات فرعية سيناريو الفيلم يعتبر الأضعف بين عناصره حيث اعتمد المؤلف في أولي تجاربه علي موروثات السينما التجارية العتيقة أعني الشخصيات النمطية التي تختزل صورة الفلاحة في الريف المصري بغض النظر عن الجغرافيا والتاريخ واللهجة إلي عدة صفات شكلية. تختزل القرية نفسها في أشكال للبيوت بعيدة عن الواقع بديكوراتها التي لا تراعي الثقافة ولا الحالة المادية. وتختزل شخصيات القرية في البقال. والجامع. والمهرج صانع الضحكات وهو شخصية أزلية تتكرر بنفس الممثل وبنفس الأداء الرتيب ثم شخصية "حسنة" التي لعبتها نهي إسماعيل الفلاحة الصبية البهية "الرمز" بروموشها الصناعية الطويلة والمكياج الفاقع والأداء المتكلف واللهجة البعيدة عن لهجة قرية في جنوبالأقصر أي في الصعيد الجواني.. أنها "الرمز" الذي استخدمه المؤلف لتجسيد الانكسار والانتصار بأسلوب مباشر وعتيق. الممثلون في الفيلم انصاف موهوبين القليل منهم متمرس علي الأداء التمثيلي "ماهر عصام حمدي الوزير رامي وحيد وصبري عبدالمنعم" وجميعهم اجتهدوا بقدر ما أسعفهم السيناريو المكتوب. الممثل عمرو رمزي حاول أن يخرج من الأدوارالمتواضعة التي لا أذكر منها دوراً واحداً وأن يلعب شخصية المقاتل الشجاع في حرب أكتوبر.. انتقل من مهرج يصنع المقالب إلي مقاتل فذ يصنع المعجزات "!!" وهو في النهاية فلاح بسيط لم تعدنا مرحلة صباه كما صورها الفيلم بأي بطولةرغم الصفات التي حاول أن يضفيها "المؤلف" عليه مستعيناً بممثل ضعيف جداً لهذه المرحلة. عادل عبدالعال حمل نفسه ما لا تطيق طاقاته الفنية إن وجدت أخذته إلي طريق لم يمتلك المقومات لقطعه انتاج وتأليف وتمثيل دفعة واحدة!! كيف؟؟ الفلوس وحدها لا تكفي ولا تصنع فنا. المنظر الطبيعي الخام في هذا الفيلم تعتبر الأكثر حيوية وطزاجة سواء أكان في الصحراء الجبلية أو في ريف مصر. أو صحراء سيناء. بداية الفيلم عكست التناقض الكبير بين الأبهة والفخامة لدي الرتب العسكرية التي حملت "ملف" سيد زكريا إلي قريته في جنوبالأقصر وبعده مشهد الحفاوة المتواضع عند الأسرة الريفية. ولكن أضعف مشاهد الفيلم وأكثرها فقراً انتاجياً تلك التي صورت نكسة حرب 1967وانسحاب الجنود والشكل "المهلهل" والمفضوح لمدي القصور.. ليس قصور المؤسسة العسكرية والجيش الذي لم يأخذ فرصته لخوض الحرب وإنما قصور الانتاج والتفاصيل غير الدقيقة التي تحتاج تعليقاً من خبراء عسكريين فالمؤكد أن هناك أخطاء في شكل ونوع السلاح. والملابس وأسلوب التفاعل بين الرتب المختلفة داخل المؤسسة العسكرية. تفاصيل محسوبة "فيلم الحرب" يعتمد علي تفاصيل دقيقة ومحسوبة خصوصاً لو كانت الحرب حديثة وذاكرة الذين شاركوا فيها مازالت سليمة لمن تبقوا علي قيد الحياة. وتظل نهاية الفيلم أسوأ ما في هذا العمل.. مشاهد قليلة معبأة بطاقة سلبية محبطة. حيث يظهر"حسن" الذي لعب دوره مؤلف ومنتج الفيلم هزيلاً محطماً مكسور الوجدان مسكون بالمرض القاتل وإلي جواره "حسنة" بملابس سوداء ومعها ابنها الصغير امتداد الأب يظهر أمام الكاميرا محذرا "فوقوا يا ناس" فهو الذي شارك كجندي في حرب 1967 وتم تسريحه ثم شارك من جديد في حرب 1973. والآن يخاطبنا في مرحلة ما بعد الانتصار ويقول ما معناه إن الذي جري ويجري لن ترضي عنه الامهات "فالاخ سرق أخوه. والأم باعت ابنها "أي أم؟! والصديق خان "من؟" والهواء كله غبار!!". هذه شهادة جندي وطني. ذاق مرارة الهزيمة وطعم الانتصار ولم يحصل في النهاية إلا علي المرض والعوز أنه شقيق البطل الذي أذهل الأعداء وشريكه في تجربة الحرب انها النهاية التي تلغي البداية وتدحض ما تحقق وتؤكد أن بطولة سيد زكريا خليل الذي أذهل الجندي الإسرائيلي وحصل علي أعلي وسام عسكري حين تكشفت قصته وبعد أن ظل في عداد المفقودين. هذه البطولة ذهبت ادراج الرياح وكأن نفس المؤسسة في هذا التوقيت الذي يشهد العرض الأول للفيلم قد توقفت عن خوض الحرب أو كأن الحرب ضد الإرهاب الذي تخوضه حالياً لا يعتبر امتداداً لحروب الجيش المصري.. وكأن ما يقوله السيد "حسن" هو رسالة الفيلم الحقيقية!! فوقوا ياناس!!