الزمان .. قبل 38عاماً المكان .. مستشفي الدمرداش الحدث .. مجموعة من القيادات في حالة تركيز شديد يبحثون عن حل لتلك المعضلة المطروحة علي مائدة الاجتماع. فحرب أكتوبر اقتربت طبقاً لساعة الصفر المحددة سلفاً ولابد من خطة دقيقة لاخلاء عدد من المستشفيات المدنية لمساعدة المستشفيات العسكرية في استقبال المصابين عند اندلاع المعركة .. المهم كيف يتم ذلك دون ملاحظة العدو الذي يحلل أي شيء وكل شيء عن مصر والمصريين في تلك المرحلة شديدة السخونة والتوتر بين البلدين. الجميع يدققون في التفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة .. وجاء الحل العبقري من أحد المجتمعين أن الأمر سيتم تحت أعين العدو دون ملاحظة شيء غير عادي من خلال عمل فضيحة صحية بالمستشفيات المطلوب اخلائها بنشر شائعة انتشار ميكروب التيتانوس بمستشفي الدمرداش وانتقاله إلي مستشفيات أخري ثم بث الخبر بواسطة الاعلام .. ووصلت الرسالة إلي العدو بعلم الوصول علي طريقة البريد. العدو قرأ عن الفضيحة في صحفنا دون أن يفهم السبب الحقيقي. فالمستشفيات تم إغلاقها بسبب اهمال المصريين .. هكذا نجح اعلامنا في توصيل الرسالة علي النحو الذي نريد .. وهكذا بلعوا الطعم. ما حدث في تلك الأيام من حملات صحفية ضد وزارة الصحة وكانت جزءاً مهماً من خطة الخداع الاستراتيجي لم تكن الدور الوحيد للإعلام في حرب أكتوبر فقد ساهمت وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بشكل فعال في تهيئة الرأي العام للحرب وحذف عبارة "الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر" من القاموس وتعبئة الشعب للمعركة واعادة الثقة في قواتنا المسلحة. إعلامنا لم يقم بهذا الدور بتكليف من أحد. فموعد الحرب كان سرياً حتي علي بعض القادة لكن بوازع من الضمير الوطني .. ما أحوجنا ونحن نحتفل بذكري الانتصار إلي استعادة هذا الشعور الوطني لاعلامنا وانهاء حالة الانقسام التي سيطرت عليه وحولته إلي فريقين .. إما هزيل لا يجيد غير صناعة الفرعون والتهليل والتمجيد للحاكم .. أو متهور لا يستطيع العمل إلا في اجواء من الاثارة وتأجيج الصراعات حتي لو كان ذلك علي حساب أمننا القومي واستقرار بلادنا. ما أحوجنا الآن إلي استعادة روح أكتوبر التي قادتنا إلي أعظم انتصار في تاريخنا الحديث لنصنع اعلاما يلائم ما تشهده البلاد من تحولات ويقودنا إلي عبور جديد نحو مناخ ديمقراطي يقبل التعددية والرأي الآخر ويستجيب للحقوق والمطالب دون مسيرات أو مظاهرات أو مليونيات.