قبل عامين ونصف العام وتحديدا في 18 أغسطس 2014 قال الشيخ قرشي سلامة نقيب الأئمة والدعاة بمحافظة قنا. إن المحافظة بها 21 مسجدا علي سبيل المثال لا الحصر تعاني الإهمال لعدم وجود أئمة بها وكذلك عدم وجود برامج دعوية لنشر الإسلام الوسطي بداخلها فكانت النتيجة أن بعض "الصبية" من مرتادي تلك المساجد يفرحون بأعمال تنظيم "داعش" الإرهابي مما أدي لاعتناق هؤلاء الشباب لفكر داعش المتطرف والإرهابي .. وبدلا من أن يتم الالتفات لتصريح نقيب الأئمة والبحث عن معالجة سريعة لهذ الأمر الخطير وجهت الاتهامات للشيخ قرشي بأنه محب للظهور الإعلامي وكلامه مجرد شو إعلامي بينما اتهمه البعض بالجنون واستحل آخرون دمه وما كانت من وزارة الأوقاف إلا أن قررت إحالته للتحقيق ومجازاته إداريا عن تصريحاته بل وتم منعه من الظهور إعلاميا حتي وقتنا هذا. ربما كان تصريح نقيب الأئمة بمحافظة قنا بمثابة جرس انذار للجهات المعنية في الدولة. ولكن لم يلتفت إليه إلا الراحل عبدالرحمن الأبنودي الذي كتب وقتها قائلا: "انتبهوا لصرخة الشيخ قرشي يا سدنة المعبد" بينما كانت اتهامات الآخرين له بالجنون تطارده أينما ذهب .. ودارت عجلة الأيام ليعود إلي أذهان الجميع ما قاله نقيب الأئمة وليعلم الجميع أن ما ذكره حول انتشار الفكر المتطرف لتنظيم "داعش" لم يكن ضربا من خيال أو أضغاث أحلام. بل ناقوس خطر انفجر في وجه الجميع بعد وقوع تفجيرات كنيستي طنطا والإسكندرية خلال الأيام الماضية. إلي أن توصلت أجهزة الأمن إلي أن مرتكبي الواقعتين خلية إرهابية تضم 15 من أبناء محافظة قنا. ليس هذا فحسب بل إن مديرية أوقاف قنا بدأت منذ فترة في تنقية مكتبات المساجد بكافة مدن وقري ونجوع المحافظة لتكتشف وجود ما يقرب من 194 كتابا ومؤلفا تدعو لاعتناق الأفكار المتطرفة وأغلبها لسيد قطب وحسن البنا ويوسف القرضاوي وغيرهم من مؤلفي جماعات الإخوان والجماعات الإسلامية المتطرفة. "المساء" من جانبها تدق ناقوس الخطر وتحذر من وجود كتاتيب لا تخضع لوزارة الأوقاف ولا وزارة التضامن الاجتماعي مازالت تعمل دون غطاء قانوني أو شرعي بل ويسيطر عليها أشخاص تطفلوا علي الفُتيا وهم بها أجهل الناس. فكيف عشش التطرف داخل كتاتيب قنا ؟ وكيف وصلت كتب التطرف إلي مساجد المحافظة؟ "المساء" اتصلت بالشيخ قرشي سلامة نقيب الأئمة والدعاة بمحافظة قنا. ليقدم لنا قراءته للأحداث بعدما وقع ما حذر منه قبل عامين ونصف العام حول انتشار الأفكار المتطرفة إلا أنه رفض الإدلاء بأي تصريحات لصدور قرار سابق من وزارة الأوقاف بمنعه من الإدلاء بأي تصريحات عقب كشفه آنذاك عن عدد المساجد التي يسيطر عليها معتنقو الأفكار المتطرفة. من جانبه قال الشيخ محمد أحمد الطراوي وكيل وزارة الأوقاف بقنا. إن مديرية أوقاف قنا تقوم منذ فترة بتنقية مكتبات المساجد من أي مؤلفات تدعو للعنف أو التطرف. وهي في الأساس كتب تم تقديمها لمكتبات المساجد منذ فترات طويلة كتبرعات ونعكف علي مراجعتها والتحفظ علي كل ما يخالف وسطية الإسلام والفكر المعتدل. وتحفظنا مؤخرا علي 124 كتاباً ومؤلفاً تدعو للتشدد وتبث أفكارا للفتن إلي جانب 70 كتابا في الفترة السابقة بإجمالي 194 كتابا أبرزها لسيد قطب وحسن البنا ويوسف القرضاوي ومنها كتاب تحفة الإخوان وكتاب ابن القرية وكتاب عقيدة التوحيد واعتقاد أهل السنة للكاتب محمد عبدالله وكتاب التوحيد وجماعة أنصار السنة ومن الروائع للكاتب أحمد نسيم وكتاب الأمر بالمعروف لياسر برهامي وفي هلال القرآن لسيد قطب وفقه الواقع لحسن البنا وكتاب الصخرة الأمية وكتاب الانفتاح علي الغرب ليوسف القرضاوي وأفحكم الجاهلية يبغون للشيخ محمد حسان. وتم التحفظ علي جميع الكتب والمؤلفات بمخازن مديرية الأوقاف. ومستمرون في فحص كافة المكتبات بالمدن والقري والنجوع لاستبعاد أي مؤلف يحمل أفكارا مخالفة لوسطية الإسلام. ولفت إلي أن الكتاتيب التابعة لوزارة الأوقاف تخضع للرقابة التامة وهناك متابعة مستمرة لها حيث يقوم رئيس قسم شئون القرآن بالمرور عليها بشكل دوري وفي حالة وجود أي مخالفة يتم اتخاذ الإجراءات القانونية علي الفور. ولكن هناك كتاتيب لا تتبع وزارة الأوقاف ولا تتبع الأزهر أو أي جهة ويقوم عليها بعض الأشخاص داخل منازلهم ولا نعلم عنها شيئا ولسنا مسئولين عنها ومع ذلك في حالة تلقينا أي بلاغ بشأنها نقوم بإخطار الجهات المعنية لاتخاذ اللازم حيالها. ونفي وكيل وزارة الأوقاف ما تناولته بعض وسائل الإعلام حول قيام الانتحاري منفذ الهجوم الإرهابي علي كنيسة طنطا بالسيطرة علي زاوية نجع الحجيري بمركز قفط. لأن القرية في الأساس لا توجد بها زاوية بل بها مسجد تابع لوزارة الاوقاف وله إمام إضافة إلي أن الانتحاري لم يكن مقيماً داخل القرية. ونفي أيضا وجود أي سيطرة لأي عنصر من العناصر الموالية للجماعات المتطرفة علي أي مسجد أو زاوية بالمحافظة ولا وجود لتنظيم " داعش " علي أرض قنا التي تنبذ العنف دائما وترفض أي أفكار متطرفة وأتحدي أن يثبت أي شخص أن هناك إمام مسجد واحد في قنا يعتنق أفكارا متطرفة. فلدينا 676 زاوية تخضع للإشراف الكامل لمفتشي المنطقة ومتابعتها بشكل أسبوعي. كما أن المساجد الأهلية قمنا بتكليف أئمة بأداء خطبة الجمعة بداخلها بعد التنسيق مع الجهات المعنية لقطع الطريق علي غير المؤهلين من اعتلاء المنابر ولن يتمكن أحد من أداء خطبة الجمعة إلا بتصريح. فضلا عن قيامنا بتنظيم 32 قافلة دعوية كل أسبوع تجوب قري ونجوع المحافظة شعارها وسطية الإسلام ولم تقف الجهود عند هذا الحد بل تم إحلال وتجديد وصيانة 153 مسجدا بالجهود الذاتية بتكلفة 68 مليون جنيه وتزويد مكتباتها بمؤلفات علماء الأزهر الشريف. لافتا إلي أن محاولة الصاق التطرف والإرهاب بمحافظة قنا هو ظُلم بين خاصة أن أعضاء الخلية التي تم الكشف عنها لا يقيمون في قنا بل في محافظات أخري ولكن الهدف تشويه صورة قنا بلد العلم والعلماء إلي جانب استغلال الحدث للهجوم علي الأزهر الشريف وعلي وزارة الأوقاف. مؤكدا أن مديرية أوقاف قنا تبرأ من كل فعل يهدم وطناً ويشرد أماً ويقتل الأبرياء من أبناء الوطن الذين يشاركون بعض في بنائه وتعميره والعيش فيه. وأن يد الغدر والإرهاب لا يمكن أن تفرق بيننا وبين أشقائنا في هذا الوطن الغالي .. فلا يفعل ذلك إلا من لا دين له ولا وطن له. ويتبع شيطاناً يلازمه. أما الدكتور حسين محمد عبدالمطلب استاذ مقارنة الأديان وعميد كلية الدراسات الإسلامية بقنا سابقا. فقال إن التطرف ليس وليد اليوم فهو موضوع قديم من السبعينيات ظهر وانتشر وقتما كنا طلاب ندرس في أسيوط. وكان لأسباب انتشاره عدة عوامل سياسية وظهور جماعات كما نقول عنها في مجتمعاتنا ليس لها أصل أو قبيلة فتجد الفرد منهم يحاول أن يعالج النقص الذي يشعر به فيتحول إلي "أمير" علي جماعة تنشر الفكر المتطرف. لافتا إلي أن فترة حكم الإخوان وإن كانت قصيرة إلا أنها كانت كافية لنشر كتبهم داخل مكتبات المساجد بالإضافة إلي ما وصل للمساجد من تبرعات وهدايا. ولاشك أن هناك بعض الأئمة لهم ميول لمطالعة مثل هذه الكتب وليس شرطا أن يكون ذلك إيمانا يما جاء في هذه الكتب ولكن من باب العلم بكيف يفكر الغير للرد عليهم. فأنا مثلا كاستاذ مقارنة الأديان أقرأ كتبا متنوعة بهدف الرد علي الشبهات التي تثار حول الإسلام ووسطيته. وقريبا نناقش رسالة دكتوراه لأحد الباحثين بعنوان "الفكر الجهادي المعاصر" والتي تكشف الشبهات والرد عليها بما يتماشي مع وسطية الإسلام وسعة أفقه وترك ما يخالف ذلك. أشار "عبدالمطلب" إلي أن الفترة الحالية تشهد هجمة شرسة علي الأزهر الشريف من الإخوان والجماعات المتطرفة في محاولة لإجهاض الأزهر الذي يعتبر شوكة في حلق الإخوان والجماعات الإسلامية. ومحاولة سحب الثقة من الأزهر هي عملية هدم للوسطية والاعتدال ولن سمح بها لأن الأزهر له رجاله وله علماؤه. فمصر هي الأزهر. والأزهر هو مصر. ويبقي من العار علي مصر لو ألغت هيئة كبار العلماء. فلم نجد علي مر العصور عالما أزهريا متطرفا لأن مؤسسة الأزهر تاريخ ومنارة فهو الذي علم الدنيا ولكن هناك أيادي خفية واجندات أجنبية خارجية تريد أن تقضي علي مصر بالقضاء علي الأزهر منارة الوسطية فإذا اختفي الأزهر انتشر العنف والتطرف وهذا هو المخطط الذي يريدون أن تصل إليه مصر. لافتا إلي أن التطرف يعود إلي عدم دراسة الدين علي أصوله. فنجد أعضاء الجماعات المتطرفة خضعوا لعمليات غسيل مخ لعدم وجود أرضية دينية لديهم إلي جانب غياب دور الأسرة إلي غير ذلك من أسباب تحتاج إلي علاج. مطالبا القيادة السياسية بالحفاظ علي الأزهر ورد كيد الكائدين. يقول الدكتور أحمد عبدالموجود أبوالحمد مدرس القانون الجنائي بكلية الحقوق بقنا. إن التطرف يرتبط بمجموعة من العوامل منها ماهو بيولوجي ونفسي مثل الحرمان الاجتماعي واضطرابات الشخصية التي تنشأ عنها الشخصية المتسلطة. ومنها ماهو اجتماعي وثقافي مثل الوضع الاقتصادي. وكذلك التغيرات السريعة التي تحدث في الثقافة نتيجة للتطور التكنولوجي السريع والذي يصاحبه تداخل القيم والمفاهيم في ظل غياب الرقابة. بالإضافة إلي الأسباب الدينية والمتعلقة بشكل أساسي بكيفية توصيل المحتوي الديني الصحيح بطريقة صحيحة. ولا شك أن هذه الظاهرة المدمرة للمجتمعات تحتاج إلي مواجهة فعالة عن طريق إحكام الرقابة علي منابر الرأي المتطرف سواء كان في دور العبادة أو الإعلام أو أي منبر آخر. وكذلك متابعة الأنماط الجديدة لجرائم التطرف والاستفادة من تجارب الدول الأخري في مواجهة الجريمة بصفة عامة مثل دولة الإمارات التي تعد أقل الدول في معدل ارتكاب الجريمة. ويجب كذلك أن تكون هناك سرعة في المحاكمة وتوقيع الجزاء. وفي ذلك أهمية بالغة لتحقيق فكرة الردع العام كهدف من أهداف العقوبة. بالإضافة إلي ضرورة زيادة مجهود الدولة لجمع الأسلحة المنتشرة لدي الأفراد. وزيادة مجهودها لتحسين الخدمات المقدمة للأفراد والمحافظة علي مبادئ العدل والمساواة. وأضاف "عبدالموجود" قائلا: إنه يجب ألا تترك مهمة تدريس المواد الدينية لغير المتخصصين. فالمشكلة ليست في المحتوي العلمي بقدر ماهي في كيفية توصيله للمتلقي؛ لذا يجب أن يكون المعلم في المدرسة ورجل الدين في دور العبادة من المتخصصين بشهادة من المؤسسات الرسمية المعنية بهذا الشأن. والأهم من ذلك كله يجب أن تهتم الوحدات الاجتماعية التي يمر بها الفرد منذ نشأته بغرس مجموعة من القيم في النفوس؛ مثل عدم تبرير الجريمة أيا كان شكلها ومهما كانت الصعوبات التي يواجهها الفرد. وضرورة احترام القانون لأنه ليس عدوا للأفراد وإنما وضع لحمايتهم. وتنمية الشعور بالانتماء للوطن وليس إلي جماعة أو حزب بعينه. وكذلك احترام مبدأ المواطنة. أما الدكتور محمد أبوالفضل بدران. الأمين العام السابق للمجلس الأعلي للثقافة ونائب رئيس جامعة جنوب الوادي لشئون التعليم والطلاب. فقال: يجب أن نعترف بوجود التطرف والتشدد. وأن تتضافر جهود الجامعات في جنوب مصر والتي تصل إلي 7 جامعات لمحاربة هذه الأفكار من خلال منهج علمي يجمع بين اساتذة الفكر وعلم النفس والأديان وعلم الإجتماع. وأن نحاول أن نعرف جذور هذه الأفكار وكيف وفدت إلينا. وأنه لابد من عودة القبيلة. لأن القبيلة تفتت. وفي تفتت هذه القبيلة وجدنا خلعاء أو صعاليك هذه القبيلة أو تلك يتحولون إلي متمردين ضد النظام القبلي ولكنهم لن يقدموا شيئا جديدا وإنما قدموا التخريب والدمار. كما أنه لابد من إقامة مصانع تجمع هذه الشباب وتحاول أن توظف هؤلاء في مهن تتفق مع البيئة ومع الخامات الموجودة. وربما كان المثلث الذهبي فرصة كبيرة لجمع هذا التراث وهذه الثروة الموجودة والتي من الممكن أن تحول الصعيد إلي بؤرة اقتصادية وسياحية عالمية. أوضح أنه لا ينبغي أن ينظر مثلا لأعضاء الخلية الإرهابية المتورطة في تفجيرات الكنائس الأخيرة. علي أنهم يمثلون قبيلة معينة او محافظة معينة. لأن الخطر موجود في جميع المحافظات وفي جميع القبائل. ومن هنا ينبغي أن تتضافر الجهود بين جميع الوزارات والجامعات لمعالجة ودرء هذا الخطر الذي وصل إلي مدننا وقرانا ونجوعنا. مشيرا إلي أن الكتب التي يتم التحفظ عليها بساجد قنا والتي تدعو لأفكار متشددة وصلت إلي المساجد كهدايا ودخلت تحت مرأي الجميع ولم يقم أحد بتنقية هذه الكتب أو بمراجعة أفكارها. كما أن بعض شبابنا الذي كان يعمل في دول خارج مصر تأثر بهذه الأفكار وعاد ولم يجد من ينافسه ولم يجد من يوضح له السبيل الصحيح بل تحول هذا إلي مفتي في داخل قريته أو في داخل المحيط السكني له مما جعله يتحول إلي أمير يجمع الحواريين من حوله ويؤثر عليهم بالتأكيد وهذا هو الخطر الأكبر. وأظن أن جميع الوزارات الآن معنية بهذا الأمر وعلي الجميع أن يصل إلي الشباب وأن يحاورهم ويستمع إليهم لأنهم في حاجة إلي هذا وذاك. معلنا أنه بحث مع الدكتور عباس منصور رئيس جامعة جنوب الوادي إطلاق الجامعة لمبادرة تسعي لمواجهة الأفكار المتطرفة في المجتمع خاصة وأن الجامعة يدرس بها أكثر من 43 ألف طالب وطالبة. وتم الاتفاق علي وضع مخطط لهذا البرنامج الذي يهدف إلي خدمة الجامعة والمجتمع.