منذ أيام.. تحديداً يوم 12 مارس تمر الذكري السبعين علي وفاة الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت.. لم أنتبه للتاريخ ولا للمناسبة. ولكن بالصدفة وبينما أتجول بين القنوات لفت نظري شريط تسجيلي عن أسرة روزفلت الرئيس الثاني والثلاثين للولايات المتحدة وابن عم تيودور روزفلت وكان الرئيس السادس والعشرين لأمريكا حكم قبله لسنوات. الفيلم بالتقييم الفني والموضوعي يعتبر نموذجاً للعمل التاريخي الوثائقي المعلم والممتع والمثقف ويلقي الضوء علي الدور الذي ينبغي أن يلعبه هدا الوسيط "الفيلم التسجيلي" أو أحد أدواره كعمل تنويري. منتج الفيلم ومخرجه كن بيرنز "مواليد 29 يوليه 1953م". مخرج تسجيلي أمريكي مشهور بأسلوبه المميز والفريد في معالجة الشرائط الوثائقية التي يصنع منها أعماله إنه صانع فيلم نشيط ومهم في هذا المجال وله قائمة أعمال مشهودة تسجيلية عن "الحرب الأهلية" "1990م" و"كرة البيسبول" "1994م" و"الحدائق القومية الهامة" كأحسن فكرة أمريكية. وفيلم "روزفلت.. تاريخ حميم" "The Roosevelt" الذي انتجه وأخرجه عام 2014م وعرضته إحدي القنوات منذ أيام في ذكري وفاته.. وقد رشحت بعض هذه الأعمال التي أخرجها لجائزة الأوسكار وبعضها فاز بجائزة إيمي "Emmy". التاريخ المرئي المدعوم بالوثائق وبالأفلام أو أجزاء منها تلك التي تم تسجيلها مباشرة أثناء وقوع الحدث ثم التعليق عليها من قبل شخصيات مهمة وتاريخية كرؤساء أمريكا ومنهم بيل كلينتون ويتودور روزفلت- الرئيس السادس والعشرين- وآخرين يعتبر من أقوي الوسائل لفهم الحاضر والوعي بالدور المتعاظم لهذه الدولة الكبري الحاكمة للعالم. والتأثير النافذ للشخصيات التي ارتبطت برؤساء أمريكا وشخصية الرئيس نفسه وزوجته المدهشة اليناور فرانكلين السيدة الأولي التي يختزن الأرشيف السينمائي لها أفلاماً عديدة باعتبارها "السيدة الأولي علي العالم" أو سيدة العالم الأولي نظراً للنشاط السياسي والاجتماعي والشراكة العلمية القوية مع زوجها "روزفلت". والفيلم "روزفلت.. تاريخ حميم" يبدأ بميلاد تيودور ابن عم بعيد لروزفلت عام 1858 وينتهي بوفاة إليانورابنة شقيقه التي تزوجها روزفلت عام 1962. ويتضمن الفيلم الظروف والتحديات التي واجهت حياة أسرة روزفلت في بداية حياتهم كرؤساء لأمريكا وكثالوث "تيودور. واليناور وفرانكين" تحولت الولاياتالمتحدة بفضل تأثيرهم الي دولة ديمقراطية حديثة توفر فرصاً متساوية لمواطنيها. فقد حارب الرئيس تيودور فرانكلين جشع المؤسسات الرأسمالية الكبيرة وشيد قناة بنما وساعد في الحفاظ علي المساحات الطبيعية واتسمت فترته بنشاط اجتماعي واصلاحات سياسية واسعة وذلك في الفترة من 1890 وحتي 1920. وواجه المشكلات الناجمعة عن التصنيع والهجرة والفساد. ويتتبع الفيلم تاريخ فرانكلين روزفلت السياسي واصابته بمرض شلل الأطفال الذي كاد يطمس هذا التاريخ لولا الادارة الحديدية والتحدي الهائل الذي واجهته زوجته اليناور وساعدته لتجاوز هذه المحنة والتعايش معها. وبعد فوزه كرئيس للولايات المتحدة وهو بالمناسبة الرئيس الأمريكي الوحيد الذي تولي رئاسة الولاياتالمتحدة أربع دورات من 4 مارس 1933 وحتي 12 أبريل 1945 وهي الفترة التي واجه أثناءها محنة الأزمة الاقتصادية الكبري وما رافقها من كساد مادي ومعنوي عظيم وتعامل مع صعود هتلر في المانيا ثم بعد الهجوم الياباني علي بيرل هابور قرر دخول أمريكا الحرب العالمية الثانية. وساهمت زوجته اليانور التي أصبحت قوة سياسية مؤثرة في تأكيد المنظور الليبرالي للسياسة الأمريكية وفي التخفيف بنفسها عن جرحي الحرب في الباسفيك. وبعد فوزه بالولاية الرابعة كان يخطط للسلام ولكنه أصيب بنزيف في المخ ومات وهو داخل مكتبه في 12 أبريل 1945.. وبعد وفاته واصلت زوجته اليانور نشاطها في مجال الحقوق والحريات المدنية ودعم الأممالمتحدة حتي ماتت عام 1962 ونعتها الأمة باعتبارها "سيدة العالم الأولي". الفيلم مفعم بالمعلومات والصور وبأصوات عدد من الممثلين الي جانب صوت الراوي الرئيس بيتركويت ويشارك في الفيلم العديد من الشخصيات التاريخية والمؤرخين وكتاب السيرة الذاتية. لعبت دور "اليانور" الممثلة ميريل ستريب "بصوتها" وأدي شخصية تيودور روزفلت بصوته بول جيامتي الممثل الأمريكي وأدي دور روزفلت فرانكلين الممثل ادوارد هيرمان. والفيلم يعد جزءاً من ضمن سلسلة "14 ساعة" تتضمن سبعة أجزاء تتناول تاريخ أقوي ثلاثة أفراد في عائلة فرانكلين ذات النفوذ المؤثر في تاريخ الولاياتالمتحدة. ومن خلالهم يستطيع المتفرج ان يتبين أهمية تاريخ الأفراد في تاريخ أمريكا ودور الحكومات المتعاقبة وتأثير ذلك ليس فقط علي الداخل وانما علي العالم الأوسع. فما أحوجنا فعلاً الي مشاهدة مثل هذا التاريخ المصور والمدعوم بالوثائق والذي يتم تناوله بأسلوب شيق لا يتسلل إليه الملل.