تحفل الرواية بميزات كثيرة مهمة. من بينها ذلك البناء الرشيق الذي أتاح القفز من هنا إلي هناك دون أن يؤدي ذلك إلي تشتيت القارئ أو إيقاعه في الحيرة. بل إن قفزاتها تأتي مثل آلة تنبيه توقظ وعيه وتجعله متشبثاً أكثر بالقراءة وتأمل التفاصيل الصغيرة التي تكمن فيما بين السطور. ¢حافة الكوثر¢ تنطلق من ذلك المكان ¢ مصحة الكوثر النفسية¢ الذي دخله البطل للعلاج من حالة اكتئاب ألمت به. والحياة في مصحة نفسية تتيح التعرف علي أشتات من الناس ومشاهدة ومعايشة الكثير من الحكايا والتفاصيل التي تغري بالكتابة. لكن الكاتب لم يقع في هذا الشرك. ورغم أنه يكتب مايمكن اعتباره أدب اعتراف فقدانتقي فقط مايدعم رؤيته وعمله الفني. وأظنه كتب كثيرا ثم قام بعملية الانتقاء هذه ليبقي فقط علي كل ماهو جوهري. وهي عملية شاقة تتطلب مزيداً من المهارة. وسواء صح ظني أو لم يصح فإن المؤكد أن الشاعرهنا خدم الروائي ووضع يده علي مايجب الإمساك به والقبض عليه. بطل الرواية مصاب بالإكتئاب ويدخل المصحة النفسية ثلاث مرات للعلاج. والرواية أشبه بسيرة ذاتية. كما أن المكان نفسه يبدو كما لوكان يختزل حياتنا كلها. ولأن حياتنا مهددة أصلاً فالمكان هو الآخر مهدد بالفناء. عبر الرسائل التي يتبادلها البطل مع صديق له يعيش هو الآخر في منفي خارج بلاده. ندخل إلي عالم الرواية وعالم بطلها. الذات المأزومة التي تتخذ من المكان تكئة للانطلاق خارجه والتعبير عن موقفها من العالم عموماً. فالأحداث ليست مقصورة علي ¢ حكايا الكوثر¢ لكن البطل الذي ينتقل من حكاية إلي أخري ومن موقف إلي آخر يضعنا أمام تفاصيل كثيرة ومتشعبة لكنها جميعاً مربوطة بخيط واحد سواء الشخصي منها أو العام. ليكتشف كل منا أنه واحد من أهل¢ الكوثر¢. يسرد البطل كثيراً من التفاصيل وينتقل. ببراعة شديدة من مكان إلي آخر ومن زمان إلي آخر. ومن حكاية إلي أخري. وهو في كل ذلك ماهر في القبض علي تجربته وإقامة بناء متماسك من كل ذلك الركام ملتزماً أقصي درجات الصدق في بوحه. كتب عما عرف وخبر. ورصد تلك الجروحات التي تركت علاماتها فوق روحه. فكان شفافاً وشفيفاً ماأدي إلي اندماجنا معه وكأننا نقرأ حكايانا نحن ونتلمس جروحنا نحن. أدرك الكاتب أن الحياة ليست في حاجة إلي اختراعات جديدة. وأن لكل منا منجمه الخاص أو كنزه الخاص الذي إذا لجأ إليه فلن يخزله وسيتيح له عالماً يخصه وحده ويدل عليه. لم ينشغل علي عطا. رغم كونه شاعراً. بالعمل علي تجميل اللغة أو شحنها بطاقة شعرية تقليدية. بل كتب بلغة أراها بسيطة وعادية. لكن فكرة الصدق وعدم التعويل علي الألاعيب اللغوية التي يقع الشاعر تحت إغرائها. أدت إلي شعرية خاصة وسيلتها الوحيدة ومصدر شحنها هي البوح الصادق. هو بوح مؤلم لكنه. في الوقت نفسه. مبهج وباعث علي محبة العمل والمضي في قراءته دفقة واحدة دون توقف. فمثل هذه الحالة التي يكتب فيها علي عطا عن الانكسارات والأحلام المؤودة والمجهضة. عامة وخاصة. إذا لم يتوفر عليها كاتب موهوب وعلي درجة كبيرة من الوعي. تصيب القارئ بالإحباط وربما النفور من العمل. لكن براعة الكاتب هنا أدت إلي نوع من الفرح أو البهجة. أنت تبتهج بالقراءة عن حياة لاتحمل أي قدر من البهجة. وحده الصدق ونزع الأغطية عن الجروح والتحديق فيها هو مايبعث علي محبة العمل وقراءته أكثر من مرة. فنحن لسنا أمام حكاية أو سرد تقليدي ننتهي منه ونشعر بالاطمئنان. بل نحن أمام جملة من الأسئلة العالقة التي تركها لنا الكاتب. كما ترك لنا فراغات كثيرة علينا أن نملأها بمعرفتنا لنشاركه في كتابة الرواية كما شاركنا هو في التعبير عن ألمنا وانكسارنا.