إن لم يكن من باب الحياء الوطني فقد كان واجبا من باب المواءمة السياسية والذكاء الاجتماعي ألا يقدم رئيس الحكومة علي طلب زيادة راتبه وراتب الوزراء ونواب الوزراء في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد حاليا. ليس معقولا أن يقال للناس ليل نهار إننا فقراء جدا جدا.. ويطلب منهم أن يتقشفوا ويشدوا الحزام ويصبروا علي ما هم فيه.. وترفض الحكومة زيادة مرتبات الموظفين الغلابة والمعاشات.. وتصر علي أن تكون العلاوة 7% بدلا من 10%.. ثم بعد ذلك تطلب من مجلس النواب أن يرفع مرتبات رئيس الوزراء والوزراء ومعاشاتهم. وليس معقولا أن يتم تخفيض الدعم تدريجيا عن محدودي الدخل.. وتستدين الدولة من الشرق والغرب بشروط صعبة تثقل كاهل الأجيال القادمة.. وتفرض ضرائب القيمة المضافة علي من لا يملكون قوت يومهم.. وتصر علي تعويم الجنيه وهي تعلم أنها بذلك تشعل الأسعار في الأسواق دون اهتمام بمصير الذين يجأرون بالشكوي من فواتير الغاز والكهرباء والمياه.. بدعوي أن ميزانية الدولة عاجزة.. وليس فيها ما ينفق علي هؤلاء المحتاجين.. ثم بعد ذلك نفاجأ بأن السيد رئيس الحكومة يطلب زيادة راتبه هو ووزرائه ونواب وزراؤه ومعاشاتهم. أي استفزاز هذا الذي تمارسه الحكومة جهارا نهارا دون وازع من الحياء الوطني.. وهي التي لم تقدم مبررا واحدا لكي تحصل علي ما تريده من زيادات.. فقد فشلت في علاج أزمة انفلات الأسعار.. أو حل أزمات نقص السلع خاصة السكر والزيت.. ناهيك عن الأزمات التي فجرتها هي والفتن التي اشعلتها.. وآخرها أزمة جزيرتي تيران وصنافير. لماذا يكافئكم الشعب ياسيادة رئيس الوزراء بزيادة رواتبكم؟! أي مبرر هذا الذي يجعل المواطن يرفع اللقمة من فمه ويقدمها لكم؟!.. هل أصلحتم التعليم وانجزتم المشروع الحضاري للتأمين الصحي واستأصلتم الفساد وجعلتم حياة الناس أفضل مما كانت عليه؟!.. هل انصفتم اصحاب المعاشات الذين افنوا حياتهم وشبابهم في خدمة الوطن والمواطن فحفظتم لهم كرامتهم ومنحتوهم ما يكفل احتياجاتهم الأساسية؟ لو أنجزت الحكومة بندا واحدا في اتجاه العدالة الاجتماعية وقالت نحن نسير علي الطريق فلربما كان ذلك مسوغا لها أن تطلب مكافأة.. لكنها لم تفعل.. وتركت الشعب يواجه الأزمات المترتبة علي إجراءات الاصلاح الاقتصادي القاسية.. وتزداد معاناته كل يوم عن اليوم السابق.. فهل تحمل رئيس الوزراء والوزراء شيئا من هذه المعاناة؟!.. هل قدموا أية تضحية أو أي تنازل يتناسب مع تضحيات الشعب الذي يعيش بعضه في الشوارع في ليالي الشتاء القارسة.. وينهشه المرض والطبيب والدواء الذي لم يعد موجودا.. وإذا وجد فأسعاره لا تحتمل. الواضح أن الحكومة أرادت أن تقتسم الكعكة مع مجلس النواب.. وتحصل علي بعض الامتيارات السريعة كما حصل.. فقد تجرأ هذا المجلس بعد تشكيله وأسرع بإقرار زيادة البدلات والمكافآت والمخصصات لاعضائه.. ليس هذا فقط.. وإنما أقر اعفاء هذه الامتيازات من الضرائب المفروضة علي كل ابناء الشعب المصري في إجراء تمييزي سيظل يمثل اعتداء سافرا علي الدستور من جانب الذين اقسموا علي احترام الدستور. ولم يقتصر الأمر علي هذه الزيادات.. ففي كل يوم تتكشف عجائب جديدة.. ومنذ أيام دار جدل واسع حول شراء 3 سيارات مصفحة لمجلس النواب لزوم استخدام رئيس المجلس والوكيلين رغم أن هناك اسطولا من السيارات الفارهة تحت امرة هؤلاء السادة العظام.. وقد قيل إن سعر السيارات الثلاثة يبلغ 18 مليون جنيه وفق الأسعار القديمة للدولار.. أما بالأسعار الحالية فيصل سعر السيارات الثلاثة إلي 39 مليون جنيه.. وبالطبع هذه الأموال لا تأتي من الفضاء الخارجي أو من هبات المعجبين وإنما تأتي من عرق الواقفين بالساعات أمام طوابير السكر والزيت.. ومن اولئك الطيبين الذين يتبرعون كل يوم لمصر بجنيه. هل يدرك السادة العظام في مجلس الوزراء ومجلس النواب ما يفعلون بمصر وبالمصريين؟!.. هل يعلمون أن الناس تتساءل في كل لحظة عن أسباب هذا الاسراف الذي يبدو هنا والتقتير الذي يبدو هناك؟! ياسادة.. إذا لم يكن هناك شيء من الخوف.. فلا أقل من أن يكون هناك شيء من الحياء الوطني.. من أجل المواءمة السياسية.