الانشقاق الذي تعرض له حزب المصريين الأحرار منذ أيام. ومازال مستمراً. هو نسخة كربونية مما تعرضت له أغلبية الأحزاب المصرية. كبيرها وصغيرها. منذ بدء التجربة الحزبية في مصر. ومن المؤسف أن عام 2017 الذي يشهد الآن هذا الانشقاق. هو العام الأربعون علي بداية هذه التجربة عام 1977. وأن حزب المصريين الأحرار. هو صاحب أكبر كتلة حزبية في البرلمان حيث يملك 65 مقعداً. والأربعون. بمقياس الأعوام. هي سن اكتمال النضج. وبمقياس الأيام هي موعد التأبين للموتي.. ومن المؤسف ايضا أن التجربة الحزبية المصرية تقف الآن في مفترق الطرق بين المقياسين. ولم يسبق أن انشق حزب أو انقسم وأفلح بعد ذلك. الانشقاق كان دائماً بداية السقوط للأصل والفرع جميعاً. وقد اختفي مثلاً حزب الأحرار. أحد الأحزاب الثلاثة التي بدأت بها التجربة الحزبية المصرية في عهد الرئيس السادات. مع الوفد والتجمع الاشتراكي. وذلك بعد وفاة مؤسسه مصطفي كامل مراد وانقسامه إلي ما يقرب من عشرة أحزاب لا وجود حقيقياً لها في أي ساحة. واختفي حزب الجبهة الديمقراطية. وتوزع أعضاؤه بين أحزاب أخري. رغم أنه من الكيانات السياسية الحديثة. فقد أنشئ عام 2007. ورغم وجود مؤسسه الدكتور أسامة الغزالي حرب واستمرار دوره علي الساحة. ورغم ما كان ينتظر الحزب من صعود بعد 25 يناير 2011 باعتباره أحد الذين ساهموا فيها. الانشقاقات الحزبية. إذن. لم تترك حزباً قديماً أو جديداً إلا وضربته. وبنفس الصورة والأسلوب. وسواء في غياب مؤسسيها أو في وجودهم. وفي كل الأحوال فإن أصابع الاتهام تتجه إلي الدولة. وإلي أجهزة الأمن بالتحديد. بأنها وراء هذه الانشقاقات لإضعاف التجربة الحزبية. وللقضاء علي المعارضة. ولأن الدولة تريد ديكور الديمقراطية لا الديمقراطية نفسها.. إلي آخر هذه الاتهامات. ولا أظن أن ذلك صحيح علي إطلاقه. ومن يردد ذلك. سواء من الأحزاب أو من خارجها يقر. ربما دون أن يدري بأن كل الأحزاب سواء. وأنها أحزاب هشة. وأنها أحزاب مصالح لا مبادئ وأن أعضاءها قابلون للبيع والشراء. وأنها تحمل في بنيانها جينات تفككها وانهيارها. ذلك لأن الدولة وأجهزة الأمن لو كانت تسعي إلي إضعاف الأحزاب كما يقال. لكان الأمر اختلف من حزب إلي آخر. فهي قد تجد استجابة من داخل حزب. ومقاومة من حزب آخر. وتصدياً ورفضاً من حزب ثالث. لا أن ينجح مخططها مع جميع الأحزاب بنفس الدرجة وبذات الأسلوب. إن المشكلة أن معظم أحزابنا التي فاق عددها المائة. بلا جذور تاريخية أو جغرافية. وبلا عقيدة فكرية. بل بلا وجود حقيقي علي الأرض وفي الشارع السياسي المصري. وبلا كوادر أو انجازات. وهي المقومات التي بدون توافرها يصبح أي حزب في مهب الريح. إننا لم نشهد مثلاً. علي امتداد تكرار عمليات انشقاق وتفكك الأحزاب. أن الجماهير خرجت إلي الشارع في أي حالة من هذه الحالات تؤيد الانشقاق أو تعارضه. أو تعارض تدخل الدولة وأجهزة الأمن في الشأن الداخلي للأحزاب أن أحست الجماهير بأن الدولة وراء هذه الانشقاقات. إن علينا أن ندرس بعمق تجربتنا الحزبية. وأن نري بشفافية تشوهاتها البالغة. وأن نبحث في كيفية علاجها. خدمة للأحزاب وللدولة والنظام السياسي الذي لا يمكن أن يقف أو يسير بساق واحدة.