الشهابي ورئيس جهاز تنمية المشروعات يفتتحان معرض «صنع في دمياط» بالقاهرة    رويترز عن الخارجية النيجيرية: نؤكد استمرار التعاون الأمني مع الولايات المتحدة    انفجار قنبلة يدوية يهز مدينة الشيخ مسكين جنوب غربي سوريا    بدأت بغية حمام، حريق هائل بعزبة بخيت بالقرب من قسم منشية ناصر (فيديو)    ريهام عبدالغفور تشعل محركات البحث.. جدل واسع حول انتهاك الخصوصية ومطالبات بحماية الفنانين قانونيًا    الفريق أحمد خالد: الإسكندرية نموذج أصيل للتعايش الوطني عبر التاريخ    اختتام الدورة 155 للأمن السيبراني لمعلمي قنا وتكريم 134 معلماً    استمتعوا ده آخر عيد ميلاد لكم، ترامب يهدد الديمقراطيين المرتبطين بقضية إبستين بنشر أسمائهم    مصدر سوري يرجح توقيع اتفاق أمني سوري إسرائيلي قريبا    زيلينسكي يبحث هاتفياً مع المبعوثَيْن الأميركيين خطة السلام مع روسيا    الاحتلال يصدر أوامر إخلاء لإزالة منازل الفلسطينيين فى حى التفاح بغزة    18 إنذارا للمصريين فى 10 مباريات رصيد حكم مباراة الفراعنة وجنوب أفريقيا    وزير العمل: الاستراتيجية الوطنية للتشغيل ستوفر ملايين فرص العمل بشكل سهل وبسيط    سكرتير محافظة القاهرة: تطبيق مبادرة مركبات «كيوت» مطلع الأسبوع المقبل    أمن الجزائر يحبط تهريب شحنات مخدرات كبيرة عبر ميناء بجاية    بالأسماء، إصابة 7 أشخاص في حادثي انقلاب سيارة وتصادم موتوسيكل بآخر في الدقهلية    ارتفاع حجم تداول الكهرباء الخضراء في الصين خلال العام الحالي    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    «الثقافة الصحية بالمنوفية» تكثّف أنشطتها خلال الأيام العالمية    الأب بطرس دانيال: اختلاف الأديان مصدر غنى إنساني وليس سببًا للصراع    حريق هائل في عزبة بخيت بمنشية ناصر بالقاهرة| صور    هشام يكن: مواجهة جنوب أفريقيا صعبة.. وصلاح قادر على صنع الفارق    منة فضالي للإعلامية يارا أحمد: لو حجيت هتحجب وساعتها هسيب الشغلانة    كأس مصر - بتواجد تقنية الفيديو.. دسوقي حكم مباراة الجيش ضد كهرباء الإسماعيلية    «اللي من القلب بيروح للقلب».. مريم الباجوري تكشف كواليس مسلسل «ميدتيرم»    محمد فؤاد ومصطفى حجاج يتألقان في حفل جماهيري كبير لمجموعة طلعت مصطفى في «سيليا» بالعاصمة الإدارية    أردوغان للبرهان: تركيا ترغب في تحقيق الاستقرار والحفاظ على وحدة أراضي السودان    أمم إفريقيا - تعيين عاشور وعزب ضمن حكام الجولة الثانية من المجموعات    الأقصر تستضيف مؤتمرًا علميًا يناقش أحدث علاجات السمنة وإرشادات علاج السكر والغدد الصماء    رئيس كوريا الشمالية يؤكد أهمية قطاع إنتاج الصواريخ في تعزيز الردع العسكري    متابعة مشروع تطوير شارع الإخلاص بحي الطالبية    ناقد رياضي: تمرد بين لاعبي الزمالك ورفض خوض مباراة بلدية المحلة    محافظة الإسماعيلية تحتفل بالذكرى الخمسين لرحيل كوكب الشرق بحفل "كلثوميات".. صور    نجم الأهلي السابق: تشكيل الفراعنة أمام جنوب إفريقيا لا يحتاج لتغييرات    أسامة كمال عن قضية السباح يوسف محمد: كنت أتمنى حبس ال 18 متهما كلهم.. وصاحب شائعة المنشطات يجب محاسبته    كشف لغز جثة صحراوي الجيزة.. جرعة مخدرات زائدة وراء الوفاة ولا شبهة جنائية    بروتوكولي تعاون لتطوير آليات العمل القضائي وتبادل الخبرات بين مصر وفلسطين    "التعليم المدمج" بجامعة الأقصر يعلن موعد امتحانات الماجستير والدكتوراه المهنية.. 24 يناير    الزمالك يستعد لمباراة غزل المحلة دون راحة    ساليبا: أرسنال قادر على حصد الرباعية هذا الموسم    فاروق جويدة: هناك عملية تشويه لكل رموز مصر وآخر ضحاياها أم كلثوم    تطور جديد في قضية عمرو دياب وصفعه شاب    جلا هشام: شخصية ناعومي في مسلسل ميد تيرم من أقرب الأدوار إلى قلبي    واعظات الأوقاف يقدمن دعما نفسيا ودعويا ضمن فعاليات شهر التطوع    40 جنيهاً ثمن أكياس إخفاء جريمة طفل المنشار.. تفاصيل محاكمة والد المتهم    استمرار حملات إزالة التعديات على الأراضي الزراعية بكرداسة    أخبار مصر اليوم: سحب منخفضة على السواحل الشمالية والوجه البحري.. وزير العمل يصدر قرارًا لتنظيم تشغيل ذوي الهمم بالمنشآت.. إغلاق موقع إلكتروني مزور لبيع تذاكر المتحف المصري الكبير    أخبار كفر الشيخ اليوم.. إعلان نتائج انتخابات مجلس النواب رسميًا    جراحة دقيقة بمستشفى الفيوم العام تنقذ حياة رضيع عمره 9 أيام    أخصائي يُحذر: نمط الحياة الكارثي وراء إصابة الشباب بشيخوخة العظام المبكرة    "إسماعيل" يستقبل فريق الدعم الفني لمشروع تطوير نظم الاختبارات العملية والشفهية بالجامعة    كيف نُصلِح الخلافات الزوجية بين الصم والبكم؟.. أمين الفتوى يجيب    حزب المؤتمر: نجاح جولة الإعادة يعكس تطور إدارة الاستحقاقات الدستورية    هل للصيام في رجب فضل عن غيره؟.. الأزهر يُجيب    الوطنية للانتخابات: إبطال اللجنة 71 في بلبيس و26 و36 بالمنصورة و68 بميت غمر    ادِّعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها.. الأزهر للفتوي يوضح    محافظ الجيزة يفتتح قسم رعاية المخ والأعصاب بمستشفى الوراق المركزي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصريون..ولعنة الانتخابات المزورة
نشر في الشروق الجديد يوم 27 - 06 - 2010

فى دول الديمقراطية الصحيحة تعتبر الانتخابات من أهم وأخطر مظاهر التعبير.. إن صناديق الانتخابات فى هذه الدول هى المقياس الحقيقى للديمقراطية.. إنها تضع قواعد الوصول إلى السلطة وقواعد تداولها واستمرارها وبدون الانتخابات الحرة تصبح الديمقراطية مجرد صراخ فى الهواء تمارسه وسائل الإعلام والأحزاب الورقية.. وحين تتحول الديمقراطية إلى مجرد شعارات وصيحات فإنها تفتقد التواصل الفعال الذى يحدد قواعد المنظومة السياسية فى أهم جوانبها وهى تداول السلطة فى أعلى مستوياتها ووجود وسائل شرعية للتعبير عن رغبات المواطنين والذى يتجسد فى سلطة تشريعية قادرة على محاسبة السلطات الأخرى من خلال إرادة شعبية واعية ومؤثرة.
الوفد والتجربة الانتخابية في مصر
قد عشنا مراحل كثيرة مع قصة الانتخابات وإن حملت فى كل مراحلها صورا كئيبة فلم تكن أكثر من ألاعيب سياسية افتقدت الشفافية والنزاهة وترفع الأهداف والغايات.. لقد ارتبطت قصة الانتخابات فى تاريخ مصر الحديث بظهور الأحزاب السياسية فى ظل أسرة ملكية حاكمة جلست على سلطة القرار أكثر من مائة وخمسين عاما.. هناك دول كثيرة تحكمها ملكيات قديمة ولكن وجود الملكية لم يكن يعنى أبدا إهدار حق الشعب فى أن يمارس حقه من خلال انتخابات حرة ونزيهة..
لم تعرف مصر الانتخابات إلا فى فترات متأخرة من القرن الماضى عندما زادت سلطة الأحزاب خاصة فى فترة الثلاثينيات والأربعينيات.. هناك انتخابات بلا لجان مارسها المصريون فى اختيارهم التاريخى لزعيم الأمة سعد زغلول ولم يكن هذا الاختيار الشعبى خاضعا للمقاييس التقليدية للانتخابات ولكنه كان تيارا شعبيا جارفا وضع سعد زغلول على رأس الأمة ممثلا لكل طوائف الشعب أمام الاحتلال والقصر فى وقت واحد.
بعد ذلك ومع ارتفاع شعبية الوفد، حزب الأغلبية، استطاع الوفد أن يضع قواعد سليمة وصحيحة لانتخابات واقعية بين الأحزاب السياسية فى ذلك الوقت.. ولقد تحمل الوفد مسئولية نجاح أو إخفاق هذه الانتخابات على أساس أنه حزب الأغلبية وأنه كان الحزب الأقوى والأكثر فى تشكيل الحكومات الحزبية فى مصر..
عرفت مصر الانتخابات الصحيحة مع فترة الأربعينيات وإن كانت هناك أحاديث كثيرة حول بيع الأصوات والتنازلات ودور رأس المال والإقطاع فى مسيرة هذه الانتخابات ولكن كان حزب الوفد بصفة خاصة قد وصل إلى درجة من درجات الشعبية فى الشارع المصرى بصورة تصعب معها المنافسة أو حتى التشكيك فى صحة نفوذه والعوامل التى أهلته لتشكيل أكثر من حكومة وقيادة الشارع المصرى فى الأحداث التاريخية المهمة.
ثورة يوليو تشطب الديمقراطية من مصر
لابد أن نعترف أن الانتخابات فى مصر حتى قيام ثورة يوليو كانت تمثل بداية يمكن الاعتماد عليها فى مشروع إيجاد منظومة صحيحة لانتخابات سليمة كان قرار ثوار يوليو بإلغاء الحياة الحزبية ومصادرة الأحزاب أول قرار بشطب كلمة الديمقراطية من حياة المصريين مع بداية الثورة.. وقد تقبل المصريون هذا القرار أمام صخب الاحتفالات والملك الراحل وشباب الثورة من أبناء مصر.. رضى المصريون بمصادرة حقهم فى اختيار ممثليهم أمام الأهداف التى أعلنتها الثورة فى تحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على سيطرة الإقطاع ورأس المال على السلطة وفى إعلان الجمهورية وطرد الملك وتحقيق العدالة الاجتماعية وبعد ذلك كله تحقيق الديمقراطية.
كانت الانتخابات هى الصورة الحقيقية التى يمكن أن يتأكد منها وجود ديمقراطية حقيقية أم مجرد شعارات كاذبة.. ولقد حاول ثوار يوليو تنفيذ بعض أهداف الثورة إلا أن كل شىء توقف عند الهدف الأخير وهو تحقيق الديمقراطية فلم يدخل هذا البند مراحل التنفيذ فى أى مرحلة من المراحل وبقيت الديمقراطية حلما بعيد المنال.
حين تنكَّر ثوار يوليو للديمقراطية التى كانت من أهم أهداف الثورة فإن ذلك كان يعنى إهدار قيمة الانتخابات ومن هنا لم يعرف المصريون شيئا اسمه الانتخابات الصحيحة منذ قامت ثورة يوليو.بدأت رحلة العمل السياسى تتغير فى كل ملامحها بعد قيام الثورة.. بدأت تجربة الحزب الواحد وتمثلت فى أولى تجاربها فى هيئة التحرير وقد قامت هذه الهيئة على مجموعة من أنصار الثورة والمنتفعين بها.. وفى هذه الفترة حدثت انقسامات خطيرة فى الشارع المصرى فقد تم إبعاد الزعامات التقليدية من رؤساء وقادة الأحزاب وتم إيداع أعداد كبيرة منهم السجون والمعتقلات.
وجيل كامل من مزوري عهد الثورة
على الجانب الآخر ظهرت نظرية ما كان يسمى أهل الخبرة وأهل الثقة وهنا أيضا أطاحت الثورة بخبرات كثيرة فى كل المجالات تحت دعوى الولاء للنظام.. وأمام غياب قيادات الأحزاب التقليدية وأصحاب الخبرات لم يبق أمام ثوار يوليو غير مجموعة المنتفعين الذين أطلقت عليهم أهل الثقة وقد سارع هؤلاء للاستيلاء على كل مقدرات مصر ابتداء بنهب القصور الملكية وانتهاء بتوزيع المناصب والسلطات على بعضهم البعض.
هنا أيضا ظهرت لأول مرة الانتخابات المزورة فى تاريخ مصر الحديث فقد بدأت جماعة المستفيدين تشق طريقها إلى سلطة القرار من خلال انتخابات مزورة وضعت أهل الثقة فى قمة سلطة القرار بدأت عملية تزوير الانتخابات فى أقسام الشرطة والمراكز والقرى وظهر جيل كامل من المسئولين فى المحليات الذى تزعَّم هذه العملية ابتداء بكشوف الناخبين وانتهاء بتزوير النتائج.
سرعان ما نجحت هذه الطريقة فى إجراء الانتخابات تحت سيطرة كاملة لأجهزة الأمن.. وربما كانت هذه هى البداية لتزوير إرادة الشعب واختياراته.. منذ هذا التاريخ انقطعت الصلة بين الشارع المصرى وصناديق الانتخابات وتحولت إلى مظاهرات سنوية أو فصلية ارتبطت بمواسم الانتخابات حيث تظهر النتائج التى يريدها المسئولون فى سلطة القرار والأسماء التى يحددونها وهنا أيضا اختفت إرادة الشعب تماما فى ظل منظومة كاذبة لانتخابات مزيفة..
تجربة الحزب الأوحد ولعبة المصالح
استطاعت هيئة التحرير أن تتحول إلى منظومة ثابتة خرجت منها تجارب أخرى كانت جميعها تحمل اسم الحزب الواحد.. جاء الاتحاد القومى وحمل نفس الجينات التى جاءت بها هيئة التحرير وإن كان الاتحاد القومى أكثر انتشارا ووجودا.. وسرعان ما اختفى الاتحاد القومى بعد أن أنجب ابنا وحيدا هو الاتحاد الاشتراكى وكان يحمل جينات قديمة من هيئة التحرير والاتحاد القومى.. إلا أن الاتحاد الاشتراكى اتسعت دائرته وأصبح شريكا فى سلطة القرار حتى وإن كانت شكلية والتى حملت اسم اللجنة التنفيذية العليا، وكانت تضم أبرز شخصيات العمل السياسى وتتمتع بنفوذ كبير.. استطاع الاتحاد الاشتراكى أن يشكل مجموعة عمل أيدلوجية تقوم على الفكر الاشتراكى الذى يمتد من أقصى اليسار الماركسى حتى أقصى اليسار الدينى..
ورغم أن الاتحاد الاشتراكى كان أكثر تجارب الثورة اهتماما بمجالات الفكر إلا أن لغة المصالح التى أفسدت التجارب السابقة كان لها دور كبير فى إفساد آخر تجارب الثورة مع الحزب الواحد.. ورغم المواثيق الكثيرة التى أصدرتها الثورة وحملت أفكارا جيدة ومنها فلسفة الثورة.. والميثاق الوطنى.. وبيان 30 مارس إلا أن هذه الأفكار جميعها فشلت فى إنشاء منظومة محايدة لانتخابات حرة ونزيهة.. كان هناك رصيد ضخم من الأفكار الجيدة التى لم تتجاوز حدود الشعارات عن الديمقراطية والحريات وإرادة الشعب.. وبقيت منظومة الانتخابات حلما راود خيال المصريين بعض الوقت ولم يتحول إلى حقيقة.
كان من الصعب أن تخرج أحزاب حقيقية من رحم أحزاب قامت على الرأى الواحد خاصة أن الحزب الواحد كان ابنا للسلطة ولم يخرج من الشارع فى كل التجارب التى شهدتها مصر مع هيئة التحرير والاتحاد القومى والاتحاد الاشتراكى.
وكان من الصعب أن يكون الحزب الواحد نواة لتجربة حزبية متعددة ولعل السبب فى ذلك أن هذه التجارب ظهرت فى مناخ سياسى لا يؤمن بالتعددية وأن المشرفين والمشاركين فى هذه التجارب السياسية تخرجوا من مدرسة واحدة لا تعترف بالديمقراطية ولا ترى نموذجا أفضل من الحزب الواحد لأن فى وجود هذا الحزب تحقيقا لمصالحهم وضمانا لوجودهم دائما على الساحة.
إن الدليل الأكبر على ذلك أن الوجوه التى شيدت هيئة التحرير هى التى ظهرت فى الاتحاد القومى هى نفسها التى أقامت تجربة الاتحاد الاشتراكى.. قد تكون إرادة الله قد تدخلت واختفت بعض الوجوه إلا أن من بقى منها امتد تأثيره فى جميع المراحل وكل الصور والأشكال..
تجربة حزبية لم تنه سلطة الحزب الواحد
ومع أحاديث الديمقراطية والتعددية ظهرت تجربة «المنابر» وهى التى سبقت تجربة الأحزاب الحالية.. ربما كان الرئيس السادات صادقا فى نواياه حينما تحدث عن رغبة حقيقية فى دخول مصر تجربة ديمقراطية تقوم على أسس سليمة.. إلا أن الواقع قد أكد بعد ذلك أن الرجل لم يتخلص تماما من ميراث ثورة يوليو وارتباطها الشديد بتجربة الحزب الواحد.. وقد ساعد على ذلك أن هناك أجيالا كاملة قامت حياتها وتجاربها ورصيدها على منظومة الحزب الواحد، وقد بقيت هذه الأجيال تمتلك دائرة القرار فى السلطة حتى الآن.. وكان من الصعب أن تتغير مفاهيمها ومواقعها لأنها فى الحقيقة كانت تحمى مصالح أكثر مما تنتمى للأفكار.. هنا أيضا فشلت تجربة الانتخابات الحرة فى منظومة المنابر وسرعان ما اختفت هذه المنابر لتظهر تجربة مصر الحالية مع التعددية الحزبية.
كانت عمليات الولادة القيصرية هى السمة الواضحة فى ظهور الأحزاب السياسية فى مصر فى منتصف السبعينيات.. كان هناك حزب واحد يحمل تاريخا حقيقيا وتجربة ثرية مع العمل السياسى وهو حزب الوفد..ثم كان ظهور حزب العمل وقد ارتبط دور الحزبين من خلال زعامتين تاريخيتين هما الراحلان الكبيران فؤاد سراج الدين وإبراهيم شكرى.. كان من الممكن أن تقوم التجربة كلها على ثلاثة أحزاب ولكن التوسع العشوائى فى ظهور الأحزاب وصل بها إلى ما نحن عليه الآن من السلبية والغياب الكامل.
الوطني حرم نفسه والأحزاب من الوصول للشارع
إن وجود أكثر من 20 حزبا سياسيا فى مصر لم يغير شيئا من قواعد اللعبة، خاصة أن روح الحزب الواحد وفكره وأدواته ما زالت تسيطر على أداء حزب الأغلبية الحزب الوطنى.. لقد حاول البعض التنكر للماضى البعيد للحزب الوطنى وأنه ابن شرعى للاتحاد القومى وهيئة التحرير والاتحاد الاشتراكى وأنه ورث هذا الرصيد الضخم من تاريخ الحزب الواحد بكل أمراضه المزمنة.. إن سيطرة روح الحزب الواحد على حزب الأغلبية كانت سببا فى إجهاض التجربة الحزبية فى مصر.. لا توجد أحزاب عاشت ونجحت وتسللت إلى الجماهير إلا إذا كانت قد خرجت من وسط هذه الجماهير وحملت همومها وقضاياها.. ولكن للأسف الشديد إن أحزابنا قد خرجت بقرارات علوية ولم تخرج بإرادة شعبية، وبجانب هذا فإن احتكار الحزب الوطنى للواقع السياسى أدى إلى تراجع أدوار الأحزاب الأخرى التى لم تحصل على أى فرصة للوجود والتأثير واستقطاب الجماهير.
لقد فشل الحزب الوطنى فى الحصول على أغلبية حقيقية فى الشارع المصرى وفى نفس الوقت حرم الأحزاب الأخرى من الوصول إلى الناس.. وكانت النتيجة أن استخدم الحزب الوطنى كل أدوات السلطة ابتداء بالإعلام وانتهاء بأجهزة الأمن وقام بتزوير الانتخابات لكى يحصل على الأغلبية التى تمنحه الحق فى أن يظل فى السلطة.
الشورى الأخيرة بنكهة الوطني
ولهذا لم يكن غريبا أن يحدث ما حدث فى الانتخابات الأخيرة للتجديد النصفى لمجلس الشورى.. لقد اختفى الناخبون.. وأغلقت اللجان أبوابها.. وشهدت وسائل الإعلام اللجان الخالية واعترف المسئولون فى هذه اللجان بأن الشارع أضرب عن المشاركة فى الانتخابات ورغم ذلك لم يتردد الحزب الوطنى فى إعلان النتائج التى يريدها ابتداء بالاختفاء الكامل للإخوان المسلمين من قوائم الفائزين وانتهاء بأربعة أصوات يتيمة تم توزيعها حسب المزاج على الأحزاب الصغيرة.
هنا لا يوجد فرق كبير بين ما كان يجرى فى انتخابات هيئة التحرير أو الاتحاد القومى أو الاتحاد الاشتراكى فى الخمسينيات والستينيات وبين ما جرى فى الأيام الأخيرة فى نتائج انتخابات الحزب الوطنى فى مجلس الشورى.
إن المشهد واحد قد يكون هناك بعض أشخاص غابوا وآخرون ظهروا إلا أن الفكر واحد والخلفية واحدة.. والأخطاء هى نفس الأخطاء حيث لا حل إلا بتزوير الانتخابات.. وما زال المسلسل يكمل حلقاته ومشاهده.
حين يدرك المسئولون فى الحزب الوطنى أن الديمقراطية الحقيقية لا تتحقق إلا فى ظل انتخابات صحيحة يمكن يومها أن نقول إننا وضعنا أقدامنا على أول الطريق؛ لأننا مازلنا حتى الآن نعيش تجربة الحزب الواحد وهو الحزب الوطنى الذى يصر على أن يحتكر كل شىء ابتداء بسلطة القرار وانتهاء بنتائج الانتخابات المزورة.
حلم مصري بانتخابات حرة بلا تزوير
إن تاريخ المصريين مع الانتخابات تاريخ طويل، فيه الكثير من الإحباط والمرارة حتى تلك اللحظات التى شهدت شيئا يشبه الأمل فى انتخابات حرة سرعان ما خبا الضوء وتلاشت الفرحة بهذا الأمل القادم.. ولهذا لم يكن غريبا ان ينسى المصريون تماما شيئا اسمه الانتخابات ويجلسون فى بيوتهم يتابعون فصول هذه المسرحية الهزيلة على شاشات التليفزيون وأوراق الصحف.. اعتاد المصريون لسنوات طويلة على هذه الصورة المشوهة للانتخابات وأصبحت تمثل لديهم تاريخا من الذكريات الأليمة مع هيئة التحرير والاتحاد القومى والاتحاد الاشتراكى وصولا إلى الحزب الوطنى الذى ما زال يصر على أنه واجهة للديمقراطية الحقيقية رغم أن واقع التجربة يقول غير ذلك.
سوف يبقى لدى المصريين حلم قديم: أن يجدوا فى يوم من الأيام انتخابات حرة ولجانا بلا تزوير وبرلمانا يعبر عن إرادة شعبية واختيارات يكون الشعب شريكا فيها.. هذه الأحلام لن تتحقق فى ظل احتكار الحزب الوطنى للساحة السياسية وإصراره على أن يحصل على الأغلبية بالحق والباطل، وأكبر دليل على ذلك أن يحصل الحزب على جميع الأعضاء فى مجلس الشورى وأن يقدم للمعارضة هدية متواضعة لا تتجاوز أربعة أعضاء.. ورغم هذا لن تسقط أحلامنا فى مستقبل يليق بنا فى أن نشاهد يوما انتخابات حرة وبلا تزوير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.