«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاروق جويدة يكتب: المصريون..ولعنة الانتخابات المزورة
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 06 - 2010

فى دول الديمقراطية الصحيحة تعتبر الانتخابات من أهم وأخطر مظاهر التعبير.. إن صناديق الانتخابات فى هذه الدول هى المقياس الحقيقى للديمقراطية.. إنها تضع قواعد الوصول إلى السلطة وقواعد تداولها واستمرارها وبدون الانتخابات الحرة تصبح الديمقراطية مجرد صراخ فى الهواء تمارسه وسائل الإعلام والأحزاب الورقية.. وحين تتحول الديمقراطية إلى مجرد شعارات وصيحات فإنها تفتقد التواصل الفعال الذى يحدد قواعد المنظومة السياسية فى أهم جوانبها وهى تداول السلطة فى أعلى مستوياتها ووجود وسائل شرعية للتعبير عن رغبات المواطنين والذى يتجسد فى سلطة تشريعية قادرة على محاسبة السلطات الأخرى من خلال إرادة شعبية واعية ومؤثرة.
الوفد والتجربة الانتخابية في مصر
قد عشنا مراحل كثيرة مع قصة الانتخابات وإن حملت فى كل مراحلها صورا كئيبة فلم تكن أكثر من ألاعيب سياسية افتقدت الشفافية والنزاهة وترفع الأهداف والغايات.. لقد ارتبطت قصة الانتخابات فى تاريخ مصر الحديث بظهور الأحزاب السياسية فى ظل أسرة ملكية حاكمة جلست على سلطة القرار أكثر من مائة وخمسين عاما.. هناك دول كثيرة تحكمها ملكيات قديمة ولكن وجود الملكية لم يكن يعنى أبدا إهدار حق الشعب فى أن يمارس حقه من خلال انتخابات حرة ونزيهة..
لم تعرف مصر الانتخابات إلا فى فترات متأخرة من القرن الماضى عندما زادت سلطة الأحزاب خاصة فى فترة الثلاثينيات والأربعينيات.. هناك انتخابات بلا لجان مارسها المصريون فى اختيارهم التاريخى لزعيم الأمة سعد زغلول ولم يكن هذا الاختيار الشعبى خاضعا للمقاييس التقليدية للانتخابات ولكنه كان تيارا شعبيا جارفا وضع سعد زغلول على رأس الأمة ممثلا لكل طوائف الشعب أمام الاحتلال والقصر فى وقت واحد.
بعد ذلك ومع ارتفاع شعبية الوفد، حزب الأغلبية، استطاع الوفد أن يضع قواعد سليمة وصحيحة لانتخابات واقعية بين الأحزاب السياسية فى ذلك الوقت.. ولقد تحمل الوفد مسئولية نجاح أو إخفاق هذه الانتخابات على أساس أنه حزب الأغلبية وأنه كان الحزب الأقوى والأكثر فى تشكيل الحكومات الحزبية فى مصر..
عرفت مصر الانتخابات الصحيحة مع فترة الأربعينيات وإن كانت هناك أحاديث كثيرة حول بيع الأصوات والتنازلات ودور رأس المال والإقطاع فى مسيرة هذه الانتخابات ولكن كان حزب الوفد بصفة خاصة قد وصل إلى درجة من درجات الشعبية فى الشارع المصرى بصورة تصعب معها المنافسة أو حتى التشكيك فى صحة نفوذه والعوامل التى أهلته لتشكيل أكثر من حكومة وقيادة الشارع المصرى فى الأحداث التاريخية المهمة.
ثورة يوليو تشطب الديمقراطية من مصر
لابد أن نعترف أن الانتخابات فى مصر حتى قيام ثورة يوليو كانت تمثل بداية يمكن الاعتماد عليها فى مشروع إيجاد منظومة صحيحة لانتخابات سليمة كان قرار ثوار يوليو بإلغاء الحياة الحزبية ومصادرة الأحزاب أول قرار بشطب كلمة الديمقراطية من حياة المصريين مع بداية الثورة.. وقد تقبل المصريون هذا القرار أمام صخب الاحتفالات والملك الراحل وشباب الثورة من أبناء مصر.. رضى المصريون بمصادرة حقهم فى اختيار ممثليهم أمام الأهداف التى أعلنتها الثورة فى تحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على سيطرة الإقطاع ورأس المال على السلطة وفى إعلان الجمهورية وطرد الملك وتحقيق العدالة الاجتماعية وبعد ذلك كله تحقيق الديمقراطية.
كانت الانتخابات هى الصورة الحقيقية التى يمكن أن يتأكد منها وجود ديمقراطية حقيقية أم مجرد شعارات كاذبة.. ولقد حاول ثوار يوليو تنفيذ بعض أهداف الثورة إلا أن كل شىء توقف عند الهدف الأخير وهو تحقيق الديمقراطية فلم يدخل هذا البند مراحل التنفيذ فى أى مرحلة من المراحل وبقيت الديمقراطية حلما بعيد المنال.
حين تنكَّر ثوار يوليو للديمقراطية التى كانت من أهم أهداف الثورة فإن ذلك كان يعنى إهدار قيمة الانتخابات ومن هنا لم يعرف المصريون شيئا اسمه الانتخابات الصحيحة منذ قامت ثورة يوليو.بدأت رحلة العمل السياسى تتغير فى كل ملامحها بعد قيام الثورة.. بدأت تجربة الحزب الواحد وتمثلت فى أولى تجاربها فى هيئة التحرير وقد قامت هذه الهيئة على مجموعة من أنصار الثورة والمنتفعين بها.. وفى هذه الفترة حدثت انقسامات خطيرة فى الشارع المصرى فقد تم إبعاد الزعامات التقليدية من رؤساء وقادة الأحزاب وتم إيداع أعداد كبيرة منهم السجون والمعتقلات.
وجيل كامل من مزوري عهد الثورة
على الجانب الآخر ظهرت نظرية ما كان يسمى أهل الخبرة وأهل الثقة وهنا أيضا أطاحت الثورة بخبرات كثيرة فى كل المجالات تحت دعوى الولاء للنظام.. وأمام غياب قيادات الأحزاب التقليدية وأصحاب الخبرات لم يبق أمام ثوار يوليو غير مجموعة المنتفعين الذين أطلقت عليهم أهل الثقة وقد سارع هؤلاء للاستيلاء على كل مقدرات مصر ابتداء بنهب القصور الملكية وانتهاء بتوزيع المناصب والسلطات على بعضهم البعض.
هنا أيضا ظهرت لأول مرة الانتخابات المزورة فى تاريخ مصر الحديث فقد بدأت جماعة المستفيدين تشق طريقها إلى سلطة القرار من خلال انتخابات مزورة وضعت أهل الثقة فى قمة سلطة القرار بدأت عملية تزوير الانتخابات فى أقسام الشرطة والمراكز والقرى وظهر جيل كامل من المسئولين فى المحليات الذى تزعَّم هذه العملية ابتداء بكشوف الناخبين وانتهاء بتزوير النتائج.
سرعان ما نجحت هذه الطريقة فى إجراء الانتخابات تحت سيطرة كاملة لأجهزة الأمن.. وربما كانت هذه هى البداية لتزوير إرادة الشعب واختياراته.. منذ هذا التاريخ انقطعت الصلة بين الشارع المصرى وصناديق الانتخابات وتحولت إلى مظاهرات سنوية أو فصلية ارتبطت بمواسم الانتخابات حيث تظهر النتائج التى يريدها المسئولون فى سلطة القرار والأسماء التى يحددونها وهنا أيضا اختفت إرادة الشعب تماما فى ظل منظومة كاذبة لانتخابات مزيفة..
تجربة الحزب الأوحد ولعبة المصالح
استطاعت هيئة التحرير أن تتحول إلى منظومة ثابتة خرجت منها تجارب أخرى كانت جميعها تحمل اسم الحزب الواحد.. جاء الاتحاد القومى وحمل نفس الجينات التى جاءت بها هيئة التحرير وإن كان الاتحاد القومى أكثر انتشارا ووجودا.. وسرعان ما اختفى الاتحاد القومى بعد أن أنجب ابنا وحيدا هو الاتحاد الاشتراكى وكان يحمل جينات قديمة من هيئة التحرير والاتحاد القومى.. إلا أن الاتحاد الاشتراكى اتسعت دائرته وأصبح شريكا فى سلطة القرار حتى وإن كانت شكلية والتى حملت اسم اللجنة التنفيذية العليا، وكانت تضم أبرز شخصيات العمل السياسى وتتمتع بنفوذ كبير.. استطاع الاتحاد الاشتراكى أن يشكل مجموعة عمل أيدلوجية تقوم على الفكر الاشتراكى الذى يمتد من أقصى اليسار الماركسى حتى أقصى اليسار الدينى..
ورغم أن الاتحاد الاشتراكى كان أكثر تجارب الثورة اهتماما بمجالات الفكر إلا أن لغة المصالح التى أفسدت التجارب السابقة كان لها دور كبير فى إفساد آخر تجارب الثورة مع الحزب الواحد.. ورغم المواثيق الكثيرة التى أصدرتها الثورة وحملت أفكارا جيدة ومنها فلسفة الثورة.. والميثاق الوطنى.. وبيان 30 مارس إلا أن هذه الأفكار جميعها فشلت فى إنشاء منظومة محايدة لانتخابات حرة ونزيهة.. كان هناك رصيد ضخم من الأفكار الجيدة التى لم تتجاوز حدود الشعارات عن الديمقراطية والحريات وإرادة الشعب.. وبقيت منظومة الانتخابات حلما راود خيال المصريين بعض الوقت ولم يتحول إلى حقيقة.
كان من الصعب أن تخرج أحزاب حقيقية من رحم أحزاب قامت على الرأى الواحد خاصة أن الحزب الواحد كان ابنا للسلطة ولم يخرج من الشارع فى كل التجارب التى شهدتها مصر مع هيئة التحرير والاتحاد القومى والاتحاد الاشتراكى.
وكان من الصعب أن يكون الحزب الواحد نواة لتجربة حزبية متعددة ولعل السبب فى ذلك أن هذه التجارب ظهرت فى مناخ سياسى لا يؤمن بالتعددية وأن المشرفين والمشاركين فى هذه التجارب السياسية تخرجوا من مدرسة واحدة لا تعترف بالديمقراطية ولا ترى نموذجا أفضل من الحزب الواحد لأن فى وجود هذا الحزب تحقيقا لمصالحهم وضمانا لوجودهم دائما على الساحة.
إن الدليل الأكبر على ذلك أن الوجوه التى شيدت هيئة التحرير هى التى ظهرت فى الاتحاد القومى هى نفسها التى أقامت تجربة الاتحاد الاشتراكى.. قد تكون إرادة الله قد تدخلت واختفت بعض الوجوه إلا أن من بقى منها امتد تأثيره فى جميع المراحل وكل الصور والأشكال..
تجربة حزبية لم تنه سلطة الحزب الواحد
ومع أحاديث الديمقراطية والتعددية ظهرت تجربة «المنابر» وهى التى سبقت تجربة الأحزاب الحالية.. ربما كان الرئيس السادات صادقا فى نواياه حينما تحدث عن رغبة حقيقية فى دخول مصر تجربة ديمقراطية تقوم على أسس سليمة.. إلا أن الواقع قد أكد بعد ذلك أن الرجل لم يتخلص تماما من ميراث ثورة يوليو وارتباطها الشديد بتجربة الحزب الواحد.. وقد ساعد على ذلك أن هناك أجيالا كاملة قامت حياتها وتجاربها ورصيدها على منظومة الحزب الواحد، وقد بقيت هذه الأجيال تمتلك دائرة القرار فى السلطة حتى الآن.. وكان من الصعب أن تتغير مفاهيمها ومواقعها لأنها فى الحقيقة كانت تحمى مصالح أكثر مما تنتمى للأفكار.. هنا أيضا فشلت تجربة الانتخابات الحرة فى منظومة المنابر وسرعان ما اختفت هذه المنابر لتظهر تجربة مصر الحالية مع التعددية الحزبية.
كانت عمليات الولادة القيصرية هى السمة الواضحة فى ظهور الأحزاب السياسية فى مصر فى منتصف السبعينيات.. كان هناك حزب واحد يحمل تاريخا حقيقيا وتجربة ثرية مع العمل السياسى وهو حزب الوفد..ثم كان ظهور حزب العمل وقد ارتبط دور الحزبين من خلال زعامتين تاريخيتين هما الراحلان الكبيران فؤاد سراج الدين وإبراهيم شكرى.. كان من الممكن أن تقوم التجربة كلها على ثلاثة أحزاب ولكن التوسع العشوائى فى ظهور الأحزاب وصل بها إلى ما نحن عليه الآن من السلبية والغياب الكامل.
الوطني حرم نفسه والأحزاب من الوصول للشارع
إن وجود أكثر من 20 حزبا سياسيا فى مصر لم يغير شيئا من قواعد اللعبة، خاصة أن روح الحزب الواحد وفكره وأدواته ما زالت تسيطر على أداء حزب الأغلبية الحزب الوطنى.. لقد حاول البعض التنكر للماضى البعيد للحزب الوطنى وأنه ابن شرعى للاتحاد القومى وهيئة التحرير والاتحاد الاشتراكى وأنه ورث هذا الرصيد الضخم من تاريخ الحزب الواحد بكل أمراضه المزمنة.. إن سيطرة روح الحزب الواحد على حزب الأغلبية كانت سببا فى إجهاض التجربة الحزبية فى مصر.. لا توجد أحزاب عاشت ونجحت وتسللت إلى الجماهير إلا إذا كانت قد خرجت من وسط هذه الجماهير وحملت همومها وقضاياها.. ولكن للأسف الشديد إن أحزابنا قد خرجت بقرارات علوية ولم تخرج بإرادة شعبية، وبجانب هذا فإن احتكار الحزب الوطنى للواقع السياسى أدى إلى تراجع أدوار الأحزاب الأخرى التى لم تحصل على أى فرصة للوجود والتأثير واستقطاب الجماهير.
لقد فشل الحزب الوطنى فى الحصول على أغلبية حقيقية فى الشارع المصرى وفى نفس الوقت حرم الأحزاب الأخرى من الوصول إلى الناس.. وكانت النتيجة أن استخدم الحزب الوطنى كل أدوات السلطة ابتداء بالإعلام وانتهاء بأجهزة الأمن وقام بتزوير الانتخابات لكى يحصل على الأغلبية التى تمنحه الحق فى أن يظل فى السلطة.
الشورى الأخيرة بنكهة الوطني
ولهذا لم يكن غريبا أن يحدث ما حدث فى الانتخابات الأخيرة للتجديد النصفى لمجلس الشورى.. لقد اختفى الناخبون.. وأغلقت اللجان أبوابها.. وشهدت وسائل الإعلام اللجان الخالية واعترف المسئولون فى هذه اللجان بأن الشارع أضرب عن المشاركة فى الانتخابات ورغم ذلك لم يتردد الحزب الوطنى فى إعلان النتائج التى يريدها ابتداء بالاختفاء الكامل للإخوان المسلمين من قوائم الفائزين وانتهاء بأربعة أصوات يتيمة تم توزيعها حسب المزاج على الأحزاب الصغيرة.
هنا لا يوجد فرق كبير بين ما كان يجرى فى انتخابات هيئة التحرير أو الاتحاد القومى أو الاتحاد الاشتراكى فى الخمسينيات والستينيات وبين ما جرى فى الأيام الأخيرة فى نتائج انتخابات الحزب الوطنى فى مجلس الشورى.
إن المشهد واحد قد يكون هناك بعض أشخاص غابوا وآخرون ظهروا إلا أن الفكر واحد والخلفية واحدة.. والأخطاء هى نفس الأخطاء حيث لا حل إلا بتزوير الانتخابات.. وما زال المسلسل يكمل حلقاته ومشاهده.
حين يدرك المسئولون فى الحزب الوطنى أن الديمقراطية الحقيقية لا تتحقق إلا فى ظل انتخابات صحيحة يمكن يومها أن نقول إننا وضعنا أقدامنا على أول الطريق؛ لأننا مازلنا حتى الآن نعيش تجربة الحزب الواحد وهو الحزب الوطنى الذى يصر على أن يحتكر كل شىء ابتداء بسلطة القرار وانتهاء بنتائج الانتخابات المزورة.
حلم مصري بانتخابات حرة بلا تزوير
إن تاريخ المصريين مع الانتخابات تاريخ طويل، فيه الكثير من الإحباط والمرارة حتى تلك اللحظات التى شهدت شيئا يشبه الأمل فى انتخابات حرة سرعان ما خبا الضوء وتلاشت الفرحة بهذا الأمل القادم.. ولهذا لم يكن غريبا ان ينسى المصريون تماما شيئا اسمه الانتخابات ويجلسون فى بيوتهم يتابعون فصول هذه المسرحية الهزيلة على شاشات التليفزيون وأوراق الصحف.. اعتاد المصريون لسنوات طويلة على هذه الصورة المشوهة للانتخابات وأصبحت تمثل لديهم تاريخا من الذكريات الأليمة مع هيئة التحرير والاتحاد القومى والاتحاد الاشتراكى وصولا إلى الحزب الوطنى الذى ما زال يصر على أنه واجهة للديمقراطية الحقيقية رغم أن واقع التجربة يقول غير ذلك.
سوف يبقى لدى المصريين حلم قديم: أن يجدوا فى يوم من الأيام انتخابات حرة ولجانا بلا تزوير وبرلمانا يعبر عن إرادة شعبية واختيارات يكون الشعب شريكا فيها.. هذه الأحلام لن تتحقق فى ظل احتكار الحزب الوطنى للساحة السياسية وإصراره على أن يحصل على الأغلبية بالحق والباطل، وأكبر دليل على ذلك أن يحصل الحزب على جميع الأعضاء فى مجلس الشورى وأن يقدم للمعارضة هدية متواضعة لا تتجاوز أربعة أعضاء.. ورغم هذا لن تسقط أحلامنا فى مستقبل يليق بنا فى أن نشاهد يوما انتخابات حرة وبلا تزوير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.