ظهرت بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير أحزاب سياسية جديدة، حيث وصل عددها إلي 78 حزباً، بعد ان كانت 24 فقط قبل الثورة، وقد تضمنت هذه الاحزاب التي ظهرت علي الساحة السياسية أحزاباً دينية او بمعني أدق ذات مرجعية دينية وقد وصل عددها إلي عشرة أحزاب، وعلي الرغم من قلة عدد الأحزاب الدينية فإنها استحوذت علي حوالي 70% من مقاعد البرلمان في الانتخابات الاخيرة والتي أجريت عقب ثورة يناير، في مقابل أربعة أحزاب أخري من الأحزاب السياسية المعروفة مثل حزبي التجمع والوفد حصلت علي باقي المقاعد، ولكن بعد هذا الانفتاح الواسع في المجال السياسي وتضاعف عدد الأحزاب إلي هذا الحد في حوالي 3 اعوام فقط، هل من المقدر ان تستمر هذه الاحزاب في ظل الظروف التي تمر بها البلاد؟! حيث إن اكبر عائقين لتلك الاحزاب هما العائق المادي الذي تتعرض له كل الاحزاب السياسية، وايضا عدم استبدال الكوادر ذات الخبرة بكوادر شابة لتنمية الحزب، هذا بخلاف ان الدستور الجديد قد نص علي عدم السماح بإنشاء أحزاب دينية او ذات مرجعية دينية، ولهذا فإن الأحزاب السياسية مهددة بعدم الاستمرار علي الساحة السياسية وتقديم المزيد من النشاطات السياسية في مصر. يري الدكتور مصطفي علوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ان هناك عوامل عديده تهدد مصير الحياة الحزبية في مصر أهمها الانشقاقات والاستقالات المتوالية داخل عدد من الأحزاب السياسية، لان ذلك يمثل ضعف الحزب وعدم الترابط بين قياداته، مضيفا ان المشكلات المادية تعد ايضا عاملا مؤثرا علي قدرة الحزب علي الاستمرار، حيث يعاني المجتمع المصري أزمة اقتصادية اجتماعية، حيث إن أغلب الأحزاب إمكاناتها المادية ضعيفة إلا الأحزاب التي يدعمها رجال أعمال يتكفلون بمصاريف الحزب، مما جعل الكثيرين يبتعدون عن العمل الحزبي ويبدأون البحث عن عمل يساهم في رفع مستواهم المعيشي. وأشار 'علوي' إلي ان الكم الهائل الذي ظهر من الاحزاب عقب ثورة 25 يناير أدي إلي أنها هشة وغير متماسكة مما يجعل بقاءها ضعيفًا، كما انها ليس لها تأثير فعلي في الحياة السياسية خاصة في الظروف السياسية الحرجة التي تمر بها البلاد حاليا، بالإضافة إلي افتقارها للخبرة الحزبية لأنها أحزاب حديثة العهد في مجال العمل الحزبي. وأوضح الدكتور جمال سلامة رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة السويس، ان مصر لم تدخل مرحلة النضج الحزبي حتي الآن، جميع الأحزاب السياسية الموجودة علي الساحة السياسية تعاني المراهقة السياسية، خاصة العدد الكبير من الاحزاب التي تكونت بعد ثورة 25 يناير، قامت بناء علي أسماء قياداتها وليس علي أساس أيديولوجية وسياسة حزبية صحيحة، مما يجعل أغلبها هشًا وغير قابل للبقاء. وأوضح 'سلامة' ان عدم وجود فكرة مشتركة تجمع بين أعضاء الحزب الواحد هو سبب الاستقالات والانشقاقات التي شهدتها الأحزاب الفترة الاخيرة، كما ان المراهقة السياسية التي يعانيها العمل الحزبي حاليا، سببها عدم معرفة قياداتها بكيفية ممارسة العمل الحزبي، وذلك لا يجعل الأحزاب السياسية تعد ناضجة، حيث الكثير من السياسيين لا يفرقون بين العمل الحزب والثوري ويعتقدون ان التظاهرات عمل سياسي ولكنها في الاساس من شأن الثوار. ويري أحمد بان الباحث المتخصص في شئون الاسلام السياسي ان المادة 74 من الدستور والخاصة بتنظيم الأحزاب والتي تنص علي أن 'للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية، بإخطار ينظمه القانون، ولا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي، أو قيام أحزاب سياسية علي أساس ديني، أو بناء علي التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو علي أساس طائفي أو جغرافي، أو ممارسة نشاط معاد لمبادئ الديمقراطية، أو سري، أو ذي طابع عسكري أو شبه عسكري، ولا يجوز حل الأحزاب إلا بحكم قضائي'، يفسرها البعض بأنها حظر لقيام الاحزاب الدينية، ولكن في حقيقة الامر فالأحزاب الدينية في مصر تقام بأسلوب لا يجعلها تحت طائلة القانون، فلا يوجد مقياس لتقييم العمل الحزبي، ولذلك لابد من وجود مقياس حقيقي للممارسة، وأشار 'بان' الي ضرورة استيعاب تلك الأحزاب الدينية في الساحة السياسية حتي لا تلجأ إلي العمل في الخفاء، وتكوين شبكات وتجمعات سرية، لأنه في النهاية سوف تخسر الدولة كثيرا، بدلا من ان تعمل في النور وتكون الدولة علي علم بهيكلها التنظيمي وانتخاباتها ونشاطتها. ومن جانبه قال عبد الغفار شكر وكيل مؤسسي حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إن هناك عدة عوامل لابد من توافرها في الحزب السياسي لكي يضمن البقاء له فترة زمنية طويلة، وأهمها وجود أجيال متتالية من قيادات الحزب، حيث إن القيادات الشابة تتوفر لديهم معرفة بالوضع الحالي ونشاط وقدرة علي الاستمرار، مشيرا إلي أنه في حالة فقدان الحزب للعنصر الشبابي يصاب الحزب بالعقم ويهدد بالتفكك. وأضاف 'شكر' لذلك فإن حزبه يسعي دائما إلي ضم الشباب إليه حتي يواصلوا مسيرة الحزب، مؤكدا ان ذلك لا يعني تهميش دور القيادات الحزبية الكبيرة من مختلف الأجيال لتوسيع نفوذ الحزب علي المستوي السياسي، لذلك فتواصل الأجيال هو أساس قوة الحزب، وذلك من خلال ما يسمي ب 'العضوية النشطة' وهي الوعاء الداعم لقوة واستمرار الحزب. ويري 'شكر' ان الأحزاب المصرية للأسف تفتقد ظاهرة تواصل الأجيال ونادرا ما تشمل قيادات أقل من 30 عامًا، ولذك لا تعتبر أحزابا ولكن الاسم الأدق لها هو جماعات سياسية محدودة تمارس العمل السياسي لانها لديها برنامج مميز من وجهة نظر لجنة الأحزاب التي سمحت بتدشين الحزب، وتعد مجموعات تكونت كنوع من 'البيزنس'، مؤكدا ان الاحزاب الرئيسة وهي حزب الوفد وحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي والحزب العربي الديمقراطي الناصري وحزب العمل قبل تجميده، لا تتوفر فيها ظاهرة تواصل الأجيال فإن معني هذا أننا أمام تعددية حزبية لا مستقبل لها مهددة بالاندثار لعجزها عن كسب عضوية شبابية جديدة. وأكد محمد موسي عضو الهيئة العليا لحزب المؤتمر، ان اعتزال السيد عمرو موسي العمل الحزبي لايعني تفكك حزب المؤتمر، لان الحزب تأسس باتحاد 25 حزبًا وحركة سياسية ذات توجهات ليبرالية ويسارية برئاسة عمرو موسي، ثم من بعده السفير محمد العرابي، من أجل المساهمة الفعالة في العمل السياسي، ولذلك تغير رئيسه لايعني ان يتوقف الحزب عن العمل. وأضاف 'موسي' ان ضعف الحياة الحزبية في مصر يرجع إلي عوامل كثيرة منها ان المواطن المصري لا يعلم أمورًا كثيرة عن طبيعة العمل الحزبي مما يجعل فرصة مشاركة أفراد جدد في الحياة الحزبية ضعيفة، بالإضافة إلي حالة الكبت السياسي التي عاناها المجتمع فترة طويلة، جعلت المواطن حديث العهد بالديمقراطية وممارسة العمل الحزبي. ومن جانبه قال شهاب وجيه المتحدث باسم حزب المصريين الاحرار، إن أغلب الأحزاب الموجودة علي الساحة المصرية تعاني ما يسمي بشيخوخة القيادة، بمعني اختفاء القيادات الشابة من الأحزاب وعدم وجود تواصل بين الأجيال، وذلك موجود في الأحزاب القديمة مثل التجمع والوفد والحزب الناصري، بعكس الأحزاب الجديده التي تحرص علي وجود عنصر الشباب بشكل كبير للاستفادة من أفكارهم ونشاطهم.