تضم جزيرة العزبي التي تقع وسط بحيرة المنزلة حوالي خمسة آلاف نسمة معظمهم لا يحملون بطاقات شخصية والباقية المتبقية يتقاسمون التبعية لمحافظة دمياط التي تبعد حوالي 40 كيلو متراً عن الجزيرة ومحافظة الدقهلية التي تبعد حوالي 16 كيلو متراً.. الحياة هناك هادئة بسيطة أشبه ما تكون بحياة الإنسان البدائي خلال مرحلة العصور الوسطي المحروم من مفردات الحياة الأساسية.. فلا يوجد هناك مصدر لمياه الشرب أو الكهرباء ولا مكان للعلاج والتعليم. وقد قنع واستسلم الناس هناك منذ عشرات السنين وتمثلت طبيعة الحياة علي عمل الرجل بصيد الأسماك والطيور ومشاركة المرأة بتربية المواشي والدواجن وتمضي حياة الضياع هذه في إنتاج أجيال ضائعة محرومة من أقل متطلبات الحياة لتنضم إلي طابور الجهل والأمية وربما يكون بينهم عبقري وموهوبين من الممكن أن يحققوا الكثير لوطنهم حال نشأتهم في أحضان البيئة التي تسمح باكتشافهم وتنمية قدراتهم. السيد العزبي أحد أقدم قاطني العزبة يشير إلي أن المعلوم لدينا عن نشأة هذا المكان يرجع إلي يوم شتاء عاطف دفع احدي المراكب يميناً وشمالاً حتي استقرت ناحية الجزيرة وتكرر المشهد مع أسرة أخري فاستقرت الأسرتان وتزاوج الأبناء وتوالي النسل إلي أن اعتمرت الجزيرة ووصلت إلي ما وصلت عليه الآن. وفرصة التعليم التي فرضت نفسها هي الكتاتيب. وحينما شعر أحد مشايخ الجزيرة بخطورة الموقف لأن الأولاد يحفظون القرآن ولا يكتبون فتبرع بحجرة بملحقاتها لتكون نواة لمدرسة وهذا الفصل يضم ثلاثين تلميذاً من مختلف الأعمار والتربية والتعليم بالدقهلية إذا أرسلت أي مدرس إلينا يأتي يوماً واحداً ولايعود بعدها لصعوبة الوصول والعودة. وبالتالي أصبح مشروع المدرسة بمثابة مأوي للتلاميذ دون تعليم أو تحصيل للعلم والمعرفة. يضيف أن الدكتور عبدالعظيم وزير محافظ دمياط الأسبق حينما زار العزبة وعد بإنشاء مجمع خدمي وتعليمي وصحي. ومع انتقاله محافظاً للقاهرة تبخر هذا الحلم. يقول أحمد صلاح إن الأهالي هنا مرتبطون بمحافظة دمياط لقضاء مصالحهم ولا توجد هناك وسيلة للوصول هناك سوي اللنش "الحسكة" ويقطع المسافة في حدود ساعتين. أما اللنش الصاروخ يقطعها في زمن قدره "45 دقيقة" ويذهب مرة واحدة يومياً ويعود في نهاية النهار ومن يخونه توقيت اللنش لايذهب ولا يعود إلي العزبة إلا في اليوم التالي. كامل السيد يشير إلي أن هذه الجزيرة سقطت من حساب المسئولين وكأنها غير مصرية. فليس من المعقول أن نعيش دون رعاية صحية دون وحدة صحية. فمن يمرض ينتظر حتي ينقل باللنش إلي دمياط ومن يشتد مرضه ويموت تنقل جثته في اللنش للدفن في دمياط. فهذه مأساة بكل المعاني. سلامة عبدالرحمن يقول إنه لا يوجد مصدر لمياه الشرب ومازلنا نمارس عادات المصريين القدماء ونذهب إلي أقرب قرية علي بعد عشرات الكيلو مترات لجلب المياه أو ننتظر السقا الذي يحضر إلينا ونشتري منه جركن المياه بجنيهين. الأسوأ من ذلك أننا لا نعرف الكهرباء حتي الآن وبعض الميسورين نسبياً يمتلكون ماكينات كهرباء تعمل لمدة أربع ساعات تقريباً ويتوقف في العاشرة مساء ليعم الظلام الحالك علي كل بقعة داخل منازل وشوارع العزبة. ولا مجال لكل الناس سوي إيقاد لمبة الجاز ويتساءل ماذا تتوقع من أبناء هذه البقعة المصرية أن يقولوا لوطنهم وبلدهم في ظل هذه الظروف الصعبة. وفي نفس الوقت الذي اقتحم فيه الرئيس السيسي رئيس الجمهورية ملف العشوائيات وأعاد بناء العديد منها علي أحدث الطرق العصرية كي تكون نقطة ضوء يشع من خلالها وتتفجر من جوانبها شعاع الأمل والحضارة لأبناء هذا الوطن. أشارت منال حمدي إلي أن ظاهرة الزواج المبكر تفرض نفسها داخل الجزيرة نتيجة لاختصار نفقات الزواج من حيث تأسيس المسكن والشبكة والاحتفال بالزمان كلها أمور سهلة وميسورة ويلعب التكافل بين الأسر نوعاً أساسياً في هذه المسألة فيتراوح سن الزواج عند الشباب ما بين 16-18 سنة وبالنسبة للفتيات ما بين 12- 18 سنة. كما تشير إلي أن غياب التعليم والثقافة والتليفزيون يدفع الأطفال دائماً إلي الغوص في حواديت الجن والعفاريت وجوف المياه الذي ابتلع أحد أقرانهم نتيجة انجراف ساقية داخل المياه ولم تسعفه اضاءة لمبات الجاز وسكنت حركته داخل المياه التي خرج منها فاقداً للحياة. وبالتالي فإن تطوير المكان والتركيز علي إنشاء مدرسة للأخذ بيد هؤلاء الأطفال عامل حيوي ومهم للغاية. يقول حسن البليسي إن البعض هنا يحمل بطاقات تابعة لمحافظة دمياط والبعض الآخر تابعة للدقهلية إلي جانب أن هناك الكثير منهم دون بطاقات وهكذا تتعاظم أبجديات الحياة بشكل مؤلم. يقول حسام عبداللطيف رئيس مدينة الجمالية إن مشكلة جزيرة العزبي قد لاقت اهتمام المحاسب حسام إمام محافظ الدقهلية وأوفد المهندسة زينب مساعد المحافظ لرصد الوضع علي الطبيعة وقد تم التواصل مع محافظة دمياط وتعهدت الدقهلية بتوفير مساحة من الأرض لإقامة مجتمع عمراني جديد لأبناء الجزيرة خارج البحيرة يشتمل علي المرافق الأساسية إلي جانب الخدمات الصحية والتعليمية وجميع مفردات الحياة الأساسية وفي نفس الوقت يستطيع أن تفرض السيطرة الأمنية والإدارية علي الجزيرة بحيث لا تكون مأوي للخارجين علي القانون وملجأ لأصحاب السوابق والبلطجية. والأغرب من ذلك أنه حسب المسح الميداني للجزيرة تجد أن هناك رفضاً من جانب الأهالي علي تفريغ الجزيرة باعتبارها مصدراً رئيسياً للتكسب من خلال مهنة صيد الأسماك والطيور وتربية المواشي. ولكننا سنتواصل مع الأهالي لإقناعهم بأهمية إنشاء المجتمع العمراني الجديد من أجل مصالحهم ومصالح أبنائهم.