تابعت معظم التقارير المنشورة في الصحف عن الندوة التي نظمها المركز المصري للدراسات الاقتصادية في مدينة الأقصر بمشاركة مجموعة مميزة من خبراء الاقتصاد وأعضاء مجلس النواب.. وهالني حجم النقد اللاذع الذي وجهه هؤلاء الخبراء والنواب لمشروع قانون الاستثمار الجديد المطروح حالياً من جانب الحكومة للحوار المجتمعي.. والمتوقع الانتهاء منه آخر نوفمبر الجاري. وعرضه مباشرة علي مجلس النواب لإقراره. ووفقاً لما ذكره الخبراء والنواب فإن مشروع القانون طويل ومعقد ويصعب علي المستثمر فهمه والتعامل معه.. ونصوصه مطاطة وفضفاضة. وغير محددة.. ولذلك ليس من المنتظر أن يحقق الآمال المعقودة عليه لجذب الاستثمارات وحل مشاكل المستثمرين. وأجمع المشاركون في الندوة علي أن الأمر يتطلب إعادة نظر في مناخ الاستثمار بشكل عام.. ووجود تناسق بين التشريعات المتعلقة بالأنشطة الاستثمارية ووضوح السياسات الاقتصادية والضريبية.. وتبسيط إجراءات الحصول علي التصاريح والتراخيص. والاهتمام بتدريب العمالة. ورفع كفاءتها. وتوفير الأراضي الجاهزة للاستثمار بأسعار معقولة. أضف إلي ذلك أن تهيئة مناخ الاستثمار تتطلب مكافحة الفساد في الجهاز الإداري للدولة بشكل مؤسسي.. ووضع الأطُر التي تمنع ظهوره في التعاملات المختلفة. وليس الاكتفاء بتعقب بعض الأفراد.. ووضع خريطة استثمارية في المدن المختلفة.. ووجود قاعدة بيانات قوية وحديثة.. وآلية واضحة لضبط الأسواق.. ووضع ضمانات محددة للمستثمر حول حرية دخول وخروج أمواله. كل هذه الانتقادات والمطالبات جيدة ومُقدَّرة لسد ثغرات مشروع القانون.. لكن المفاجأة المدوية كانت في الإدانة الواضحة الصريحة للحكومة التي أعطت في القانون إعفاءات ضريبية مُبالغاً فيها للمستثمرين.. في الوقت الذي تضغط بقوة علي محدودي الدخل بالضرائب وزيادة الأسعار ورفع الدعم وتعويم الجنيه. في هذه النقطة تحديداً أجمع المشاركون في الندوة علي أن الإعفاءات الضريبية لم تعد من المحفزات التي يسعي إليها المستثمر لأنه إذا لم يدفع الضريبة هنا فسوف يدفعها في بلده.. وبذلك تخسر خزينة مصر مورداً مهماً من مواردها. في هذا الإطار قال د.زياد بهاءالدين. الذي تولي عدة مناصب تتعلق بالاستثمار.. فكان رئيساً لهيئة الاستثمار. ثم نائباً لرئيس الوزراء. ووزيراً للتعاون الدولي: إن مسودة القانون منحت إعفاءات ضريبية تكشف عن تناقض بين فكر الحكومة السياسي والاقتصادي.. فكيف تكون في بلد يحتاج زيادة الإنفاق وتخفيض الإيرادات الضريبية عن طريق الإعفاءات؟!!.. وكيف تُفرَض ضرائب علي المواطن الموظف الذي يعاني من انخفاض قوته الشرائية نتيجة للقرارات الأخيرة الخاصة بالإصلاح الاقتصادي.. بداية بفرض ضريبة القيمة المضافة التي حلت محل المبيعات. ورفعتها من 10% إلي 13% وزيادة سعر الكهرباء ومنتجات البترول. إضافة إلي تحرير سعر الصرف وانخفاض قيمة العملة المحلية بشدة.. كيف يدفع هذا المواطن ضرائب لا يدفعها المستثمر؟!! وأضاف بهاءالدين: "مصر في أمس الحاجة فعلياً لجذب الاستثمارات الأجنبية في الوقت الراهن.. وهي سترتفع بشدة الفترة المقبلة بدون إعفاءات ضريبية.. لأن تعويم الجنيه خفض تكلفة الاستثمار ومصر باتت رخيصة جداً.. لذلك لا يوجد ما يضطر مصر للتنازل عن هذه الحصيلة لدولة المنشأ.. لأن المستثمري الذي لا يدفع هنا سيدفع الضرائب في بلاده". عمر مهنا. رئيس المركز المصري. رئيس شركة السويس للأسمنت.. أكد أيضاً أهمية فرض ضرائب علي المستثمرين.. وتوقع انخفاضاً كبيراً في حصيلة الضرائب هذا العام بسبب مشاكل الصناعة.. وكذلك قالت الخبيرة المصرفية عضو مجلس النواب. بسنت فهمي: "ما ينفعش أسيب الضرائب هنا. ويدفعها المستثمر في بلاده". والسؤال الآن: لماذا لم تستشر الحكومة هؤلاء الخبراء قبل إعداد مشروع القانون؟!!.. الواضح أنها تعمل بعقلية 1971. ولا تعرف المتغيرات المتسارعة في العالم من حولنا.