تنشر "المساء" اليوم الحلقة الثانية من تاريخ البرلمان المصري وما صاحبه من تطورات سياسية.. ويأتي ذلك استكمالاً لما نشر بعدد الأمس. حيث انتهت الحلقة الأولي من الموضوع عند حل البرلمان بعد فوز سعد زغلول بالأغلبية. أصدر الملك فؤاد يوم 23 مارس سنة 1942 مرسوماً بحل مجلس النواب عندما اكتشف أن وزارة زيوار باشا أصدرت بياناً كاذباً بأن الأحزاب غير الوفدية حصلت علي أغلبية الأعضاء في الانتخابات.. وبعد ظهر اليوم دخل رئيس الوزراء إلي قاعة المجلس وفوجيء بأن رئيس البرلمان المنتخب هو سعد زغلول لأنه حصل علي الأغلبية.. وأسرع زيوار باشا إلي الملك ليقدم استقالته ولكن الملك فؤاد رفض الاستقالة وأسرع بإصدار مرسوم بحل مجلس النواب في نفس يوم انعقاده. ويروي عبدالرحمن الرافعي حكاية حل المجلس فيقول: إن مجلس النواب استأنف اجتماعه في الساعة الخامسة من مساء هذا اليوم ورأس الجلسة سعد زغلول باشا وأخذ الأعضاء في انتخاب الوكيلين وبعدها انتخاب السكرتيرين ثم أخذ الأعضاء في انتخاب المراقبين وفي أثناء وضع أوراق الانتخاب في الصندوق استأذن سعد باشا في الانصراف بعد أن وضع ورقته. وفيما كانت الأوراق تفرز فوجيء الحاضرون برئيس الوزراء زيوار باشا يعلن بأن الوزارة رفعت استقالتها إلي جلالة الملك فرفض قبولها واقترحت علي جلالته بحل المجلس فأصدر مرسوماً بحله. الاجتماع في الكونتننتال عمت الدهشة الأعضاء وثار كلام كثير حول عدم دستورية الحل.. وأن المجلس قائم رغم أنف الجميع وأعلن الأعضاء أنهم سيجتمعون في الموعد الدستوري للانعقاد وهو 23 نوفمبر ..1925 ولكن الحكومة أقرت منع الاجتماع وفي مساء يوم الجمعة 20 نوفمبر تم توزيع "قوات أمنية" في الشوارع وحول دار البرلمان لمنع الاجتماع فيه وسلم معاون بوليس البرلمان مفاتيحه ومفاتيح جميع غرفه ومكاتبه إلي قائد القوة العسكرية التي عهد إليها منع الاجتماع. وعندما رأي النواب إصرار الحكومة علي منع الاجتماع.. قرروا عقد الاجتماع في الموعد الذي حدده الدستور وهو السبت 21 نوفمبر في فندق الكونتننتال بميدان الأوبرا "إبراهيم باشا سابقاً" وامتلأت ردهات الفندق الكبري منذ التاسعة صباحاً بهم فكان منظر اجتماعهم في هذا المكان رمزاً للتحدي حيث كانت الحماسة بالغة وبعد أن اكتمل جمع أعضاء المجلسين الشيوخ والنواب في شكل مؤتمر أصدروا عدة قرارات وطبيعي أن يثأر أعضاء البرلمان لموقف الحكومة فأصدروا قراراً بعدم الثقة بها.. ووقع جميع الأعضاء علي هذه القرارات. موعد بدون تنفيذ ورأت الحكومة أن تفتح باب الانتخاب في 22 فبراير ولكنها لم تحدد في المرسوم موعد إجراء الانتخابات وأخذت الوزارة تسوِّف في تحديد الموعد إلي أن صدر مرسوم آخر بتحديد يوم 22 مايو 1926 ولم يجتمع البرلمان إلا يوم 10 يونيو وكان هذا هو الانقلاب الثاني الذي دبره رئيس الوزراء أحمد باشا زيوار ضد الديمقراطية والمجلس النيابي. انقلاب 1928 ونأتي إلي انقلاب دستوري آخر تم عام 1928 مع وزارة محمد محمود باشا الذي كان وزيراً في وزارة مصطفي النحاس باشا واستقال في مؤامرة واضحة للإطاحة بوزارة النحاس باشا ونجح في ذلك وتولي رئاسة الوزارة وفي 19 يوليو 1928 استصدر مرسوماً بحل مجلس النواب وتعطيل الحياة النيابية لمدة ثلاث سنوات وأوضح أمر الحل أن السلطة التشريعية في هذه الفترة يتولاها الملك. المهم أن هذه الوزارة عطلت 92 صحيفة و21 مجلة سياسية وأدبية بحجة أن المعارضة لم تتعفف عن الكذب والتشويه كما جاء في كتاب الدكتور عبدالواحد النبوي.. المعارضة في البرلمان المصري وذكر أيضاً أن الوزارة أصدرت مرسوماً آخر بفرض عقوبة عل كل من يحرِّض علي كراهية النظام. ومرة أخري يقرر النواب عقد اجتماع لهم في أي مكان إذا منعوا من الاجتماع في البرلمان.. وعقدوا بالفعل اجتماعاً في دار الشريعي وقرروا إرسال وفد إلي الملك لمناشدته إعادة الحياة النيابية وقرروا أيضاً حجب الثقة في الوزارة وبطلان قرار الحل واستمر محمد محمود في رئاسة الوزارة لمدة 12 شهراً ثم استقال وتولي بعده عدلي يكن الذي أجري انتخابات نزيهة وتعود الحياة النيابية بقيادة الأغلبية الوفدية. وزارة صدقي باشا وفي سنة 1930 تولي رئاسة الوزارة إسماعيل صدقي باشا وكان أول إجراء اتخذه هو استصدار مرسوم بتأجيل انعقاد المجلس لمدة شهر ابتداء من 21 يونيه سنة ..1930 ولكن رئيسي مجلسي النواب والشيوخ أصرا علي أن يقرأ مرسوم التأجيل علي الشيوخ والنواب في المجلسين .. ووافق رئيس الوزراء بشرط ألا يطلب أحد من الأعضاء الكلام.. ولكن رئيس مجلس النواب أرسل خطاباً شديد اللهجة إلي إسماعيل صدقي معترضاً علي تدخل السلطة التنفيذية في إدارة جلسات المجلس. كذلك احتج رئيس مجلس الشيوخ لدي رئيس الوزراء الذي أرسل "قوات أمنية" لتحتل البرلمان. كانت بالفعل أياماً عصيبة وانتهي الأمر بصدور مرسوم في شهر أكتوبر 1930 بحل مجلسي البرلمان وإعلان الدستور الجديد.. وقررت الوزارة تحديد موعد لإجراء الانتخابات.. في شهري مايو ويونيه 1931 واستعدت الحكومة لإدارتها بأسلوب القوة وتحولت العاصمة يوم الانتخابات.. كما جاء في كتاب الدكتور محمد حسين هيكل مذكرات في السياسة المصرية تحولت إلي ميدان قتال ووقعت حوادث أليمة واحتج الشعب بكل طوائفه وفرَّق علي العمال كشوف الانتخابات وأغلقوا ورشهم وسيطر شعور اللامبالاة علي الانتخابات.. وجرت انتخابات النواب في أول يونيه 1931 والشيوخ في 11 يونيه. جاء بعد إسماعيل صدقي.. محمد توفيق نسيم لكي يستقيل في بداية عام 1936 ويتولي علي ماهر باشا حيث أجمعت الأحزاب علي أنه الرجل المناسب لإجراء الانتخابات بحيادية مطلقة. تم إجراء الانتخابات للمجلسين في شهر مايو سنة 1936 في حرية تامة واكتسح الوفد أيضاً في معظم الدوائر وشكل زعيم الأغلبية مصطفي النحاس باشا الوزارة واستمر البرلمان في عمله وأيضاً النحاس باشا إلي أن صدر قرار إقالة في 30 ديسمبر 1937 للنحاس باشا.. وشكل محمد محمود باشا الوزارة الجديدة وكان زعيم المعارضة في مجلس النواب وعاد علي ماهر باشا ليشكل وزارة جديدة في 18 أغسطس 1939 وأبقي أيضاً علي مجلس النواب.. الذي عقد معه ماهر باشا اجتماعاً سرياً لمناقشة التسهيلات التي تمنح لبريطانيا بعد أن دخلت إيطاليا الحرب طبقاً لمعاهدة 36 وهي لا تلزم مصر بإعلان الحرب.. وفي 21 يونيه 1940 استقال علي ماهر وتولي بدلاً منه حسن صبري.. واستمر معه البرلمان ووافقا علي عدم دخول مصر الحرب إلي جانب بريطانيا. وفي سنة ..1952 كان مجلس النواب يحتوي علي أغلبية مطلقة من الوفديين واستمر في عمله إلي أن اندلعت حرائق 26 يناير 1952 فاضطر الملك إلي إصدار مرسوم بتأجيل اجتماعاته ثم أصدر مرسوماً آخر بحل المجلس وإجراء انتخابات لاحقة.. ولكن المجلس ظل متجمداً حتي عام 1957 عندما قررت الثورة إجراء أول انتخابات برلمانية.. ودخلت فيها المرأة لأول مرة الانتخابات عن دائرة الدقي وحققت نجاحاً. وتوالت المجالس البرلمانية بعد ذلك وقد تغير اسمها من مجلس النواب إلي مجلس الأمة ثم إلي مجلس الشعب وأخيراً عاد إلي اسمه الذي كان قبل الثورة وهو مجلس النواب. وفي معظم الأحوال كان المجلس النيابي لا يستمر طويلاً إلا مرات معدودة فإما أنه كان يتم حله لعدم دستوريته أو لعوار حدث أثناء الانتخابات أو لأسباب أخري وفي كل مرة كان عدد الأعضاء يختلفون تبعاً لزيادة السكان وعدد الدوائر الانتخابية. وأصبح مجلس النواب حقيقة هو مصدر التشريع الأول والرقيب الأول علي أداء الحكومة. فوز غير متوقع ** في أول انتخابات برلمانية تم إجراؤها في عهد أنور السادات.. وكانت تحت إشراف ممدوح سالم.. تمت في حرية مطلقة وبدون تزوير لدرجة أن أحد أقطاب حزب الوفد "عبدالفتاح حسن" وأحد الضباط الأحرار "كمال الدين حسين" قد فازا فيها.. ولكن لأنهما خرجا عن الخط المرسوم فقد تعرضا لتساؤلات من قبل لجنة القيم. * في انتخابات مجلس النواب سنة 1950 حدثت أعمال تزوير كثيرة.. لدرجة أن أحد رجال الإدارة قام بإلقاء صناديق الاقتراع في الترعة ووضع بدلاً منها صناديق كلها تشير إلي مرشحي الوفد فقط.. ووقف مرشح عن حزب آخر يقول.. هل من المعقول أن لا أحصل علي صوت واحد.. وهل من المعقول أن لا أعطي صوتي لنفسي.. وقال إذن أنا دخلت الانتخابات "عياقة". "راوية عطية" ** أول نائبة دخلت إلي مجلس الأمة عام 1957 كانت السيدة راوية عطية.. وكانت من قيادات العمل الاجتماعي وحققت نجاحاً كبيراً علي منافسيها.. وكانوا من علية القوم غير المرْضِي عنهم. الملوك لا يمنحون ** عندما قرر الخديوي إسماعيل إنشاء مجلس شوري النواب قال البعض إنه أراد أن يكمل شكل الدولة ويزيد الحكم بهاء ورونقاً بمجلس من الأعيان يناقش الأمور الداخلية في إطار محدد لا يمس جوهر الحكم المطلق وهو بهذا منحة من الخديوي.. ولكن هناك من رفض أن يكون المجلس منحة قائلاً الملوك لا يمنحون وإنما يرضخون صاغرين لرغبات الشعوب..!! مجانية التعليم ** في الدورة البرلمانية لشوري النواب في دور انعقاده الأول استجابت الحكومة لاقتراح الإتربي بك أبو العز الذي نادي بتعميم التعليم في المديريات وجعله مجاناً واستجابت الحكومة لذلك ولو لم يكن للمجلس أي نشاط غيره لكفاه فخراً. ** في دور الانعقاد في 22 يناير 1879 كان رد النواب علي خطاب العرش للخديو إسماعيل قوياً وبشكل مذهل فقد ذكروا "نحن نواب الأمة المصرية ووكلائها المدافعون عن حقوقها المطالبون لمصلحتها". وكان هذا الكلام بداية لم يألفها الخديو ولا الشعب المصري نفسه وكان ذلك بداية حقيقية لظهور معارضة قوية. مد امتياز القناة ** كان من أخطر القضايا التي قمت المعارضة بدور محوري فيها قضية مشروع "امتياز شركة قناة السويس" لمدة 40 سنة أخري أي ينتهي امتيازها عام 2008 حيث كان الامتياز سينتهي في 1968 وكانت الصحف قد فجرت هذه القضية علي صدر صفحاتها امتداد من أكتوبر 1909 وجرت مفاوضات تكاد تكون إيجابية بين الحكومة المصرية وشركة قناة السويس وتقضي هذه المفاوضات بأن تدفع الشركة مبلغ أربعة ملايين جنيه مقابل مد الامتياز. ولكن النواب عارضوا هذه الأفكار جملة وتفصيلاً.. وقال المؤرخون إن المجلس النيابي لم ينجز عملاً طوال ثلاثين عاماً في عهد الاحتلال مثلما أنجز هذه المعارضة لمشروع مد الامتياز. اهتمام متكرر بالشعب ** في خطاب العرش الذي ألقاه إسماعيل صدقي في المجلس النيابي في 17 ديسمبر 1931 الموعد الثاني أشار فيه إلي اهتمام الحكومة بقضية البطالة التي سببتها الأزمة الاقتصادية واهتمامها أيضاً بإيجاد وسائل التحضر مثل توفير المياه والكهرباء وتجفيف البرك والمستنقعات وافتتاح المستشفيات كما أعلن عن الاهتمام بمشاكل المزارعين وتقسيط ثمن الأسمدة والبذور وخفض ضريبة القطن وحماية المحاصيل عن طريق التعريفة الجمركية والاهتمام بتسويق القطن وإنشاء مصانع للصناعات الغذائية وإكمال النقص في التشريع كذلك أعلن عن سماح الحكومة لبنك مصر بتأسيس شركة مصرية للطيران واهتمام الحكومة بالتعليم وتطويره والإشراف علي التعليم الأهلي.. هذا ما جاء في كتاب المعارضة في البرلمان المصري. * في اجتماع المجلس النيابي سنة 1936 قال محمد عزيز أباظة باعتباره واحداً من كبار الملاك الذين أصابتهم الأزمة الاقتصادية العالمية فأوضح أن الأزمة المالية مازالت تأخذ بخناق البلاد وأن الأطيان المرهونة للبنوك تصل مساحتها إلي 844 ألف فدان وهي مدينة بنحو 5.23 مليون جنيه. وطالب رئيس الوزراء ووزير المالية بالتوسط لدي البنوك الدائنة لحل مشكلة الديون كما طالب بالبدء في تحسين حالة العلاج لأن ذلك يستغرق وقتاً طويلاً. أين كرامة البلاد؟ ** أثارت المعارضة في البرلمان ما وصفوه بالاعتداء علي استقلال البلاد وبرروا ذلك بتصرفات اللورد لومير المعتمد البريطاني واهتمام الإدارة به في كل تنقلاته والتساهل معه في كثير من الأمور حتي أنه لم يقدم أوراق اعتماده إلي الملك ممثلاً لبلاده كغيره من ممثلي الدول وتساءلوا أين إذن كرامة الملك وكرامة البلاد وقالوا: ليس هذا فقط ولكن هذا التفريط من جانب الحكومة المصرية دفع المعتمد البريطاني إلي التدخل في شئون الدولة صغيرها وكبيرها تدخلاً يهدم كل استقلال وتقويض أركان السيادة. لم تكن هذه العجرفة من اللودر لومير فقط في هذه التصرفات ولكنها امتدت إلي تشبهه بالملك حيث يميل للظهور بمظهر سيد الرعية وتعددت زياراته للأقاليم المصرية واستُقبل فيها بنوع من الأُبهة والفخامة خاصة عند زيارته للمنيا في عام .1927 وقد انتقد فكري أباظة حرارة استقبال لومير والاهتمام به والبذخ في مظاهر الاستقبال وبعد عاصفة من الانتقادات والتي وجهها النواب إلي رجال الإدارة بمديرية المنيا استعملت فيها ألفاظاً مثل وصمة لا تنمحي.. خيانة عظمي.. يجب أن نسمعهم اللغة التي يفهمونها لغة العقاب.. وافق المجلس علي الاقتراح باستنكار تصرف الموظفين في هذا الحادث. تخفيض المرتبات ** في عهد وزارة عدلي يكن باشا بين عامي 1926 1927م طلب إبراهيم الهلباوي عضو المجلس تخفيض مرتبات الموظفين وتخفيض عددهم كما طلب فكري أباظة سرعة عرض وزير المالية للكادر الجديد للموظفين حتي يناقشه المجلس ويبلغه للحكومة وذلك لسرعة الخروج من أزمة زيادة المرتبات التي نبه النائب مصطفي الشوربجي إلي خطورتها وخطورة نظرية الحق المكتسب في حين أن هناك نظرية أخري هي مصلحة الدولة..! ** ومرة أخري في ظل الأزمة المالية العالمية. اعترض محمد حافظ رمضان علي عدم تقديم الحكومة برنامج الاقتصاد في مرتبات الموظفين التي وصلت في ميزانية 1932 1933 إلي 14 مليوناً و720 ألف جنيه بنسبة 4.39% من إجمالي المصروفات.