الارقام تقول إن عدد المباني المخالفة في القاهرة في نهاية سنة 2015 بلغ حوالي خمسة ملايين مبني. وأن إجمالي العقارات المقامة دون تراخيص يقارب 318 ألف عقار. أرقام مفزعة. لكنها حقيقية. مصدرها الهيئة العامة لتعاونيات البناء والاسكان. وهي جهة حكومية متخصصة. المعني الوحيد الذي تواجهنا به هذه الارقام اننا نحيا في مدينة شائخة. متهالكة. تستطيع الطبيعة بهز كتفيها في أي زلزال- لا قدر الله- أن تحدث فيها من الكوارث ما يصعب تصوره. اذكرك بالمآسي التي لحقت ببنايات القاهرة في تسعينيات القرن الماضي. لم تقتصر علي البنايات القديمة. لكنها شملت الكثير من البنايات الحديثة. أو التي في طور الانشاء بعد ان جاوزت طوابقها العشرين! الاسباب معلومة. تطالعنا في البنايات المتصدعة التي تتكفل الرشاوي بمنع قرارات إزالتها. وعدم تعلية الطوابق التي شيدت لها أساسات المبني. ورفض البعض- لعدم وجود السكن البديل- مغادرة بيوتهم الآيلة للسقوط. يتغافلون الخطر القائم حتي يسقط البيت. المثل شاهدته بنفسي في شارع حسن الاكبر. أثناء ترددي علي مبني دار الكتب بباب الخلق. البناية المائلة مثل برج بيزا. يصر سكانها علي البقاء فيها. ويقفز السؤال المتكرر: من المسئول. هل هم سكان العقار؟ أو صاحبه؟ أو المهندس الذي سكت عن بوادر الخطر حتي حدث بالفعل. لكن السؤال يغيب. ننساه. أو نتناساه. وتظل المشكلة قائمة في الارقام الخطيرة للبنايات المخالفة. أو المقامة بدون ترخيص. أو التي شيدت بمواد غير مطابقة لأدني حد من مواصفات السلامة. والمثل فاجأنا في عمارات الاحياء الجديدة. أثناء زلزال 1992. ابتلعت ساكنيها. وسقطت كلعبة ورقية. نتيجة الرماد البركاني من رومانيا. اشتراه أصحاب البنايات وقتها باعتباره أسمنت. خلطوا به الحديد المسلح والطوب. وشيدوا الارتفاعات الهائلة. دون التحقق من صلاحيته للبناء. أذكر ان العاصمة اليابانية طوكيو كانت تعاني سقوط الكثير من بناياتها بتأثير الهزات الارضية التي تعاودها علي فترات متقاربة. ولأن التواكلية والاعتذارية شأن يخصنا. لا شأن به للآخرين. فقد جعلت الحكومة اليابانية من إنقاذ بنايات العاصمة من الاخطار المحتملة مشروعاً قومياً. قلل فيه العلم من احتمالات الخطر. وصارت طوكيو- وبقية المدن اليابانية- مهيأة لحماية مواطنيها. اتهام المحليات سهل.. لكن المسئولية أخطر من أن تعلق في رقبة مهندسي الإدارة المحلية. انها تتصل بما تعانيه حياتنا من التواكلية والاعتذارية. وأن الوقاية سابقة علي العلاج. فلا معني لانقاذ من لحقته حشرجات الموت!