يبدو أن "الإسكندرانية" فقد فقدوا لمستهم السحرية في الذكاء والفهلوة ليضربوا رقماً قياسياً في تعرضهم للنصب وتوظيف الأموال بين المحافظات.. بعد أن اصبح الاسكندراني يبحث عن النصاب ليعطي له أمواله بدون ضمانات ثم يبكي علي اللبن المسكوب. أكثر من عشرين قضية توظيف أموال ونصب شهدتها الإسكندرية في أشهر قليلة فقد فيها المجني عليهم مليارات الجنيهات بعد ان اصبحت قضية النصب الواحدة تتعدي الثلاثين مليوناً. في البداية يقول اللواء "شريف عبدالحميد" مدير مباحث الاسكندرية بالفعل تعددت البلاغات في الآونة الأخيرة في قضايا نصب أو توظيف أموال يتعرض فيها المواطنون للخداع ونادراً ما يرد المتهم الأموال التي تحصل عليها بصورة كاملة أو جزئية.. ولكن زيادة هذه البلاغات تعود لسبب واحد وهو "الطمع" فالمجني عليهم يسارعون بمنح أموالهم لمن يدفع فائدة أعلي من البنوك بحثاً عن ربح غير قانوني في الأساس دون البحث عما يجنيه أي مشروع محققاً هذه الأرباح الطائلة. العميد "أشرف الجوهري" رئيس مباحث الأموال العامة يقول.. بالرغم من زيادة عدد قضايا توظيف الأموال علي وجه التحديد في الآونة الأخيرة فإن الأعداد قد تفوق الذي تم الابلاغ عنه لأن بعض المنخدعين لا يزال عندهم أمل في عودة أموالهم وبالتالي لا يبلغون عما تعرضوا لهم فاتحين مجال التفاوض مع النصاب حتي النهاية لإصرارهم علي خداع أنفسهم. أضاف هناك فرق بين قضايا توظيف الأموال والنصب فالقائم علي توظيف الأموال يكون المبلغين أكثر من ثلاثة وليس بينهم علاقة أو جيران ومن يتلقي الاموال يتلقاها بصورة عشوائية ويعلن عن نشاطه بصورة واضحة ويصرف فائدة محددة وثابتة وعادة أما "10%" شهرياً أو "25%" كل ثلاثة أشهر. أضاف.. المحزن بالفعل عندما تفاجأ بأن المجني عليهم باع بعضهم ذهب زوجته أو شقته ويقيم في شقة مستأجرة لتوظيف أمواله ثم يفقدها أو من يترك شركته وتجارته ويضع أمواله في شركات توظيف أموال سعيا وراء ربح ثابت وعال والنتيجة النهائية هي "الندم". أوضح.. هناك قضايا هي الأغرب من نوعها بعد أن اصبح محترفو النصب يلجأون لجميع السبل فمثلاً.. سبق لنا القبض عدة مرات علي موظفين بالأوقاف يقومون بالنصب علي المواطنين بقدرتهم علي تشغيل ابنائهم بالوزارة ويقوم بكتابة عقود وهمية نظير الحصول علي آلاف الجنيهات ثم يصرف من جيبه الخاص مرتبا قدره "500 جنيه" للحصول علي المزيد من الأموال من ضحايا جدد ثم يلوذ بالفرار. قال.. وهناك "زكريا السروجي" "هارب" وقد تمكن من الحصول علي مبلغ "8 ملايين جنيه" من ضحاياه لتوظيف اموالهم في "البط" و"الفراخ" مقابل فائدة مالية تقدر ب 10% تقريباً وبالطبع لو فكرت الضحية قليلا لاكتشفت استحالة تحقيق ارباح كبيرة من تجارة البط ولكنه الطمع يعمي الأعين. قال وهناك من خدع المواطنين بأن لديه فدادين شاسعة في منخفض القطارة وأقنعهم بتوظيف اموالهم لديه في الحاصلات الزراعية. أما الأغرب فهو قصة "محام" تمكن من النصب علي المواطنين والعاملين معه وزملائه علي مدار "عشرين عاماً" في توظيف أموالهم لديه في أعمال البناء ومستلزماته مثل الحديد والاسمنت والرمل وغيره واستمر في سداد الفائدة محققاً أرباحاً طائلة اشتري خلالها منازل وافتتح أفرعاً لمكتبه وذاع صيته حتي توقف عن الدفع فجأة فانهالت البلاغات. أضاف.. لم يترك النصابون علي اختلاف قضاياهم اسلوباً للنصب إلا استخدموه سواء في تجارة الجلود أو المواد البترولية أو السلع الغذائية واكسسوارات السيارات والموبايلات والمواشي وللأسف أصبح المواطن ينخدع بأبسط الطرق بحثاً عن مزيد من الارباح دون البحث عن اسباب او الطرق التي تأتي منها الأموال وتبقي في النهاية الاصعب وهو توظيف الأموال في الاتجار بالمخدرات ويطلق عليه اسم "جمعية" لأنه في حالة سقوط شحنة المخدرات في يد الشرطة لا يستطيع بالطبع المشارك الإبلاغ عن ضياع أمواله. أما الخبير الجنائي اللواء "رفعت عبدالحميد" فيقول.. "توظيف الأموال" و"النصب" كلاهما يقعان تحت باب الأموال أو "جرائم المال".. والمتهم والمجني عليه كلاهما طماع ولعل الجديد في عالم النصب والتوظيف معاً هي الاتجار "بالدولار" الذي اصبحت فيه "ربات المنازل" بعد بيع مصوغاتهن والمشاركة إما في عملية التخزين أو نقل الدولار أو شحنة أو القيام بالسمسرة وجمعها يدر أرباحاً طائلة في وقت قصير. أضاف.. المؤسف أن هناك مواطنين يقعون ضحايا لقضايا "نصب" خارجة عن ارادتهم وتختلف بالطبع عن توظيف الأموال.. ولعل اشهرها هي ما قام به أشهر "تاجر ألماظ" بمنطقة رمل الإسكندرية الذي توارث المهنة عن اجداده فكان له الاسم المحفور من ذهب لدي الاثرياء حينما قام ببيع قطع مقلدة من "الزجاج التركي" بدلاً من الالماظ للعشرات من الأسر محققاً أرباحاً تعدت "الخمسين مليون جنيه" وتم كشفه بالصدفة عند محاولة أحد الزبائن بيع شبكتها لدي محل آخر وبالطبع لاذ بالفرار مع تعدد البلاغات بخلاف المواطنين الذين انخدعوا في إعلانات العقارات بالصحف المتخصصة والبرامج الإعلانية ثم تبين أنه لا يوجد عقارات أو حتي أراض في الاساس وأن عقودهم وهمية. قال.. العقوبات بصورة عامة ضعيفة والتشريعات صدرت عام "1950" ولا تتناسب مع شكل الجريمة التي ترتكب حالياً وتتراوح العقوبة بين سنة و7 سنين وهناك ثغرات في القانون يستغلها "المتهم" الذي يدعي أنه متعثر في السداد وليس لديه أموال مفضلاً قضاء العقوبة ثم الخروج من السجن للاستمتاع بما سلبه من أموال وثروات. قال.. نحن نفتقد الأمن الذاتي لأن المواطن يساعد النصاب بالدعاية له وجذب المزيد من المجني عليهم ولن تنتهي الجريمة إلا بتغيير التشريع وقوة العقوبة الرادعة. ويقول د. إسماعيل سعد استاذ علم الاجتماع.. "الطمع" و"الجهل" هما أساس هذه الظاهرة وللعلم ليس "الجاهل" هو من لا يقرأ ولا يكتب فما أكثر المشاهير الذين تعرضوا لعمليات نصب منخدعين بالمظاهر وكانوا في نفس الوقت أداة في يد النصاب لجذب المزيد من الضحايا مستغلاً شهرتهم. قال.. "النصاب" له أدواته فهو لبق يتقن فن الحديث ومتواضع وأنيق وسريع البديهة وغالباً لا يعمل بمفرده فهو يحتاج لمديرين له سواء كانوا من "أعوانه".. أو من ضحايا قام بالدفع لهم النسبة المطلوبة لتوظيف أموالهم ليقوموا بالدعاية المجانية لهم. أضاف أن كل نصاب يعمل علي اساليب تتفق مع البيئة التي يعمل فيها.. ولعل أشهرهم علي سبيل المثال كان تاجر بمنطقة "المنتزه" هبط فجأة علي أحد محال السوبر ماركت وهو يطلق لحيته وزوجته منتقبة وتعطي دروساً دينية ولا يترك فرضاً ويساعد المحتاج فذاع صيته وقام بالحصول علي أموال طائلة لتوظيفها في تجارته وفجأة اكتشف الجميع اختفاءه وتبين أن محله مستأجر وأن بضاعته حصل عليها بالأجل وعلي اقساط وشقته قام ببيعها منذ فترة ولا يوجد له اثر علي الاطلاق لأن اسمه كان مستعارا. قال.. بالطبع معروف أن "النصاب" يلعب علي وتر "الطمع" فيصرف الأرباح أو الفائدة في المواعيد المحددة لعدة اشهر أو حتي اعوام ومن الممكن ان يضارب بها في البورصة حتي يحقق أرباحاً لدفع المطلوب منه دون المساس برأس المال. واستطرد قائلاً.. للأسف القنوات الدينية والمشايخ من المدعين ساعدوا في خداع البسطاء بإطلاق الفتاوي الدينية بحرمانية وضع الاموال في البنوك وهي ما جعلت كثيرا من السيدات علي وجه التحديد يلجأن لتوظيف الأموال.. ولكن هذا لا يمنع ان الكثيرين يعلمون جيداً انهم يحققون أرباحاً غير مضمونة مثلما حدث من قبل في تجربة "الريان" والسعد ومن لم يتعلم منهما فهو يستحق الخداع.