هل هناك فرق كبير بين بيع الوطن وبيع جنسية الوطن؟! لا أظن... بيع الوطن ربما يعني بيع جزء أو أجزاء من الوطن.. من الأرض.. أما بيع جنسية الوطن فيعني بيع الوطن كله لمن يملك الدولارات.. بيع الأرض والسماء والماء والهواء.. بيع التاريخ والجغرافيا والماضي والحاضر والمستقبل.. بيع الهوية والشخصية الوطنية والقومية والمكانة والطاقة المعنوية.. تلك الطاقة التي تدفع الجندي لأن يبذل دمه رخيصا من أجل أهله وناسه.. ويذهب الي ربه شهيدا وهو يبتسم. الوطن قيمة ومعني.. وليس مجرد سلعة تباع لمن يمتلك الدولار.. أو لمن يدفع أكثر.. وجنسية الوطن لاتقدر بمال.. لذلك توافق أجدادنا علي منحها لمن يمثل قيمة ومعني للوطن وليس لمن يملك المليارات. هناك أناس يفكرون في بيع اي شيء وكل شيء في ساعة الأزمة من أجل الدولار.. ولايتهيبون من إعلان ذلك.. هم تجار حاذقون.. والتاجر لايفكر في السلعة التي بين يديه.. وإنما يفكر في سعرها.. والربح الذي سيعود عليه من بيعها.. هو داخليا لايمتلك شيئا.. كل الاشياء التي لديه معروضة للبيع.. لكن المشكلة ان الوطن.. وجنسية الوطن.. أشياء لا تباع ولاتشتري.. الجنسية ليست سلعة ولن تكون.. ومن العار علينا ان نفكر في طرحها في الاسواق من الاساس. تموت الحرة ولا تأكل ببيع جنسيتها.. ومصر لن تموت أبدا.. مصر فقط في حاجة إلي ان تستيقظ من غفوتها.. تستيقظ في الصباح الباكر لكي تعمل وتكد في الحقول والمصانع والشركات.. وتكسب قوتها من عرقها.. بدلا من ان تجلس علي المقاهي والكافيهات طوال الليل وتنام طوال النهار.. ثم يفكر بعض أبنائها في بيع جنسيتها. مصر في حاجة الي ان تتغير.. الي ان تفتح لنفسها ابوابا وطرقا جديدة للخروج من ازماتها.. وفي الملف الشامل الذي نشرته "المساء" يوم الأربعاء الماضي بعنوان "اقتراح بيع الجنسية كلام فارغ" طرح خبراء وسياسيون بدائل عديدة لحل الازمة الاقتصادية تعتمد علي العمل والاستثمار والانتاج.. وليس بيع الجنسية. ثم إننا لو سمحنا لأنفسنا بمناقشة الفكرة "الحقيرة" من حيث المبدأ فسوف نصطدم بتخوفات مشروعة تجاه أوضاع خطيرة من الممكن ان تكون وبالا علينا وعلي الاجيال القادمة.. بل وعلي سلامة بلدنا ومجتمعنا ووحدة اراضينا.. اذا منحت الجنسية لمن يقدر علي وضع مليون دولار في البنوك المصرية كوديعة لمدة خمس سنوات.. وبعد ذلك يحصل علي الجنسية مقابل التنازل عن هذه الوديعة "المليون دولار". ولعل من أهم وأخطر هذه التخوفات المشروعة ان يتحول بيع الجنسية إلي تجارة.. يعمل بها ويتعامل فيها ارهابيون ورجال المافيا وأرباب الجريمة العابرة للحدود واسرائيليون وتجار المخدرات وكثير ممن لهم اطماع في أرضنا.. وخصوصا في سيناء.. وهؤلاء جميعا لا يمثل المليون دولار - أو حتي المليار - شيئا بالنسبة لهم.. هم دائما يبحثون عن ملاذ آمن هنا وهناك.. وربما لايمر وقت طويل - لا قدر الله - وتتغير التركيبة الديموجرافية والقيمية للحارة المصرية التي صورها نجيب محفوظ في رواياته باعتبارها رمزا لمصر.. وتصبح حارتنا ملكا للغرباء.. ويصبح المصري غريبا فيها.. ناهيك عن الفتن والاضطرابات التي ستعيشها الحارة ليلا ونهارا. سيقولون هناك شروط وضوابط.. وهذا أمر جيد لكنه يخضع في الغالب لقوانين دولية صارت تحكم العالم باسم "العولمة" ومادمنا قد رضينا بان نفتح علي انفسنا ابواب جهنم فلا نلوم الاخرين. ليس هناك ما يمنع من منح الاقامة للمستثمرين الجادين.. وتيسير الاجراءات التي تضمن لهم حياة سهلة وتنقلات آمنة في مصر.. وتضمن للسياحة ان تعود وتنتعش.. أما بيع الجنسية فلا.. وألف لا.