موعد عودة الرحلات البرية لحجاج السياحة    انخفاض أسعار الدواجن اليوم السبت في الأسواق (موقع رسمي)    وزير الإسكان: إزالة عدة مخالفات بناء في 4 مدن خلال عيد الأضحى    رئيس الموساد السابق: نتنياهو يقودنا إلى كارثة وكل ما يهمه البقاء في السلطة    5 مباريات تجهز الأهلي لصدام الزمالك    بدء اجتماع خلية أزمة الحجاج برئاسة رئيس الوزراء    محافظ مطروح يتفقد سير امتحانات الثانوية العامة (صور)    وزير الإسكان: الجهاز المركزى للتعمير يتولى تنفيذ حديقة تلال الفسطاط بالقاهرة    العربى الناصرى: 30 يونيو ثورة تصدت لإرهاب الإخوان وأنقدت مصر من الحرب الأهلية    الشرطة الأمريكية: مقتل 3 أشخاص في إطلاق نار بولاية أركنساس    رئيس جامعة العريش يؤكد ضرورة سرعة إعلان نتائج الكليات والبرامج (تفاصيل)    تشكيل البرتغال المتوقع أمام تركيا.. رونالدو يقود الهجوم    بعد تسريب امتحان اللغة العربية بالثانوية العامة.. السجن والغرامة تلاحق المتورطين    منظومة الشكاوى بوزارة التعليم العالي تستجيب ل5021 شكوى خلال العام المالي 2023-2024    بتهمة الفسق والفجور.. بعد قليل الحكم على كروان مشاكل وإنجي حمادة    أميرة بهي الدين ل«الشاهد»: الإعلان الدستوري الإخواني تجاوز معنى القانون    مدفعية الاحتلال تستهدف المناطق الوسطى من مدينة رفح الفلسطينية    مسرح العرائس يقدم حفلين غنائيين لأم كلثوم| 11 يوليو    حكم زيارة قبر الوالدين كل جمعة وقراءة القرآن لهما.. الإفتاء تكشف    الصحة: تنفيذ 45 برنامجا تدريبيا لرفع كفاءة وتأهيل 1490 صيدليا في 12 محافظة    ينهي حياة أبن شقيقة لخلاف على سور وحجرة بالدقهلية    من الشرقية، التعليم تكشف هوية مصور امتحان اللغة العربية بالثانوية العامة    العدوان الإسرائيلي يحرم طلبة غزة من أداء امتحانات الثانوية العامة    استقرار أسعار الذهب اليوم السبت 22 يونيو 2024 بعد تراجع طفيف    أسعار اللحوم الضاني اليوم السبت 22-6-2024 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    صحة الدقهلية: تدريب مشرفي اللجان الطبية للتعامل مع الحالات الطارئة خلال الامتحانات    سيارة الزفة اصطدمت بعمود إنارة.. عروسان يتعرضان لحادث سير بالغربية (فيديو)    جامعة القاهرة تخصص 2.5 مليون جنيه لتطوير مركز الدراسات الشرقية    طريقة عمل الجاتوه شاتوه، زي الجاهز وأوفر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-6-2024    كاف يعلن تلقيه عروضا لاستضافة السوبر الأفريقي    وكيل الصحة: مستشفيات مطروح حققت أعلى درجات الجاهزية والاستعداد خلال عيد الأضحى    لأول مرة| دراسة ل«القومي للبحوث» تبحث في شخصية المجرم.. خاطف الأطفال    تعرف على متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط» اليوم    نقيب البيطريين يكشف تفاصيل الأوضاع داخل النقابة بعد توليه المقعد (تفاصيل)    يورو 2024| التشكيل المتوقع لمنتخب التشيك أمام جورجيا في بطولة الأمم الأوروبية    لوبان: ماكرون سيضطر إلى الاستقالة من أجل الخروج من الأزمة    تامر عاشور يعلق على أزمة شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب مع أسرتها.. ماذا قال؟    الخارجية السودانية تصدر بيانا بشأن الأزمة مع الإمارات.. ماذا حدث؟    نوران جوهر تتأهل إلى نهائى بطولة العظماء الثمانية للاسكواش    انتشال 14 جثة بعد غرق مركب مهاجرين أمام سواحل إيطاليا    كلب مفترس يعقر 12 شخصا بقرية الرئيسية في قنا    دار الإفتاء تكشف حكم قراءة المرأة القرآن بدون حجاب    مفتي الجمهورية: عماد عملية الفتوى الإجابة عن 4 تساؤلات    عمرو دنقل: رحلة فرج فودة الفكرية مصدر إلهامي لانطلاق روايتي "فيلا القاضي" المؤهلة لجائزة طه حسين    مهمة عسكرية ل "الناتو" في أوكرانيا| فيكتور أوربان: لن يستطيع أحد إجبارنا على الدخول في الصراع الأوكراني.. روسيا تعلن استعدادها لإجراء حوار لدعم الاستقرار مع الولايات المتحدة    تُلعب فجر السبت.. القنوات الناقلة لمباراة تشيلي وبيرو في كوبا أمريكا 2024    بعد تعرضها لوعكة صحية.. نقل لقاء سويدان إلى المستشفى    مع انتهاء موسم الحج. سعر الريال السعودي اليوم السبت 22 يونيو 2024 مقابل الجنيه المصري    ريال مدريد.. أعلى دخلًا للأندية في العالم    موعد سداد فاتورة التليفون الأرضي لشهر يونيو 2024 في مصر    وفاة والدة بيليه عن عمر يناهز 101 عامًا    أخبار اليوم الأسبوعي| حقائب التحدى ومفاجأة الأعلى للجامعات والجمهورية الجديدة    أشرف زكي: قرارات النقابات المهنية بمقاطعة إسرائيل لا تقبل الجدل (فيديو)    لأول مرة.. مشاريع تخرج قسم الإذاعة والتليفزيون ب «إعلام القاهرة» تحظى برعاية 5 وزارات    أيمن الرقب: اعتراف أرمينيا الرسمي بفلسطين انتصار معنوي لدماء شعبنا    دعاء الثانوية العامة مكتوب.. أفضل 10 أدعية مستجابة عند الدخول إلى لجنة الامتحان    أخبار × 24 ساعة.. التعليم لطلاب الثانوية: لا تنساقوا خلف صفحات الغش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حق شهداء مصر مقابل حق عودة اليهود
أهالى حارة اليهود يردون على "العريان" رجوعهم خطر بعد تشبعهم بالحقد والكراهية من الصهاينة

بخفة أوصدوا الباب.. أحاطوا خطواتهم بالصمت، هبطوا الطابق الثاني فالأول، ثم إلي الزقاق الضيق.
كثرة الأحمال والأزقة تُربكهم، ويزيد الأمر تعقيداً مع الاقتراب من قنديل قديم يتدلي من واجة إحدي المحلات المصطفة بالحارة.. الريح الخفيف يأخذ نور القنديل ذهاباً وإياباً ليكشف عن الوجوه الخائفة من افتضاح أمرها، فيختلط الخوف مع تخيلات تحقق حلمهم ليكون لا مفر من مواصلة سيرهم.
لعل جميع جيرانهم يغطون في سبات عميق، أما هم فلا نوم قبل الخروج من تلك البقعة التي ضاقت بهم، فما جدوي العيش في بلد آخر مهما كانت درجة ارتباطهم به طالما أرض الميعاد تنتظر مجيئهم ليبدأوا حياة أخري علي جثث عربية.
وكالعادة تستيقظ الحارة ذات الأزقة المتعددة صباحاً لتكتشف اختفاء أسرة يهودية أخري، فيتحسر الجيران علي طول العشرة، ويهرول طامحون لشراء ممتلكاتها من مسئولي الطائفة اليهودية، فتبدأ السيطرة اليهودية علي المنطقة في التآكل حتي النسيان.
قبل نحو ستين عاماً كانت الأسر اليهودية تهرب من حارة اليهود ومن مناطق عدة تمركزوا بها بتلك الطريقة، فيجمعون كل ما يستطيعون حمله من ملابس وأموال ثم يتخفون في عتمة الليل ليرحلوا بحراً إلي إسرائيل، تاركين خلفهم وطناً يسمي عدو الآن في كتب أولادهم وأحفادهم المدرسية.
كانت الأمور عادية قبل انتهاء الأسبوع الماضي، فاليهود الإسرائيليون بالنسبة للمصريين في الألفية الثانية هم أعداء يحتلون قطعاً من الأرض العربية، ويقتلون الفلسطينيين بغية القضاء علي أصحاب الأرض، مع عدم تغافل كونهم عدواً يطل برأسه كل حين لانتهاز فرصة انتزاع منطقة سيناء مرة أخري، لكن ما بدا في الأفق من تصريحات الدكتور عصام العريان مستشار رئيس الجمهورية ونائب رئيس حزب «الحرية والعدالة» المنبثق من جماعة الإخوان المسلمين، التي تدعو اليهود المصريين الذين هاجروا إلي إسرائيل للعودة إلي مصر واسترجاع ممتلكاتهم، يبث تخوفات من إمكانية تلبية الدعوة بالفعل ومطالبة الدولة المصرية بتعويضات عن الممتلكات سواء التي تم بيعها أو تركها دون بيع أو ما تم تأميمه.
حارة اليهود.. بدون يهود
ضجيج الباعة وضيق الأزقة المتداخلة التي تفضي نهاياتها إلي لا شيء، يجعل السير داخل حارة اليهود ليس بأمر يسير.. البنايات قليلة الطوابق وذات الجدران المتآكلة تتوه وسط زحام المارة والسلع المعروضة للبيع.
وكأن الحارة شقت لنصفين، السفلي منها يعيش حياة الألفية الثانية وسط بهجة محلات سكنت الأدوار الأرضية للبنايات لتبيع معظمها لعب الأطفال والإكسسوارات النسائية، والعلوي منها يحيا هناك وسط ذكريات تراكمت عليها الأتربة فتلاشت عن غير مدققي الرؤية.
أصوات تتلقفني لدخول المحلات ورؤية المنتجات.. «لن اشتري» بحزم أرد علي الباعة، في البداية تخيلت أن تصميم حارة اليهود كباقي الحارات لكنها مختلفة فهي تضم نحو 350 زقاقاً، أي أن غير الدارس لطبيعة المكان يحمل لقب تائه من الدرجة الأول، فلا أمل في الوصول إلي المبتغي دون السؤال كل عشرة أمتار من السير.
ذهب اليهود ومعهم كل شيء إلا اسم حارتهم تركوه، ليجعلوا كل من يمر بها يسأل عن سر التسمية فيجيبه متطوعون غالباً يكونون من الباعة، وحتي اليهود القلائل الذين رفضوا الهجرة إلي إسرائيل وترك وطنهم تُوفوا تباعاً ولم يبق منهم أحد، وبحسب الاحصاءات فيعيش أربعون يهودي فقط في مصر كلها منهم ثلاثون في الإسكندرية وجميعهم طاعنون في السن.
وتتبع حارة اليهود حي الجمالية وكان بها 13 معبداً للطائفة اليهودية، لكن لم يتبق منها سوي ثلاثة فقط، وهي «موسي بن ميمون» و«بار يوحاي» و«أبوحاييم كابوسي».
أسطورة بن ميمون
سور حديدي منخفض يسهل اجتيازه لأي راغب يحيط بالمعبد ذات الطابق الواحد، لا شيء يبدو نشازاً في المشهد سوي تلك المئذنة الملاصقة له، فمسجد الرحمن لا يفصله عن موسي بن ميمون سوي متر ونصف المتر.
يقابل الزائر لوح رخامي مكتوباً عليه باللغة العبرية تعني بالعربية «معبد ومقام السيد موسي بن ميمون»، ولم تسلم واجهته الخارجية من أيادي صبيان الحارة فكتبوا بخطوط مهتزة «شياطين الجمالية».
«موسي بن ميمون» أهم معبد في الحارة، خاصة بعد ترميمه قبل أربعة أعوام، ويتداول أهالي حارة اليهود أسطورة أن المقام يخلو من رفات صاحبه فقد أُخذ بعد نكسة 1967 ليستقر في إسرائيل، كما يروون لصغارهم أن «بن ميمون» كان الطبيب الخاص لصلاح الدين الأيوبي، محرر القدس من سطوة الصليبيين، وتستمر الأسطورة لتشمل اعتناق «بن ميمون» الإسلام قبل وفاته.
بلحية بدأ البياض يكسوها وأسنان آخذة في الضياع، يجلس الحاج سيد حسن أمام ورشته، ينظر حيناً للمعبد اليهودي الذي يبرز في خلفيته مئذنة المسجد ثم يباشر عمله.
تردد قبل الحديث معي عن ذكريات تمدد لأكثر من ستين عاماً، مبرراً ذلك بكون حديثه لن يعجب الكثيرين، أجبته: «طالما رأيك واقع عشته فلترو دون تردد».
أبداً لا يمكن أن ينسي طفولته في الأزقة حيث اللعب مع أطفال اليهود، كانوا يأكلون سراً في رمضان خشية إزاء مشاعر المسلمين، كما كان عادياً أن يتزوج المسلم من اليهودية ويترك لها زوجها الحرية في أن تظل علي ديانتها أو اعتناق الإسلام.
ثلاث عائلات مسلمة فقط كانت تقتطن الحارة والباقي من اليهود، كانت نظيفة تملأ شوارعها الزهور والعطور يوم السبت، لم يكن هناك ما يميز المسلم عن اليهودي، فالعيش في سلام كان رغبة أصحاب الديانتين، كما يروي الحاج سيد.
يرتكن إلي الحائط المقابل للمعبد بعدما أحس بتعب الوقوف، ليؤكد أنه اشتري منزله المجاور لموسي بن ميمون من مسئولي الطائفة اليهودية، ثم قال: (فاتورة الكهرباء والمياه تأتيني حتي الآن باسم «إليهوي شالوم» وهو الشخص الذي كلف الطائفة قبل هجرته إلي إسرائيل ببيع أرضه التي بنيت عليها بيتي).. ونفي ذو الأسنان الآخذة في الضياع الادعاءات القائلة إن المصريين استغلوا هروب اليهود ليشتروا ممتلكاتهم بأثمان باخسة، متابعاً حديثه: «اشتريت متر الأرض بنفس سعر السوق وهو 2.70 جنيه».. لكن ذلك لا ينفي بحسب قوله أن هناك من احتلوا بعض البنايات دون شراء.
يفرك العجوز جبهته في حركة دلالية علي صعوبة استرجاع الذكريات، صمت قليلاً ثم أكمل: «لم يعد هناك أي يهود في الحارة وآخر ما بقي منهم كانت الست سوسو وتوفيت منذ خمس سنوات»، ولم تكن سوسو التي توفت بعد سن الثمانين امرأة عادية فكانت تجوب محلات الحارة، لتغني أغاني ليلي مراد ومحمد فوزي مقابل قليل من المال.
يشير بيد مرتعشة إلي المدرسة المقابلة للمعبد، مؤكداً أن مسئولي الطائفة اليهودية قد أجروها إلي وزارة التربية والتعليم.
رغم كل الذكريات التي تخلو من أي مشكلات مع اليهود، إلا أن العجوز يرفض عودتهم مرة أخري، مستنكراً دعوة الدكتور عصام العريان.
ويبرر رفضه بكون اليهود مغتصبين لأرض الفلسطنيين قائلا: «كل اليهود الموجودون بإسرائيل عنصريون ولا يمكن عودتهم وإذا كان لهم حق في أي ممتلكات فهو يسقط بالتقادم»، مؤكداً أن من سيعودوا هم أبناء وحفدة يهود مصر وكلهم مجندون في الجيش الإسرائيلي أي أعداء.
حديقة معبد تتحول إلي محل إكسسوارت
واضعاً ساقاً فوق أخري، مدققاً في جريدة يمسك براحتيه، يجلس «مجاهد إبراهيم» الذي اغتال البياض سواد شعره، أمام محل إكسسوارات نسائي يديره ابنه الذي لم يأخذ كثيراً من قسمات وجه والده.
تكشف ضحكته التي قابلني بها تلاشي الصف السفلي من أسنانه، لا شيء يؤثر طالما الضحكة باقية.. المعبد الملاصق للمحل تماماً مثل أسنان العجوز تلاشت ملامحه مع طول الهجرة.
أدخلني المحل وجلس قبالتي واضعاً ساقاً فوق أخري، مستمراً في ضحكته التي اتخذت في الاتساع مع بدء الحديث: «المحل الذي نجلس فيه الآن هو حديقة معبد بار يوحاي الملاصق لنا»، بذلك بدء حديثه، ليوضحه بكون صاحب البيت اشتري أرض الحديقة بعد هجرة اليهود من الطائفة اليهودية.
لا مجال للمقارنة بين الحارة قديماً والآن - كما يؤكد إبراهيم - فالهدوء والنظافة كانا سمة الماضي، مرجعاً ذلك لاقتصار الحارة علي السكن فقط فلم تكن هناك أي محلات إلي جانب قلة عدد الساكنين، «بعد الخامسة مساء لم يكن أحد يمر بالشارع إلا فيما ندر»، أما مع تحول كل أدوار البنايات الأرضية إلي محلات ذاعت الضوضاء.
هاجر اليهود وإبراهيم في الثانية عشرة من عمره، ولم يبادل خروجهم فرحاً أو حزناً، لا يتذكر كثير من الأحداث لكنه يؤكد في أكثر من جملة اهتمام الطائفة اليهودية بملابسهم وأنواع الأطعمة التي يأكلونها، كما أنه يوضح أن المسلمين كان عددهم قليلاً جداً في الحارة وتقتصر أعمالهم علي خدمة اليهود فاشتغلوا بالسباكة وتربية الطيور والبقالة.
قبل الرحيل باع أكثرهم ممتلكاتهم إلي العاملين لديهم مكتفين بأخذ ما يملك العامل من أموال علي أن يتم تسديد الباقي فيما بعد، ويتدخل ابنه خالد ليقول ساخراً: «لا نعتقد أن العمال أرسلوا باقي مستحقات اليهود».
ويتابع الوالد أن مسئولي الطائفة اليهودية تكفلت ببيع كثير من ممتلكات اليهود إلي المصريين، وقد تم الاحتفاظ ببعض الأسماء كما هي حتي الآن مثل بقالة اليهودي «بيساح» التي أصبح اسمها «سيد بيساح».
لا يمكن أن يتصور العجوز فكرة عودة اليهود مرة أخري، لأن الحقد والكراهية تمكنت من قلوبهم كما يصف، ثم يكمل: «لقد تشبعوا بالصهيونية لذا فرجعوهم خطر»، متوقعاً أن يكون الرجوع خطة لتكرار ما حدث في فلسطين حيث شراء ممتلكات المصريين لتصبح أرضهم.
الأودش.. مساكن الفقراء
تتفحصني بنظرة متوجسة، فأبتسم لتبديد التوجس دون فائدة، هي عجوز يبدو أنها فارقت الثمانين عاماً، لا تصدق مطلقاً رغم محاولات إقناعها أني لست يهودية، «أنت صحفية يهودية ستأخذني أخبارنا لتبثيها في إسرائيل»، هكذا أقنعت نفسها وتحاول إقناعي، ثم تلقي العجوز بمياه ملوثة أمامي لتدفعني إلي الانصراف.
ترفض الحديث أو السماح لي بالتجول داخل «الأودش» وهو مبني يتكون من طابقين به حجرات متعددة، وقد بناه اليهود ليسكن به فقراؤهم من الطائفة غير القادرين علي بناء بيوت وكان الأغنياء يوفرون لساكني «الأودش» الطعام والشراب وكل ما يحتاجونه.
الرفض يبدو منطقياً مع اكتشاف أن وجودهم في «الأودش» غير قانوني فلا أوراق تثبت ملكيتهم للحجرات.
يمر رجل عجوز فاستوقفته طالبة منه التجول بالداخل، لكنه أيضاً يرفض، فسألته عن رأيه في دعوة العريان لكنه لا يعرف مستشار الرئيس، فاشرح له الموقف ليبدو عليه الانزعاج ثم بعد تفكير يقول: «أوافق علي العودة ولكن ليدفعوا لنا ثمن الرحيل من هنا».
استأذنتها فقط في النظر داخل حجرتها التي تقع في مقدمة «الأودش» فوافقت، طول الغرفة حوالي ثلاثة أمتار وعرضها متران، مرفقة بحمام، متهالكة كباقي المبني، حتماً تُذكر بالعشوائيات.
قريباً من «الأودش» يجلس الحاج سمير محمود وشهرته «عنتر بلالا» أمام صندوق يطلي عبره المعادن، يؤكد لي أن فقراء اليهود كانوا ينعمون بحياة مرفهة داخل «الأودش» التي أسماها المسلمون «التكية».
الحاج سمير رغم اندهاشه من فكرة عودة اليهود لكنه عرض مساومة يراها عادلة وهي دفع إسرائيل تعويضات عن شهداء وجرحي حروب 1948 و1956 و1967 و1973، مؤكداً أن اليهود قبل هجرتهم باعوا ممتلكاتهم وحصلوا علي أثمان البيع وسمحنا لهم بذلك رغم أن كان بينهم جواسيس يعملون ضد مصر.
يهود مصر منذ القدم
أرسل ابنه الصغير مع إخوته بعد إلحاح ليساعدهم في رعي الأغنام، فلم يعد الصغير، قالوا لأبيهم سقط في غيابات البئر، لم يصدقهم وقد صدق فكان ولده هناك داخل قصر الفرعون بعدما تآمرت نفوس الأخوة عليه، عاش هناك ونمي فكره حتي أمره الله ببدأ الدعوة داخل سجنه، ليفك كربه ويعينه أميناً علي خزائن الطعام.
ظل يعقوب بن إسحاق منتظراً ابنه، ولما أطاحت المجاعة ببطون الجائعين سافر باقي أبنائه إلي مصر التي عرفت بأمر الجفاف قبل قدومه، لعلهم يستطيعون الحصول علي حبوب، وكان يمكنهم تخيل العودة دون الطعام ومن ثم الهلاك لكنهم أبداً لم يأت في بالهم أن الشخص الذي سيطعم بطونهم الجائعة هو نفسه أخوهم الذي ألقوه في البئر ليتخلصوا من حب أبيهم الزائد له.
كان مجيء أخوة سيدنا يوسف بن يعقوب إلي مصر هو أول دخول لليهود إلي أرض نهر النيل، ثم بعد ذلك بدأت نبوة سيدنا موسي فكلمه الله في جبل الطور بسيناء وأنزل التوارة عليه قبل هروبه مع بني إسرائيل من بطش فرعون بعدما آمن سحرته برسالة نبي الله.
وظلت العلاقة التجارية بين اليهود ومصر بعد استقرارهم في فلسطين، لكن بدأ النزوح مرة أخري إلي أرض الوادي في عهد إرميا النبي رغم تحذيراته بعدم الذهاب، وكان ذلك متزامناً مع حكم ابريس من ملوك الأسرة السادسة والعشرين الفرعونية.
وعاشت الطائفة اليهودية علي مر العصور داخل مصر بين ازدهار لتجارتها كما في العهد الروماني والطولوني والأيوبي، وسوء معاملتها مثلما حدث في عهد الحاكم بأمر الله أحد حكام الدولة الفاطمية وكذلك في عصر المماليك .
وفي القرنين الماضيين تغلغل اليهود داخل الاقتصاد المصري وكان عددهم يقدر بمئات الآلاف، وأمسكوا بزمام أهم الصناعات فامتلكوا محلات الذهب والنسيج والحديد وأسسوا السينمات والبنوك.
وجاءت بداية هجرتهم إلي إسرائيل بعد حرب 1948، ثم زاد الأمر بعد ثورة يوليو 1952، لكن اتضاح الصورة في شكل هجرة كان مع العدوان الثلاثي علي مصر واحتلال سيناء في عام 1956، ومع عام النكسة 1967 أصبح لا يتعدي عدد اليهود الموجودين في مصر سوي المئات إلي أن تقلصوا إلي عشرات.
تهريب وئاثق ممتلكات اليهود
وأمام التخوفات من عودة اليهود ومطالبتهم بتعويضات عن أملاكهم سواء التي تم بيعها أو لم يتم، فتستوقفنا عدة حوادث منها ما نشر في الصحف حول محاولة سيدة تهريب مستندات إلي الأردن ثم إسرائيل تضم أوراق ملكية بعض اليهود لممتلكات وأراضٍ دخل مصر.
وتبين أن الوئاثق تزن ألف كيلو من الورق القديم تعود عمرها إلي عام 1863، منها تأسيس أسر «سوارس ورولو وقطاوي» لبنوك، وعقود تأسيس سلاسل محلات تجارية منها صيدناوي، وهانو، وعدس وبنزايون وريفولي.
وقد أوضحت مصادر أمنية أن المستندات تم الحصول عليها من دار المحفوظات بشكل غير شرعي، وكشفت أن الوثائق تضمنت حسابات أمراء أقاموا في مصر وقت حكم الخديو إسماعيل ومنها أوراق امتلاك الأمير السوري لطف الله قصر بمنطقة الزمالك تبين أنه مكان «فندق ماريوت».
ولا يمكن تغافل التنازع عن عدد من عقارات حارة اليهود بين رجال أعمال مصريين، كعقاري 9 و11 بدرب الكتاب، فعائلة «علي حسين شبانة» تؤكد شراءها للعقارين من عائلة يهودية قبل هجرتها، لكن رجل أعمال يؤكد أنه اشتراه من الطائفة اليهودية، وأياً كان الطرف الصادق فهناك كارثة فالتشكيك في ملكية المصريين للمباني يعني إمكانية دخول طرف ثالث في النزاع وهو اليهود.
وتبرز الأزمة مع إلقاء الضوء علي إثارة إسرائيل لقضية أملاك اليهود بين الحين والآخر، كما حدث في عام 1979 بعد توقيع معاهدة السلام، وأيضاً في عام 1998عقب إثارة القاهرة قضية الأسري المصريين.
ولم تتمكن «الوفد» من إجراء حوار مع رئيسة الطائفة اليهودية في مصر وهي «كارمن ويتشاين» لظروف سفرها خارج البلاد.
القانون لا يسمح بالعودة
قال الدكتور إبراهيم أحمد، رئيس قسم القانون الدولي الخاص بكلية الحقوق جامعة عين شمس: إن القانون الإسرائيلي يمنح أي شخص يحمل الديانة اليهودية الجنسية الإسرائيلية بمجرد دخوله الدولة العبرية، موضحاً أن يهود مصر ذهبوا إلي إسرائيل بإرادتهم وفضلوا جنسيتها علي المصرية.
وأشار إلي أن القانون المصري ينص علي إسقاط الجنسية المصرية عن أي شخص يتصف في أي وقت من الأوقات بالصهيونية لذا فلا سبيل لعودة اليهود من أصول مصرية وفقاً للقانون.
وحول إمكانية حصول يهود مصر علي تعويضات أو ارجاع ممتلكاتهم، نفي «إبراهيم» إمكانية اللجوء إلي التحكيم الدولي لكون الأمر محل النزاع ليس بين الدولة المصرية وأفراد يهود، بالإضافة إلي أن ذلك يقتضي موافقة الدول أطراف النزاع، لكن يمكن رفع دعاوي قضائية داخل مصر في حال امتلاك اليهود لعقود ملكية، لافتاً إلي أن ذلك قد يفتح الباب لمطالبة الإسرائيليين بمبالغ خيالية لارتفاع قيمة العقارات والأراضي وهو ما سيشكل عباء اقتصادياً علي الدولة المصرية.
عطوان: المبشرون بالعودة جنود في الموساد
كتبت - ماجدة صالح:
انتقدت وسائل الإعلام العربية تصريحات د. عصام العريان، فقال، عبدالباري عطوان، رئيس تحرير جريدة القدس العربية: إن عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين فجر قنبلة من الوزن الثقيل عندما دعا إلي عودة اليهود المصريين ودفع تعويضات لهم، واعترف بطردهم من مصر بالإكراه، مضيفاً: لا يمكن أن نصدق أن إطلاق تصريحات كهذه علي درجة كبيرة من الخطورة، جاء من قبيل الصدفة، أو كزلة لسان، لأن مثل هذا الموضوع المتفجر ليس مطروحاً في الوقت الحالي، سواء في مصر أو إسرائيل، أو الولايات المتحدة الأمريكية.
والأهم من كل هذا وذاك، أن صحن الرئيس محمد مرسي حافل بالأزمات والمشاكل، ولا نعتقد أنه وهو الذي يحارب علي أكثر من جبهة لإنقاذ سفينة حكمه من الغرق، في الأمتار الأولي من بداية رحلتها، بحاجة إلي فتح جبهة جديدة، ونقصد الجبهة الإسرائيلية، عمل طوال الأشهر الماضية علي تسكينها.
وأشار «عطوان» إلي أن الإسرائيليين سيلتقطون كعادتهم مثل هذه التصريحات وسيستخدمونها حتماً كوثيقة لابتزاز مصر، باعتبارها حقيقة مسلماً بها، وربما ابتزاز دول عربية أخري هاجر منها يهود إلي فلسطين المحتلة، فكل ما نقدمه من تنازلات يصبح ورقة ابتزاز ضدنا، وكأرضية لطلب المزيد، والتجربة الفلسطينية مليئة بمثل هذه النماذج.
مضيفاً: أن اليهود لم يطردوا من مصر، كما أنهم لم يطردوا من العراق، وإنما أجبروا علي الهجرة بضغوط إسرائيلية وفضيحة «لافون» معروفة، وتفجير كنس يهودية مصرية من قبل خلايا للموساد لإرهاب هؤلاء ودفعهم إلي الهجرة معروفة، والأسلوب نفسه استخدم في العراق، وإذا كان هناك يهود غادروا بحثاً عن مكان آمن، فإن ملايين اللبنانيين والعراقيين والسوريين والإريتريين هاجروا للسبب نفسه، وطرح تعويضات لليهود العرب بسبب الاستيلاء علي ممتلكاتهم يجب أن يتم بعد التوصل إلي حل عادل للقضية الفلسطينية، وعودة ستة ملايين لاجئ فلسطيني، وتعويضهم عن استغلال اليهود الإسرائيليين لأرضهم وعقاراتهم وبحرهم ومياههم وهوائهم علي مدي 65 عاماً، وبعد أن يتم السلام كلياً في المنطقة.
وأضاف قائلاً: إذا كان لابد من فتح ملفات التعويض فإن مصر هي التي يجب أن تطالب إسرائيل بمئات المليارات من الدولارات كتعويض عن احتلال سيناء لما يقرب من 12 عاماً لصحراء سيناء، واستغلال ثرواتها الطبيعية من الماء والنفط والغاز والسياحة، وقتل واعتقال وتعذيب الآلاف من الجنود المصريين، بعضهم كانوا أسري، وكذلك تدمير مدن القناة كلياً أثناء حرب الاستنزاف بعد عام 1967.
نقطة أخري لا يمكن تجاهلها في هذه العجالة، وهي الترحيب بعودة هؤلاء اليهود المصريين دون شروط، ودون أي اعتبار للاعتبارات الأمنية، فجميع هؤلاء وبحكم القوانين الإسرائيلية عملوا كمجندين في الجيش الإسرائيلي، أو في أجهزة الأمن الإسرائيلية مثل «الموساد» و«الشين بيت»، ولا نبالغ إذا قلنا إن بعض هؤلاء قتلوا جنوداً أو مدنيين مصريين، أو ارتكبوا مجازر مثل مجزرة بحر البقر، فكيف سيتم التعامل مع هؤلاء في هذه الحالة؟
وأضاف «عطوان»: إذا كان الكثيرون قد قدروا الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها الحكومة المصرية الحالية، وصمتوا علي عدم تناولها لاتفاقية كامب ديفيد، وتفهموا مسألة تأجيلها ريثما يقوي عود الثورة وتستقر الأوضاع الأمنية والسياسية، ويتم تجاوز الأزمة الاقتصادية، فإن من حق هؤلاء الشعور بالغضب والإحباط وهم يرون هذا التطوع برغبة غير مفهومة لتقديم تعويضات مالية لليهود المصريين يقدرها البعض بحوالي 150 مليار دولار.
وأكد «عطوان» أن العريان يسير في حقل ألغام شديدة الانفجار، ويضع حركته في مأزق كبير، واللافت أن الرئاسة تنصلت من هذه التصريحات لكنها لم تتخذ أي إجراءات ضده كمسئول ومستشار للرئيس.. مطلوب من الجماعة، أو بالأحري حكومتها، أن تقدم توضيحاً صريحاً واضحاً حول موقفها من كامب ديفيد، ومن تعويض اليهود حتي تغلق هذا الملف الذي يفتح عليها أبواباً كثيرة ليس هذا هو أوان فتحها.
الجبهة الشعبية لمناهضة «الأخونة»: العريان يسدد فواتير لأمريكا
كتبت - ماجدة صالح:
اعتبر محمد سعد خير الله - مؤسس «الجبهة الشعبية لمناهضة أخونة مصر» بالإسكندرية تصريحات الدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب «الحرية والعدالة» والقيادي بجماعة الإخوان المسلمين بقوله: «إن عبدالناصر هو من طرد اليهود المصريين إلي إسرائيل»، وتأكيده علي ذلك أكثر من مرة في مداخلات هاتفية للبرامج التليفزيونية بمثابة تسديد فواتير انتخابية لأمريكا التي دعمت حملة الدكتور محمد مرسي بمليار ونصف المليار دولار، إبان الانتخابات الرئاسية، التي سئلت فيه حكومة أوباما أمام البرلمان الأمريكي.
وتابع «خير الله» في بيان صدر عن «مناهضة أخونة مصر» تقول فيه: إننا لا نجد تفسيراً لتلك التصريحات سوي أنها إما ترضية للإدارة الأمريكية أو تنفيذ لمخطط وأجندة جاءت بها جماعة الإخوان علي السلطة.. مرجحاً الأخيرة بدعوي أن عصام العريان ليس فرداً عادياً بل قيادياً بارزاً في الحزب والجماعة، وهو مسئول عن كل تصريح يخرج منه.
وأضاف «خير الله» أننا نذكر «العريان» بأن «بن جوريون» في إحدي رسائله، قال: «لم نكن نحلم أن يهاجر يهود إلي إسرائيل بعد رفضهم الهجرة، لولا التفجيرات التي قام بها الإسلاميون لمحلاتهم ومنشآتهم، ولولا تحويلهم لأموالهم ما كان اقتصاد إسرائيل قد قام».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.