فى حارة اليهود، القريبة من حى الموسكى، صراعات طاحنة، أطرافها رجال أعمال مصريون، يسعون للاستيلاء على عقارات الحارة، التى تنقسم ملكيتها بين بنك ناصر وإدارة الحراسات اللذين يديران العقارات التى لم يستدل على ملاكها من اليهود أصحاب الجنسيات الأوروبية، بالإضافة إلى الطائفة اليهودية التى تختص بأملاك اليهود غير المجنسين. العقارات المتنازع عليها بين أفراد مصريين والملاك يمكن تجسيدها فى النزاع الواقع بين أحد رجال الأعمال وملاك العقار رقم 9 و11 ب«درب الكتاب»، ورثة على حسين شبانة، والعقار المشار إليه كان مملوكا لإحدى العائلات اليهودية، التى غادرت مصر عام 1966، وباعته لعلى حسين شبانة، وبعدها بعشرات السنوات قام رجل أعمال بشرائه مرة أخرى من الطائفة اليهودية، وطالب السكان بالإخلاء. ويبدو أن أملاك الطائفة اليهودية هى الأخرى تعانى من استمرار التعديات عليها، كالعقار رقم 15 بحارة الصقالبة، الذى حاول يحيى وهدان عضو الوطنى المنحل الاستيلاء عليه منذ سنوات مضت، ومحو النجمة التى كانت تعلوه، والتى تكشف عن هوية العقار الحقيقة، كأحد معابد حارة الصقالبة، التى اشتهرت بداية القرن الماضى بكونها تجمعا لليهود الأتراك، ويتنازع على العقار رجل الأعمال عبدالهادى حسن سلامة والطائفة اليهودية، واختصم رجل الأعمال الطائفة، بسبب رفضها تسليمه أرض المعبد الذى قام بشرائه بعقود ابتدائية، بتاريخ 21-1-2006، وفيها تم بيع جملة مساحة المعبد البالغة 462 مترا مربعا، مقابل مبلغ قدره مليون وتسعمائة وخمسين ألف جنيه، ورفض محامى الطائفة الأستاذ يسرى عبدالدايم التعليق على تلك القضية، وقد تعذر التواصل مع السيدة كارمن، بسبب سفرها خارج البلاد خلال فترة إجراء التحقيق. ورغم تغير معالم معبد شارع الصقالبة، فإن السكان المحيطين يؤكدون أنه معبد وليس منزلا، كانت تقام فيه الشعائر الدينية، كما يؤكد الحاج على رجب أحد سكان حارة اليهود، الذى مازال يذكر «طنط نينة»، المرأة العجوز التى كانت تطلب منه اصطحابها إلى باب معبد حارة الصقالبة، مقابل حلوى أو مليم، على الجانب الآخر نجد أن المنازل المتواجدة بالقرب من المعبدين الباقيين بالحارة قد ارتفعت أسعارهما كثيرا، كما أكد سكان المنازل، وبخاصة تلك الملاصقة لمعبد ابن ميمون، حيث وصل سعر الشقة الواحدة هناك إلى نصف مليون جنيه، رغم أن قيمتها الحقيقة لا تتعدى خمسين ألف جنيه، إذ تسعى الطائفة اليهودية بالقاهرة لشراء المنازل الملاصقة للمعبد، منذ بداية ترميم الحكومة المصرية له، لتحويل العقارات إلى منطقة سياحية دينية، ولكن السكان رفضوا الأمر تماما، خاصة أن أغلبهم يعملون بالمنطقة، وتوارثوا مساكنهم أبا عن جد. وتتكون حارة اليهود من عشرات الأزقة الضيقة، التى تصل إلى 130 زقاقا وحارة، كان لها باب ضخم، يغلق ليلا، وفقا لتقاليد اليهود، الذين كانوا يفضلون العيش منعزلين، بعيدا عن تقاليد المجتمع العامة. تلك الحارة عاش بها عشرات اليهود الفقراء قديما، آمنين على أعراضهم ومالهم، ومتمتعين بعشرة المصريين الطيبة، الذين يرحبون دائما بالغرباء، كجزء من عادتهم العفوية المتوارثة. وكان سكان الحارة من اليهود يستعينون بمصريين مسلمين ومسيحيين لمساعدتهم فى أداء عدد من الأعمال أيام السبت، التى كان يحظر على اليهودى فعلها، بداية من إضاءة قناديل الزيت، وشراء الأغذية، وانتهاء بعمليات البيع والشراء. وحين غادر اليهود مصر نتيجة لأحداث تاريخية متلاحقة تركوا منازلهم على حالها، حيث كان أغلبها يخضع لقانون الإيجار المصرى، كما أكد لنا عدد من سكان الحارة، أما محالهم و«دكاكينهم»، فقد تركوا محتوياتها لجيرانهم المصريين، أو لأفضل «صبى» بها، مقابل مبالغ مالية فورية أو مؤجلة، تماما كما حدث فى الفيلم الشهير لنجيب الريحانى «لعبة الست»، الأمر الذى يؤكده فتحى السعدنى، الذى يملك محلا لبيع الأدوات المكتبية والهدايا بالحارة، ورثه عن والده، الذى عاش بين التجار اليهود، وكان يتاجر وقتها فى الأقمشة، وشهد فتحى وهو صغير كيف ترك التجار اليهود محالهم للعاملين الأكفاء لديهم بمقابل مادى، ورحلوا، فى جاز»، وأشكال أخرى. وبجانب المعابد العديدة التى لم يتبق منها سوى معبدين فقط، تتميز حارة اليهود بوجود عدد من «الأودش»، التى تشبه مصطلح «الكومبوند» فى البناء الحديث، وكانت تبنى على هيئة منزل من دورين، بحجرات متسعة لسكن الأغنياء، أو بحجرات صغيرة، فى حال إذا ما خصص الأودش لسكن الفقراء، وفى أحد «الأودش» الموجودة بحارة اليهود كانت تسكن «ماريكا ليفى»، آخر سكان حارة اليهود، والتى كان يلقبها السكان بمارى، ويصفونها بكونها «عشرية» ولطيفة، طيبة القلب، ومصرية حتى النخاع، فقد رفضت ماريكا مغادرة مصر، كما فعل أغلب سكان الحارة من اليهود، وفى ذلك دليل دامغ على كذب المزاعم الصهيونية التى تدعى إجبار اليهود على مغادرة مصر، ويؤكد سكان الحارة أن مارى رفضت أكثر من مرة السفر مع أهلها. ويعد الحاج محمود رجب من المواليد المسلمين بحارة اليهود، وكان والده تاجر «منى فاتورة»، وقضى رجب حياته كلها بالحارة، فسكن عقارا رقم 16 بسوق الفراخ، المسجل كأثر تاريخى، وأجر محلا صغيرا بنفس العقار الذى ورثه ابنه من بعده، وحول نشاطه إلى بيع الذهب الصينى، تماشيا مع موضة العصر. ويقول الحاج رجب إن العقار السابق كان ملكا ليهودى من أصل فرنسى يسمى جاك بيتون، أو جاك بخوم، حيث عاش الحاج رجب طفولته هناك، وكان جميع جيرانه من اليهود، وكانت العلاقة بينهم جيدة جدا، ويتابع الحاج رجب: «كان الجيران يطلبون منى أنا وأخى المساعدة لقضاء مشاوير بعينها فى يوم السبت، وكنت أتلقى مقابل ذلك حلوى رائعة المذاق». وبعد قيام الثورة 25 يناير زارت العقار فتاتان يهوديتان، ووجها إلى الحاج رجب عددا من الأسئلة، حول إذا ما كان يعرف جدتهما راشيل، وقتها تذكر الحاج رجب فورا المرأة الطيبة التى كانت تتبادل هى ووالدته الزيارات، وقد روت الفتاتان حديث جدتهما عن حياتهما فى مصر، والمعاملة الحسنة التى كانت تتلقاها من جيرانها، وقد أتت الفتاتان بفعل الحنين فقط، وليس لاسترداد أملاك مزعومة.