بينما يلحق مترو مصر الجديدة في اختفائه بالترام في أحياء القاهرة فإن الأنباء تطالعنا بمشروع مولته. وتنفنذه شركة فرنسية لتطوير ترام الإسكندرية. وهو ما يثير السؤال: لماذا اختفي المترو والترام من شوارع القاهرة أو كاد. بينما الترام ملمح رئيسي في وجه الإسكندرية؟ ظني أن زحام القاهرة كان له تأثيره. ليس في اختفاء الترام فحسب. وإنما في اختفاء وسائل نقل أخري. مثل عربات الحنطور وعربات الكارو الخ.. والسبب - في تقديري - هو الزحام الذي شهدته القاهرة خلال العقود الأخيرة. حتي مترو مصر الجديدة. اختصرت مسافة النهاية. فلم يعد يشق شارع الجلاء إلي كورنيش النيل. اقتصرت محطة النهاية - أو البداية - علي ميدان رمسيس.. أما ترام الإسكندرية فهو ملمح مهم في الحياة السكندرية. قد تمتلك سيارة خاصة. أو تستقل الاتوبيس. أو تفضل السير ماشياً. لكنك تلجأ - في أوقات ما - إلي الترام سواء في داخل المدينة. أو في منطقة الرمل. يقلك من ناحية إلي أخري. الشوارع التي يخترقها ترام الرمل. تأذن له بالسير إلي جانب وسائل المواصلات الأخري. بينما معظم شوارع المدينة واسعة نسبياً. فهي تسمح بمد قضبان الترام في معظم تنقلاتهم. الشوارع التي يخترقها ترام الرمل. تأذن له بالسير إلي جانب وسائل المواصلات الأخري. بينما معظم شوارع المدينة واسعة نسبياً. للترام وجوده في ذاكرتي.. أذكر من أيام الصبا عندما كنت أحرص علي الصعود إلي الطابق الثاني في ترام الرمل.. أجلس في المقعد الأمامي. تبين الشوارع باتساعها. البيوت والدكاكين والمقاهي وقضبان الترام في استقامتها وانحناءاتها.. علي جانبيها الخضرة ونبات عباد الشمس بصفرته الوهاجة استقل ترام الخط الدائري. والأتوبيس من بدايته في ميدان المنشية إلي نهاية الخط وأعود.. لا يشغلني المسار الذي يمضي فيه. ولا المحطة النهائية. أظل في جلستي حتي يعود الأوتوبيس إلي بداية الخط.. أمضي في الشوارع الضيقة. المنحدرة. ناحية البحر. أذكر كذلك عندما تملكني التردد - لثوان - والترام يزيد من سرعته. بعد أن غادر محطة الصينية بمحرم بك إلي محطة الرصافة. كنت قد اخترقت شوارع جانبية من مدرستي - الفرنسية الأميرية - لأركب الترام من أوله. أغراني قيام الترام قبل أن أصعد إليه بأن أقفز داخله.. جاوزت سرعته ترددي - اندفعت أقبض بيد - علي القائم الحديدي. بينما اليد الأخري تحمل حقيبة الكتب. لكن قدمي اخطأت السلم انحشرت بطولي في الفجوة التي تخلفت من عمليات صب خرسانة بين قضيب الترام وأسفلت الطريق. حلت لحظة سكون لا صلة لها بانطلاق عجلات الترام الحديدية بجوار جسدي المكوم داخل الحفرة الطولية ولا بالكتب التي تناثرت من الحقيبة غاب التذكر والرؤية والإحساس باللحظة والخوف و الأمل. حتي الصراخ خنقته قوة في داخلي لا عهد لي بها.. تنبهت - بعد زمن - إلي أن الترام مضي بعيداً فعدت إلي نفسي.