في السنوات الأولي من ستينيات القرن الماضي تلقي الرئيس جمال عبدالناصر تقريراً تضمن أن الدكتور كمال رمزي استينو وزير التموين في ذلك الوقت.. يعطي موافقات وتصاريح علي هواه وكما يشاء باستيراد الأقمشة الحريرية من فرنسا مخالفاً بذلك القانون.. وطالب التقرير في نهايته بإقالة الدكتور رمزي استينو من الوزارة. .. وقرأ الرئيس التقرير.. وقرر إجراء تحقيق فوري قبل أن يصدر قراراً بإقالة الدكتور استينو.. واستدعي صلاح الشاهد وكان يشغل منصب أمين أول رئاسة الجمهورية وأعطاه قطعة من القماش مكتوباً عليها بحروف أفرنجية "صنع في فرنسا".. وطلب منه إجراء تحقيق مع صاحب المحل الذي يباع فيه هذا القماش.. وبالفعل ذهب "الشاهد" إلي صاحب المحل وطلب قماشاً حريرياً من الأقمشة الفرنسية الموجودة في المحل لصناعة فستان حسب قطعة القماش التي سلمها له الرئيس عبدالناصر.. ولكن صاحب المحل قال إنه لا يبيع قماشاً فرنسياً مستورداً.. ورد صلاح الشاهد بأن معه قطعة القماش مكتوب عليها "صنع في فرنسا".. ورد صاحب المحل قائلاً: هذا الحرير مصري 100% ويقوم بتصديره كحرير خام من خلال الجمارك إلي فرنسا حيث يتم تجهيزه ويصبغ ويطبع ويعاد إلي مصر.. ونفي أن يكون للحكومة عدا الجمارك أي صلة بهذا الموضوع ولم تصدر أي موافقات وزارية تحت أي بند من البنود حول مثل هذه الأقمشة. .. وعاد صلاح الشاهد إلي الرئيس عبدالناصر حيث أبلغه بنتائج تحقيقاته وذهل الرئيس وقال: "إننا نعاني أزمة في الأخلاق.. لقد ساءت الأخلاق.. ومضي يقول: قل لي بربك.. هل أحضر ملائكة لأعمل معهم وأجعل منهم عناصر أمينة تقول الحق ولا شيء غير الحق ولا يقعون في الظلم ويظلمون الآخرين لغرض ما في أنفسهم وقرر أن صاحب هذا التقرير يستحق العقاب!! هذا ما ذكره صلاح الشاهد في كتابه "ذكرياتي في عهدين" وذكر حكاية فساد أخري حدثت في الستينيات وكادت تطول الشيخ أحمد حسن الباقوري الذي كان يشغل منصب وزير الأوقاف.. وكان الباقوري يري أن أموال الأوقاف لا تنفق علي السفه والنزوات بل تصرف للفقراء من المسلمين والمساكين حسب الموارد الشرعية. ويروي أن واحداً من عتاولة المسئولين من أصحاب التقارير صحب فتاة صارخة الجمال وذهب بها إلي الشيخ الباقوري في الوزارة طالباً منه صرف إعانة شهرية لها قدرها 25 جنيهاً بسبب فقرها وحاجتها.. ونظر إليها الشيخ ورأي أنها لا تستحق أي معونة.. فرفض طلبها بشدة.. ووصلت تفاصيل هذه الواقعة إلي الرئيس عبدالناصر.. وطبعاً تم تغليفها بغلاف من الأكاذيب حتي تبدو السيدة بأنها ضحية الشيخ الباقوري!! ولم تمض سوي أيام قليلة.. حتي وصلت دعوة للرئيس من الشيخ لدعوته لحضور عقد قران كريمة الباقوري ولكن الرئيس قابلها بفتور.. وبعد أقل من أسبوعين صدر قرار بإقالة الشيخ الباقوري بدون ذكر أسباب في الوقت نفسه امتلأت البلاد بالشائعات حول الشيخ. ثم ظهر الحق.. وعرف الرئيس حقيقة التقرير الذي تم رفعه إليه كان بعيداً كل البعد عن الحقيقة وأن صاحب هذا التقرير أراد أن يجعل أموال المسلمين مشاعاً لمن لا يستحق خصوصاً من الجنس اللطيف.. وأصدر عبدالناصر قراراً بعودة الشيخ الباقوري إلي الحياة العامة التي ظل بعيداً عنها عدة أسابيع ظُلماً. ومرة أخري قال الرئيس: ماذا أفعل في الأخلاق الفاسدة.. والمصيبة أن كاتبيها من المفروض أن يكونوا أكثر الناس أخلاقاً لا فساداً!!