محافظ الغربية يناقش آليات تنفيذ مبادرة حياة كريمة    تشغيل تجريبى بالركاب ل 5 محطات مترو    جمال التهامى: مصر تحمل القضية الفلسطينية على عاتقها    تفوق زملكاوي أمام الأندية المغربية    مصرع 3 عناصر إجرامية في مداهمة بقرية المعابدة بأسيوط    العقاد وألاعيب الصهيونية العالمية!    تامر شلتوت يساند يسرا اللوزي في وفاة والدتها    رمضان عبد المعز: لن يهلك مع الدعاء أحد والله لا يتخلى عن عباده    هيئة الدواء تكشف أنواع الأدوية المستخدمة لعلاج مرض الذئبة    السفير ماجد عبدالفتاح: حديث نتنياهو عن الإدارة المشتركة لقطاع غزة حلاوة روح    مسئولون أمريكيون: لدينا مخاوف بشأن تعامل إسرائيل فى عملية رفح الفلسطينية    خبيرة الأبراج إيمان خير تتوقع انتقال عادل إمام لمرحلة جديدة    الرقابة الإدارية تستقبل وفد مفتشية الحكومة الفيتنامية    رئيس منطقة الإسماعيلية الأزهرية يفتتح معرض أنا الراقي بأخلاقي بأبوصوير    وكيل صحة الشرقية يتفقد مستشفى العزازي للصحة النفسية وعلاج الإدمان    الهلال يضرب الحزم برباعية في الشوط الأول    سلوفينيا: ممتنون لمصر لمساعدة مواطنينا في غزة على العودة    خنقها برباط حذائه.. الإعدام لعامل بناء قتل ابنة شقيقه بسوهاج    شراكة بين بنك القاهرة وشركة متلايف لتقديم خدمات التأمين البنكي عبر 150 فرعا    كنيسة يسوع الملك الأسقفية بالرأس السوداء تحتفل بتخرج متدربين حرفيين جدد    عزة مصطفى تُحذر: "فيه مناطق بمصر كلها لاجئين" (فيديو)    لخلافات مالية.. عامل يطلق النار على صديقه في الدقهلية    «جوالة جامعة الزقازيق» تُنظم دورة تدريبية عن الإسعافات الأولية    اليوم العالمى للمتاحف.. متحف إيمحتب يُطلق الملتقي العلمي والثقافي "تجارب ملهمة"    إحالة أوراق طالب هتك عرض طفلة للمفتي    وزير الأوقاف يحظر تصوير الجنائز بالمساجد مراعاة لحرمة الموتى    عمرو الورداني للأزواج: "قول كلام حلو لزوجتك زى اللى بتقوله برة"    إصابة 3 أشخاص في انقلاب سيارة محملة بطيخ بقنا    محافظ القليوبية يناقش تنفيذ عدد من المشروعات البيئة بأبي زعبل والعكرشة بالخانكة    خالد عبدالغفار: وزارة الصحة وضعت خططا متكاملة لتطوير بيئة العمل في كافة المنشأت الصحية    الخميس المقبل.. «اقتصادية النواب» تناقش خطة التنمية الاقتصادية ومنع الممارسات الاحتكارية    رئيس"المهندسين" بالإسكندرية يشارك في افتتاح الملتقى الهندسي للأعمال والوظائف لعام 2024    سانت كاترين تستقبل 1300 سائح من مختلف جنسيات العالم    محافظ كفر الشيخ يعلن بدء التشغيل التجريبي لقسم الأطفال بمستشفى الأورام الجديد    آخرها هجوم على الاونروا بالقدس.. حرب الاحتلال على منظمات الإغاثة بفلسطين    نقيب الأطباء يشكر السيسي لرعايته حفل يوم الطبيب: وجه بتحسين أحوال الأطباء عدة مرات    إلغاء جميع قرارات تعيين مساعدين لرئيس حزب الوفد    وزير التموين: مصر قدمت 80 ٪ من إجمالي الدعم المقدم لقطاع غزة    أخبار الأهلي : طلبات مفاجئه للشيبي للتنازل عن قضية الشحات    نتائج منافسات السيدات في اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالم للإسكواش 2024 المقامة بنادي بالم هيلز الرياضي    جيش الاحتلال الإسرائيلى: نحو 300 ألف شخص نزحوا من شرق رفح الفلسطينية    «الأرصاد» تكشف حقيقة وصول عاصفة بورسعيد الرملية إلى سماء القاهرة    البابا تواضروس يدشن كنيسة "العذراء" بالرحاب    التنمية المحلية: استرداد 2.3 مليون متر مربع بعد إزالة 10.8 ألف مبنى مخالف خلال المراحل الثلاثة من الموجة ال22    جامعة القاهرة تستضيف وزير الأوقاف لمناقشة رسالة ماجستير حول دور الوقف في القدس    بعد ثبوت هلال ذي القعدة.. موعد بداية أطول إجازة للموظفين بمناسبة عيد الأضحى    قروض للشباب والموظفين وأصحاب المعاشات بدون فوائد.. اعرف التفاصيل    إحالة العاملين بمركز طب الأسرة بقرية الروافع بسوهاج إلى التحقيق    منها المهددة بالانقراض.. تفاصيل اليوم العالمي للطيور المهاجرة للبيئة    المشاركة ضرورية.. النني يحلم بتجنب سيناريو صلاح مع تشيلسي للتتويج بالبريميرليج    مباشر مباراة المنصورة وسبورتنج لحسم الترقي إلى الدوري الممتاز    ما حكمُ من مات غنيًّا ولم يؤدِّ فريضةَ الحج؟ الإفتاء تُجيب    المفتي يحسم الجدل بشأن حكم إيداع الأموال في البنوك    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 11-5-2024    حادثة عصام صاصا على الدائري: تفاصيل الحادث والتطورات القانونية وظهوره الأخير في حفل بدبي    مجلس الأمن يدعو إلى إجراء تحقيق مستقل وفوري في المقابر الجماعية المكتشفة بغزة    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا في شارع القصاصيب بجباليا شمال قطاع غزة    ثنائي الزمالك قبل نهائي الكونفدرالية: التاريخ يذكر البطل.. وجاهزون لإسعاد الجماهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رأي ضرورة تقييد تعدد الزوجات ورفض تحريم الموسيقي
أفتي بظهور الصحابة علي الشاشة وشجع نور الشريف علي تقديم

هذه السطور بقلم أحد تلامذة شيخنا الذين عاصروه معلما إماما وأبا.. وهو محمد عبدالشافي القوصي الكاتب والأديب وله مؤلفات إسلامية عديدة أبرزها محمد مشتهي الأمم وإلي نص السطور.
الباقوري.. الثائر الحق
حارب الجمود وساند دعوة أستاذه المراغي لإصلاح الأزهر
ربطته علاقة وطيدة بالإمام البنا وكتب النشيد الرسمي للإخوان المسلمين
قبل منصب وزارة الأوقاف فأجبره الإخوان علي الاستقالة من الجماعة
سهير عبد الحميد
هو تلميذ نجيب أخذ من كل شيوخه أحسن ما فيهم فكان مزيجا من الاعتدال وسعة الأفق ورحابة الفكر, فأخذ عن جمال الدين الأفغاني الثورة علي التقليدية في الفكر, ومن الإمام محمد عبده رغبته في الإصلاح بوسطية واعتدال. ومن أرباب الصوفية الذين انتمي إلي طريقتهم الخلوتية أبا عن جد تعلم الرفق والسماحة. ومن أستاذه حسن البنا تعلم التيسير فكانت له فيما بعد اجتهاداته للتقريب بين المذاهب الإسلامية..وكان دستوره منهج القرآن العظيم ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة.. تذكروا هذا الشيخ وأنتم تقرأون تلك العبارات البذئية المكتوبة اليوم علي جدران الشوارع ومحطات مترو الأنفاق لسب النساء اللاتي يرتدين البنطلون او لا يرتدين الحجاب ولتترحموا بعدها علي الباقوري وأمثاله.
هومن أسرة وافدة من بلاد المغرب العربي التي طالما أمدت مصر بكبار المتصوفة الذين جاءوا مصر مارين كحجيج فطابت مصر لهم مأوي وسكنا واستقروا بها وصارت أسماؤهم أعلاما لأحيائها ومنهم المرسي أبو العباس وسيدي بشر. أما إمامنا وشيخنا الباقوري فكان جده الشيخ عبد القادر بدوي أحد مريدي الطريقة الخلوتية من علماء الأندلس ومنها رحل إلي المغرب قبل أن يستقر في صعيد مصر ويتزوج من إحدي فتياتها في بلدة دوينة التي عرفت باسم باقور فيما بعد..
القرية كانت المعمل الأول لفكرشيخنا ومنهجه, فالظلم الاجتماعي الغارق فيه أهلها زرع في نفسه بذور الإيمان بمبادئ الاشتراكية الإسلامية والعدالة الاجتماعية وهو ما جعله بعد سنوات خير نصير لثورة يوليو... في القرية كانت الخدمات قليلة والحياة صعبة بلا كهرباء أو مياه نظيفة. ويظل الشيخ الباقوري طيلة حياته يتذكر كيف أنه مر فوق بطن أخيه الرضيع الذي وضعته أمه علي الأرض فقتله لأنه لم يميزه في الظلام الدامس وتظل تلك الواقعة وغيرها تؤرقه علي أحوال الفلاحين.
في القرية عرف الجيران الأقباط الذين كانت تمتلأ بهم قري أسيوط ولمس بنفسه مفهوم الوحدة الوطنية من جدته عزيزة التي كانت لها صديقة مسيحية شديدة القرب إلي نفسها وكان هو يناديها ستي دميانة كانت هي الأخري قريبة من نفسه وظل يتذكر كيف كانت في ليالي الشتاء القارسة تضع قدميه بين قدميها لتدفئهما.
في القرية كان أحمد حسن الباقوري يضطر للسير حافيا فوق أعواد البرسيم الباردة والاستيقاظ في عز البرد ليلحق بكتاب القرية لينهل فيه من آيات الذكر الحكيم وكان الكتاب معينه ليلتحق بمعهد أسيوط الديني
ثورة علي الجمود والاحتلال
ثم كان المعهد كمكان وقيمة ثاني أهم المحطات في حياة الباقوري ففيه عرف شيوخه الذين سيظل أثرهم علامة في شخصه في وقت كانت فيه ثورة1919 في أوجها وكان شيوخ الأزهر في طليعة الثائرين. كان منهم عبد الجليل عيسي ومصطفي الغاياتي وعبد اللطيف دراز والد زوجة المستقبل فيما بعد.. في تلك الأثناء عرف شيخنا الطريق إلي أشعار شوقي وكتابات المنفلوطي وترجمات أحمد حسن الزيات.. واختلط بالشباب من كل حدب وكانت قضية الاستقلال الوطني تفرض نفسها علي اهتمامات الشباب قاطبة.. وكان شيخنا من رعيل الشباب الذين ساندوا ثورة المراغي لإصلاح الأزهر.وتستمر الرغبة في الثورة علي الركود والتقليد كائنة في نفس الشيخ طوال حياته فينبري مدافعا عن فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية وكان من أهم أقواله في هذا فما تفرق المسلمون في الماضي إلا لهذه العزلة العقلية التي قطعت أواصر العلاقة بينهم فساء ظن بعضهم ببعض وليس من سبيل للتعرف علي الحق في هذه القضية إلا سبيل الاطلاع والكشف عما عند الفرق المختلفة من مذاهب وما تدين من آراء كما طالب بنشر الكتب الشيعية.. وكان الإمام في حياته من الميسرين لا المعسرين فأفتي بجواز تمثيل حياة الصحابة لتكون منهلا واقعيا لفكر الإسلام فأيد الفنان نور الشريف في تقديم شخصية عمر بن عبد العزيز.. وكل من شاهد المسلسل يدرك كم كان من الممكن لدعوات التحريم التي لا تتوقف ليل نهار أن تحرم اجيال متعاقبة من رؤية هذا العمل الذي قرب إلينا شخصية هذا الإمام العادل حفيد الإمام العادل عمر بن الخطاب.
كان الباقوري متفتحا لم يخف يوما أنه يستمع أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب.. لم يخف قناعته بضرورة تقييد تعدد الزوجات مستشهدا بموقف النبي الذي رفض أن يتزوج علي بن أبي طالب من أخري غير ابنته فاطمة.
لقاء بالبنا
كان الباقوري طالبا عندما حضر إحدي جلسات الإمام حسن البنا في عمارة الشماشرجي بشارع محمد علي وكان لقاؤه بالشيخ حسن البنا نقطة تحول حقيقية في حياته.. لقد دفعته شخصية الشيخ وقدرته علي تفسير القرآن والاستشهاد به في مختلف المواقف الحياتية إلي الإعجاب به والانضمام إلي الإخوان المسلمين وكان يسافر معه في كل أسفاره عبر طول مصر وعرضها حتي صار من الأعضاء البارزين بالجماعة وعضو مكتب الإرشاد بل كان أحد المرشحين بقوة لخلافة الإمام.. ونظرا لأن شيخنا كان يحب الشعر ويقرضه فقد طلب منه شيخه البنا أن يضع نشيدا للجماعة: يا رسول الله هل يرضيك أنا, ننفض اليوم غبار النوم عنا, إخوة في الله للإسلام كنا, لا نهاب الموت بل نتمني
ووصلت درجة قربه من الشيخ أنه هو الذي ذهب ليخطب له ابنة الشيخ عب اللطيف دراز.وكان الباقوري رفيقه حتي اللحظة الأخيرة وقبل اغتياله بدقائق فقد تركه تلك الليللة ليركب الترام من باب اللوق ليصل الي بيته فيفاجا بنبأ اغتياله... ويبكي كما لم يبك في حياته رحيل شيخه وأستاذهويظل وفيا لذكراه حريصا علي رعاية أسر الإخوان في المعتقلات كما أوصاه شيخه قبل الرحيل. وتظل صلته بالجماعة إلي حين حتي يضطر إلي الاستقالة منها بعد قبوله وزارة الأوقاف في عهد الثورة.
الشيخ محبا
دخل الشاب المعمم يوم خطبته ليسلم علي عروسه ونساء العائلة... فحلاوة حديثه وكمال مطنقه أجبرا الجميع علي الإنصات لهذا الشاب الجليل حتي عروسه الصغيرة التي كانت قلقة من رد فعل زميلاتها في المدرسة الفرنسية علي اقترانها بشيخ يرتدي العمامة تلاشي لديها ذلك القلق وحل محله إعجاب عميق وتفاخر بأنها ستصير زوجه لهذا الشيخ. و عندما فاجأها بعد يوم واحد من الزواج بارتدائه لبس الفندية وجدت نفسها أميل إليه وهو يرتدي العمامة.. هذه القصة أحد القصص الإنسانية الرائعة التي ضمنتها الكاتبة الصحفية نعم الباز كتابها الجامع المانع عن شيخنا والذي اختارت له اسم ثائر تحت العمامة وأجمل ما استطاعته الأستاذة نعم الباز أنها جعلت الباقوري يسترسل في حياته الخاصة بتلقائية تكشف بعدا رائعا في هذا الشيخ الأزهري الذي لم ينظر للحب علي أنه عيب أو خطيئة فصرح لها أنه كان يخرج من بيته يوميا من درب الجماميز إلي بركة الفيل ليري ابنة أستاذه وهي تخرج إلي المدرسة أو قد يمر عصرا ليراها وهي تغادرها.. ولما وجد في نفسه ما يشجعه علي الزواج منها صارح والدته التي كانت تتمني أن تزوجه فتاة من باقور تمتلك بعض الأفدنة فأبي قلبه إلا أن يستجيب لخفقانه وذهب إلي شيخه البنا يطلب منه أن يخطب له ابنة استاذه وقد كان.. وأثمر الزواج ابنته الأولي ليلي التي أسماها كما روي لكاتبنا نعم الباز نسبة إلي شخصية ليلي التي امتلأت بها قصائد التراث العربي كانت سعادته بها كبيرة رغم غضب أمه التي كانت تقول لو إنه تزوج من باقور لأنجب الولد. لكن ليلي كانت قرة عين أبيها وكان إذا خرج من البيت حرص علي الرجوع في أقرب وقت ليجلس إلي ليلي. وهكذا كان الحال مع ابنته الثانية عزة خصوصا وأنها جاءت بعد وفاة ابنه محمد وقد أسماها علي اسم جدته لأبيه وجاءت ابنته صورة طبق الأصل منها في الشكل والحنان البالغ.. ثم جاءته آخر العنقود يمني والتي كانت رفيقته بعد زواج ابنتيه في الفترة التي أعقبت خروجه من وزارة الثورة وكانت نصيرته في ظل ما تعرض له من ضغوط وشائعات.
أما زوجته كوكب فقد كانت المعين الأول له في كفاحه ضد الاستعمار..كانت عونه وسنده في بيته وتربية أولاده عندما تغيبه السجون وكانت تقوم باعادة صياغة المنشورات التي يهربها لها في عمود الطعام.. وكانت تقوم بطبع المنشورات علي البالوظة في بدروم البيت وترسل له الرسائل في أبرمة الحمام بالفريك أو داخل صينية البطاطس داخل ثمرة بطاطس مجوفة مدسوسة في قلب الصينية.
الشيخ والضباط
عندما قامت ثورة يوليو وجد فيها شيخنا ما يلبي حلمه بالثورة علي الظلم الاجتماعي لذلك ساند الثورة لدي قيامها وقبل وزارة الأوقاف عندما عرضت عليه ليكون ظهيرا ونصيرا لها وهو ما لم يكن مقبولا لدي بعض أعضاء جماعة الإخوان فكتب استقالته وقبل الوزارة لأنه كان مؤمنا بنظرية شيخه البنا في الثورة أن الله قد يصلح بالسلطان ما لا يصلح بالقرآن واستمر شيخنا وزيرا للأوقاف من سبتمبر1952 وحتي فبراير1959 وكان شاهدا علي المخاض العسير الذي مر به مجلس قيادة الثورة والذي بدأ بين محمد نجيب الذي كان يريد العودة بالجيش إلي ثكناته وبين جمال عبد الناصرالذي كان يري أن عليهم متابعة المشوار وعدم ترك السلطة.. كان الباقوري قريبا من عبد الناصر وكان دائما يسبق بخطبه كلمات الرئيس في مختلف المحافل الدولية.. إلي أن نجح خفافيش الظلام وما أكثرهم حول مقاعد الرؤساء في إشعال نار الفتنة بين الشيخ وعبد الناصر فانتهي شهر العسل بين الصديقين لسنوات قضي خلالها الشيخ حياته بمعزل عن الأضواء قبل أن ينكشف المستور ويعرف عبد الناصر مصدر الفتنة فيقوم بدعوة الشيخ لحضور حفل زواج ابنته هدي. أما شيخنا فتولي إدارة جامعة الأزهر في يوليو1964 وتفرغ لمؤلفاته العديدة قبل ان يرحل أثناء علاجه في لندن في أغسطس1985
أثناء الدراسة كنت أترقب الإجازة الصيفية, ترقب الصائم لصوت الآذان! لأهاجر إلي القاهرة بحثا عن الحرية, وهروبا من منظومة التقاليد الصارمة التي ينوء بها ابن الخطاب!
وكان( المركز العام لجمعيات الشبان المسلمين) قبلتي, التي أتوجه اليها!! فأقيم فيه مقابل( حنيه ونصف) يوميا, ولم نكن نحزم الغذاء في ظل سيل الندوات والمؤتمرات التي كان يدعو اليها الشيخ/ الباقوري رئيس المركز العام ذلكم الرجل الذي لم, يشهد حقل الدعوة الإسلامية شبيها له في علمه وخلقه وتواضعه, بحسب أن تعلم أنه إذا حضر وقت الغداء, يقول: اجمعوا حولي كل الناس بما فيهم الخفر والعمال والخدم, والغرباء أمثالي! ويقول مشجعا ومؤلفا للقلوب: لا يستساغ الطعام إلا معكم, ولا تحل البركة إلا بحضوركم!
فالجميع يرونه أبا عطوفا وشيخا رءوفا, وصديقا نصوحا.. يلتفون حوله, ويشكون اليه همومهم, ويسألونه في أمور الدين والدنيا!!
ذات مرة سأله أحد الحاضرين: ماذا لفت نظرك في الرئيس عبدالناصر! وما هو مفتاح شخصيته! فقال: أول ما لقيت الرئيس وجدت رجلا تتوافر فيه صفات الزعيم, وحينما نقرأ في سورة البقرة قول الله عز وجل( إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم) قامة الرجل المديدة وعيناه العميقتان, وحرصه علي أن يعرف, كانت هذه خصائصه التي يؤثر بها في الجماهير.. فهو طويل القامة يؤمن بما يقول, عميق النظرات, يحب شعبه, إذا رضي عنك ارضاك, وإذا غضب عليك أغضبك!
بعد ذلك تجرأت وسألته: هل هناك موقف في حياتك رأيت الله فيه؟
فتبسم وقال: هذا سؤال جريء من شباب قوص الشجعان! قضحك الجميع حتي ضجت القاعة! ثم أجاب: إحساسي بجلال الله وهيبته يملأ قلبي, لاسيما في المواقف الإنسانية! أذكر أنني كنت أميرا للحج عام359 م, وقد جرت العادة أن يفتح لأمير الحج الضريح النبوي الشريف وكنت أستعد للدخول مع صديق لي قابلته هناك, لكنه لم يرض أن يدخل معي! فتعجبت من أن يضيع هذه الفرصة النادرة! لكنه قال لي: إنني مذنب, وأخشي أن أدخل علي رسول الله؟ لذلك أطلب منك أن تدخل أنت علي الرسول الكريم, وتعتذر له بالنيابة عني, وتسأله أن يستغفر الله لي! في هذا الموقف الجميل, رأيت الله في هذا الإنسان, المرتجف من خشية الله؟
موقف آخر لا أنساه, ذلك أن رجلا ممن دخل معنا الحجرة النبوية الشريفة, ألقي السلام وحمد الله, ثم أخذ شيئا من رمل الحجرة! وعرفت بعد ذلك أن هذا الرجل كان يعاني من إمساك مزمن, وصداع مستمر, فلما ابتلع من رمل الحجرة الشريفة, وهو يزور الرسول الأكرم زالت أمراضه في اليوم التالي!! وهنا رأيت الله للمرة الثانية!
كتب فكري أباظة في مجلة المصور عام5391 م يقول: الباقوري هو مندوب الطلبة في الخطابة ورئيس اتحادهم أيام الإضراب! خطب الشباب فذهلت, وطار لبي.. إلقاء متزن علي أحدث طرق فن الإلقاء ألفاظ مختارة بميزان الذهب الحر, معادن كلها سمو, وكلها ارتفاع لم أصدق أن الذي يتكلم طالب أزهري, وإنما خيل إلي أنني اسمع زعيما مسئولا من زعماء المنابر في أوروبا!
أحل! فقد كان الباقوري خطيبا مفوها لذا, نشرت الصحافة خطبه في إبانها, وكذلك الإذاعة كما احتفظت سجلات النجمع اللغوي بمقالاته وخطبه, وهو في نثره من أصحاب الأساليب المميزة, وله مؤلفات ذات طابع توجييهي ارشادي, مثل: أدب الحديث النيوي, وعالم الروح, ومعاني القرآن الكريم بين الرواية والدراية, كما ترك فضيلته عددا من المؤلفات القيمة منها: تحت راية القرآن, ومع القرآن, ومع الشريعة, وصفوة السيرة المحمدية, ومن دلائل النبوة وقطوف من أدب النيوة, وعروبة ودين, وخواطر وأحادي وغيرها.
من هذا لا نعجب إذا علمنا أن الشيخ كان له نشاط سياسي كبير, فقد كان وزيرا للأوقاف وكان الشيخ/ محمد الغزالي آنذاك خطيبا بجامع عمرو بن العاص,, وقد حدثت واقعة عجيبة, عجيبة بكل تأكيد! ذكرناها بأدق تفاصيلها في كتاب( أعلام الصعيد في القرن العشرين) مفادها: أن الغزالي تعرض في خطبته للنزاع السياسي الذي وقع بين معاوية والإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وقد تحامل الغزالي علي عمرو, وقال: ما كان يليق برجل مثله أن ينحاز لمعاوية!
في اليوم التالي: اتصل الإمام الأكبر/ عبدلحليم محمود, بصديقه الباقوري, وأخبره أنه رأي عمرو بن العاض في المنام يشكو لغزالي! فقال الباقوري: والله لقد رأيته كذلك في المنام غاضبا..ولا أدري ما السبب!!
علي الفور, استدعي الباقوري الشيخ الغزالي, وسأله: ماذا بينك وبين عمرو بن العاص؟ قال الغزالي: لا شيء, ولكني أوضحت في خطبة أمس, أنه انحاز لمعاوية, وكان يعلم أين الحق! فقال الباقوري: أسرع ياصديقي واستغفر عما وقع منك, وأدع الله لجدك عمرو! فقد جاء بشكوك إلي! ويقول: هل استحق من الغزالي كل هذا الغضب؟ فهل عاني ما عانيناه؟ وهل رأي كيف كان بلاؤنا في الفتوحات؟!
قال الشيخ الغزالي: منذ تلك الحادثة, لا يذكر عمرو, إلا وأترحم عليه كثيرا!!
لعل خلق( التسامح) أبرز صفة تميز بها الباقوري! وهذا هو الفارق بينه وبين ما نراه الآن من المأجورين الأجلاف)! فعندما شهدت مصر عام1491 م مبادرة جادة للحوار الإسلامي المسيحي, وقام مجموعة من الشباب: مسيحيين ومسلمين بالاجتماع سويا للتفكير في مسئوليتهم المشتركة, والتحاور حول سبل الإخاء والتعاون والمحبة استعانوا بالشيخ/ الباقوري باعتباره الشخصية التي تحظي باحترام الجميع!
وفي عام5791 م دعت الآنسة ماري كحيل لاجتماع في منزلها ضم61 شخصية( مسلمين ومسيحيين) من أجل التقارب بين المسلمين والمسيحيين, وكانوا يدعون للتقارب علي أساس أن الجميع يؤمن بالله سبحانه وكان من أبرز الأعضاء الشيخ/ الباقوري, والدكتور/ عبده محمود سلام وزير الصحة الأسبق. وكان لهم دعاء مشترك يختمون به اجتماعهم, قام الباقوري بتعديله, فأصبح يسمي( ميثاف الإخاء الديني) جاء فيه:
(اللهم إليك نتوجه, وعليك نتوكل, وبك نستعين.. وإياك نسأل أن ترزقنا قوة الإيمان بك.. وحسن الاهتداء بهدي أنبيائك, ونسألك يا الله أن تجعل كلا هذامنا وفيا لعقيدته, أمينا علي دينه في غير تزمت نشفي به في أنفسنا, ولا تعصب يشقي به مواطنونا, ونضرع إليك يا ربنا أن تبارك إخاءنا الديني, وأن تجعل الصدق رئدنا اليه, والعدل غايتنا منه, والسلام ذخيرتنا فيه.. يا حي يا قيوم.. يا ذا الجلال والإكرام.. أمين).
هذا, وقد كانت للباقوري ندوة أدبية مشهورة, استمرت فترة طويلة لكنه أوقفها بعد أن شغلته أعباء جامعة الأزهر. وكانت ندوته حافلة بأعلام الفكر أمثال: أحمد الشرباصي, والمفكر الجزائري مالك بن نبي, والشيخ عبدالجليل عيسي, وخالد محمد خالد, ومحمود أبورية.
كان الباقوري شاعرا مطبوعا, يترجل الشعر في مختلف السياسات, وأبرز ما يميز شاعريته: البساطة والوضوح, فلا توجد به حفر ولا مطبات, ولا غموض ولا إسفاف, بل هو من النوع الذي سهل لفظه وقرب معناه, وتتمحور أغراضه الشعرية حول الوعظ والتربية! ولعل أطول قصائده وأعذبها قصيدة( ذكري الإسراء والمعراج) التي تعد من عيون الشعر! وكثيرا ما يتوجه إلي الشباب معلقا عليهم الآمال العريضة, ومحرضا علي الثورة ولذلك لقب ب(شاعر ثورة9191 م) ففي قصيدة بعنوان إيه يا دهر ينادي قائلا:
يا شباب الله هيا نحيي مجد المسلمين
ليس من يحيا ذليلا مثل من يقضي نبيلا
تجرع الموت شهيا أو نري في الظافرين.
وفي الأزمة التي قامت بين الإخوان المسلمين وحزب السعديين الحاكم آنذاك, أوكل الإمام البنا شئون الإخوان اليه, وبعد استشهاد البنا كان الباقوري من أبرز المرشحين لمنصب المرشد.. ولكن! لو قدر للشيخ/ الباقوري أن يكون مرشدا( لجماعة الإخوان) لما وصلت إلي ما يراه البعض انقلابا علي قيادتها, وما صارت ثقافتها حركية, أكثر منها دعوية وما عملت في الظلام الدامس! وما تعرضت لضربات البوليس, وطعنات الأمن!
من هنا نفهم, لماذا هجرها العلماء الأكابر, والدعاة الأفذاذ, أمثال: الغزالي, والشعراوي, والسيد سابق, وحسن الشافعي يقول الباقوري في كتابه( بقايا ذكريات): التقيت بالشيخ حسن البنا في حفل الإسراء والمعراج ولما كان يعلم أنني أعالج الشعر سألني:( هل قلت شيئا في قصة الإسراء؟ فإن مثلك لا يترك هذه المناسبات دون أن تتحرك بين جنبيه عواطفه الإسلامية التي لا ترضي إلا إذا أعلنت إلي الناس ما يرضي العاطفة الإسلامية في أنفس المسلمين! فأجبته: لقد قلت أبياتا في هذه القصة الشريفة, وإنه ليسعني أن يؤذن لي بإلقائها في هذا الحفل المهيب, فرحب علي الفور, ثم رقيت المنبر.
ولما فرغت من إنشاد القصيدة أخذ الأستاذ البنا بيدي, قائلا: إما أن أكون في كلمتي قد نثرت نظمك, وإما أن تكون أنت قد نظمت نثري! ثم استطرد يقول: شعرك مع نثري من قبيل اتفاق الخواطر, ولست تنكر اتفاق الخواطر, وأنت متخصص في البلاغة والأدب العربي, وقد وقع في نفسك بلا ريب أمر اتفاق الخواطر بين أمري القيس, وطرفة بن العبد في معلقتيهما, فإن أحدهما لم يأخذ من الآخر, ولكن كلا منهما قال ما قاله الآخر بغير تبديل إلا في قافية الشعر!
رحم الله الإمام/ الباقوري! الذي أحب الناس, فأحبوه والذي نزل نبأ وفاته كالصاعقة علي المصريين عامة! وقد رثاه الشاعر القبطي/ رياض سوريال بقصيدة جمعت أوصاف الشيخ ومنزلته في النفوس, ومكانته العلمية قال فيها.
طوي الموت نجما سما وازدهر فأخفي الضياء الذي قد بهر
فزلزلت الأرض زلزالها لموت البقوري فخر البشر
لتبك النجوم أخا لامعا تألق في فلك واستتر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.