* ما تمنيت ان يسلم أحد مثلما تمنيت أن يسلم الزعيم الأفريقي "نيلسون مانديلا".. فكلما قرأت في سيرة الرجل شعرت أن أخلاق الإسلام كلها تتمثل في هذا الرجل الأسطورة.. والذي يندر تكراره في زماننا. * وفي الحقيقة بيني وبين "مانديلا" من تشابه الظروف والسجون والأفكار والتوافق الإنساني الكثير والكثير.. بل ان معظم ما حدث معه في السجن حدث معي أيضاً.. غير أنه مكث 27 عاماً وأنا مكثت 24 عاماً. * وأول زيارة زارها مانديلا لمنزله زارها بعد أكثر من عشرين عاما.. وأنا أول زيارة زرتها لمنزلي كانت بعد عشرين عاماً.. حتي أنني لم أعرف موقع بيتنا وقتها.. حتي عجب لذلك الضباط المرافقون لي. * المهم أنني كلما قرأت شيئا عن مانديلا أقول لنفسي: "آه لو كان هذا الرجل مسلما". * فاخلاقه أفضل من أخلاق بعض المسلمين.. وزهده في الدنيا أعظم من زهد الكثير منا.. وتركه للسلطة بعد فترة رئاسية واحدة لم يفعله أحد من حكام المسلمين.. باستثناء سوار الذهب الذي سلم السلطة ورفض أن يستلبها عنوة. * وحينما تولي مانديلا الرئاسة رفض أن يبطش بالبيض الذين ساموه وأعوانه وشعبه سوء العذاب.. ورفض أن يقصيهم من وظائفهم أو يحبسهم كما حبسوه. ولكنه عفا عنهم ليكرر فعلة الرسول "صلي الله عليه وسلم" مع قومه: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". * لقد تسامي الرجل علي آلامه وأحزانه وعذابات جسده ونفسه ليضرب للمجتمع الأفريقي والإنساني كله أروع الأمثلة في العفو والصفح والتسامح.. في زمن يعج بالانتقام والاقصاء وا.لجبروت والطغيان. * والغريب أن مانديلا من القلائل الذين حظوا باجماع العالم مسلمين وغير مسلمين علي طهارته ونظافته الأخلاقية وعصاميته ونبله وتساميه عن الأحقاد والضغائن.. وارتفاع نفسه عن ظلم من ظلمه.. أو الاساءة إلي من أذاقه وقومه سوء العذاب. * فقد تحول السجين إلي رئيس أكبر وأقوي دولة أفريقية تملك السلاح النووي فتسامح مع الذين لم يتسامحوا معه.. وعفا عن الذين بطشوا به وبقومه.. وأشعر الجميع أنه أب للصغير وأخ للكبير وولي لليتيم. * فقد ساس شعبه بالرفق والعدل والرحمة ولم يفرق بين الأبيض والأسود.. ولم تحوله سنوات السجن الطويلة إلي أسد ضاري يفترس الجميع.. أو ثعلب ماكر يخدع شعبه. * وهذا يعطينا درساًَ هاماً في الحياة أن النفوس الكريمة ذات المعدن الأصيل لا يزيدها الابتلاء والسجن والتمحيص الا نقاء وصفاء.. فمن جرب الظلم عرف قيمة العدل.. ومن حرم الرحمة لم يحرم أحدا من رحمته ورفقه وعطفه. * لقد قال رسول الله "صلي الله عليه وسلم": "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة وخياركم في الجاهلية خياركم في الاسلام".. وكان يقول: "اللهم انصر الإسلام بأحد العمرين" .. فنصره بعمر بن الخطاب. * ومانديلا هو من معادن الذهب في بلاد الذهب.. ومن معادن الماس في بلاد الماس.. وهو من خيار الناس. * وأدعو الله أن يتم نعمته عليه بالاسلام ليجمع بين خيري الدنيا والآخرة وصلاحهما. * ان الدعوة الإسلامية تحتاج لمثل هذه الرموز العظيمة. * ان كثرة دخول هذه النوعيات من معادن الذهب والفضة إلي الدعوة الإسلامية يثريها ويقويها ويعطيها أعظم الدفعات إلي الأمام. * أما دخول نوعيات الرصاص والزرنيخ والصفيح في الدعوة الإسلامية أو الحركة الإسلامية.. فهو يؤخرها ويضرها ويدخلها في نفق مظلم قد لا تستطيع الخروج منه إلا بعد حين. * يارب اللهم أهد مانديلا وأمثاله إلي الإسلام.. ليتزين به ويتزينوا هم بالإسلام.