كان لي صديق رحمه الله ذهب إلي ألمانيا ضمن بعثة رسمية حكومية للعمل مع أفراد هذه البعثة.. وعندما أراد تأسيس شقته التي استأجرها سأل عن أسعار الثلاجات في السوق.. فوجد أن سعر الثلاجة المصنوعة في أمريكا أقل من نصف مثيلتها المصنوعة في ألمانيا!! فاشتري بالطبع ثلاجة أمريكا باعتبار أنها الأرخص. لكن صديقي هذا بعد تعرفه علي عدد من الأصدقاء الألمان وجد أن أفراد الشعب الألماني يفضلون شراء الثلاجات الألمانية الأغلي سعرا ويرفضون شراء الثلاجات الأمريكية الأقل سعرا.. وليس ذلك مقصورا علي الثلاجات وحدها بل إن الألمان كانوا يشجعون صناعة بلادهم علي أية صناعات أخري أمريكية وغير أمريكية رغم فارق السعر الكبير الذي جاء في صالح الصناعات غير الألمانية. سأل صديقي عن سبب هذه الظاهرة فقال الألمان إنهم يفضلون صناعة بلادهم علي أية صناعات أخري من واقع احساس وطني من جهة ومن واقع تشجيع الصناعات الألمانية وكانت في تلك الفترة صناعة جيدة تضاهي الصناعات الأجنبية وقال الألمان إن هذا إحساس بمسئوليتهم تجاه وطنهم الذي كان يعيد بناء اقتصاده بعد الحرب العالمية الثانية التي هزمت فيها ألمانيا علي أيدي الحلفاء. هل نحن المصريين لدينا هذا الشعور الوطني الذي يجعلنا نفضل صناعاتنا علي أية صناعة أجنبية؟! أستطيع أن أقول بصدق: لا! بل إن بعضنا يبحث عن الصناعة الأجنبية ويفضلها علي الصناعة الوطنية لأننا كنا ومازلنا مغرمين ب"المستورد"!!! بل إننا نتفاخر بكل ما هو مستورد في الملابس وفي كل الصناعات.. وهكذا!! الرئيس عبدالفتاح السيسي أصدر قرارات برفع الرسوم الجمركية علي أكثر من 600 منتج وسلعة يتم استيرادها من الخارج.. وشعر المواطنون بأننا نعيش في دولة تخاف علي مصانعها الوطنية ولا تخشي رجال الأعمال الذين أثروا ثراء فاحشا من عمليات استيراد هذه السلع والمنتجات علي حساب الصناعات والإنتاج المحلي. وهو الأمر الذي ترتب عليه تشغيل المصانع المحلية والحفاظ علي الأيدي المصرية العاملة فيها إلي جانب توفير المليارات من العملات الصعبة لصالح الخزانة العامة. لقد بلغت فاتورة السلع غير الأساسية المستوردة طبقا لتصريح محافظ البنك المركزي طارق عامر نحو 20 مليار دولار الأمر الذي يؤثر علي الاقتصاد المصري. قرار الرئيس السيسي لا شك قرار يصب في الدرجة الأولي لصالح اقتصادنا الذي ينوء باستيراد مثل هذه السلع والمنتجات ويحول بين مصر والنهضة الاقتصادية التي تسعي إليها بقوة. لكن ماذا عن صناعاتنا ومنتجاتنا الوطنية التي اتخذ الرئيس قرارا من أجلها برفع رسوم مثيلاتها المستوردة؟! هل نحن فعلا علي قدر المسئولية ونستطيع أن نطور إنتاجنا لنقنع المستهلك المصري ببضائعنا؟! الخوف كل الخوف أن نتمادي في الغش والتدليس ويبادر القائمون علي منتجاتنا وصناعاتنا بالتمادي في غيهم ويقولون إن هذه فرصة لتسويق هذا الإنتاج الرديء. نحن غشاشون بالفطرة.. ونريد أن نكسب في أية سلعة ننتجها أضعاف سعرها لأننا طماعون!! فما بالك إذا كان المستهلك لا يجد أمامه سوي المنتج المصري في الوقت الذي يختفي فيه المنتج الأجنبي أو يرتفع سعره طبقا لقرار رئيس الجمهورية. صناعات بير السلم ستغزو الأسواق.. والمواد الضارة بالصحة ستدخلها.. ويكفي أننا نضرب مثلا بالمطاعم في مصر.. فنحن لا نعرف مثلا نوع اللحوم التي يقدمونها للزبائن.. هل لحوم بقر وأغنام؟! أم لحوم حمير؟.. لقد كتبت مقالا منذ عدة أيام تحدثت فيه عن اختفاء 200 ألف حمار من مصر. فأين ذهبت هذه الجحافل من الحمير. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا".. صدقت يا رسول الله.