أول أمس الجمعة أقيمت ندوة في المعرض الدولي للكتاب تحت عنوان "دور الدراما التليفزيونية في تطوير المجتمع" أدارتها كاتبة هذه السطور في حضور المخرجة القديرة إنعام محمد علي التي سلطت الأضواء علي الدور المهم جداً الذي يمكن أن تلعبه الدراما التليفزيونية في تطوير المجتمع مستفيدة من تجربتها الفريدة والجادة مع هذه النوعية من الفنون الدرامية وتوقفت بشكل خاص أمام مسلسل "هي والمستحيل" الذي يعتبر من أوائل الأعمال في مشوارها الفني.. وأشارت إلي القضية التي تناولها المسلسل وكيف لفتت الأنظار إلي قدرة المرأة في التغلب علي مشكلة "الأمية" تلك التي تحول دون تقدمها وتجعل منها ضحية سهلة في العلاقة مع الرجل وفي مواجهة المجتمع بشكل عام.. وتناولت أيضاً أهمية مسلسل مثل "ضمير أبلة حكمت" الذي تناول مشكلة التعليم وإدارة المؤسسات العلمية التي تشكل العمود الفقري في تطوير أي مجتمع يسعي للنهوض.. ومسلسل "أم كلثوم" ودور الفن والفنان الملتزم في تطويع فنه من أجل الارتقاء بذوق المجتمع وإقامة جسور التواصل بين أفراده من خلال الموسيقي والشعر وعبر تقديم "القدوة" باعتبار أن "أم كلثوم" لم تكن مجرد فطرية إنما صَرح فني متكامل خرج من القرية إلي العاصمة ثم إلي العالم الأرحب العربي والغربي والتزمت في جميع ما شَدَت به قضايا الوطن وبالإنسان المصري. وكانت حاضرة في السلم والحرب وبذلت مجهودات مشهودة حين تعرضت مصر للهزيمة في حربها ضد العدو الصهيوني عام .1967 وأشارت أنعام إلي مسئولية الفنان وصناع الدراما وبالذات المسئولية الوطنية والمجتمعية من خلال مسلسلها "الطريق إلي إيلات" والذي مثل في مشوارها تجربة صعبة نظراً للحساسية المفرطة عند تناول معركة عسكرية مهمة جداً من معارك القوات المسلحة ممثلة في سلاحها البحري. وكذلك الدقة المطلوبة في إعادة إنتاج هذه الموقعة الشهيرة من خلال ممثلين وسيناريو مكتوب وتوقفت بصورة خاصة أمام عنصر الجمال الفني والقدرة علي احتواء المتفرج. وجذبه إلي العمل وتوحده مع أبطاله إلي الدرجة التي تجعله ينتظر بث حلقاته وكأنه أصبح جزءاً من العالم الذي تدور فيه الأحداث. وتنوع جمهور الندوة ومستوياته الثقافية وتجاربه مع "الفرجة" علي الأعمال التليفزيونية وإعماره ما بين صغار السن والكبار ولكنهم اجتمعوا علي حقيقة التأثير القوي الذي تتركه الأعمال الدرامية علي المتفرج. وخصوصاً المرأة التي تجد في هذا النوع من الفن ما يشبع حاجتها إلي الترفيه ويملأ وقت فراغها بالموضوعات والحكايات الجديرة بالاهتمام والمتابعة. بعضهم أشار إلي الفارق الكبير بين مستويات الدراما في سنوات سابقة ومستوياتها في السنوات الأخيرة. واختلاف نوع الموضوعات ونماذج الشخصيات الذين يقومون بالأدوار الرئيسية فيها وتباين الهدف والرسالة. ومن المؤكد أن المرحلة الزمنية والسياق الاجتماعي والسياسي. وسياسات الدولة تلعب دوراً مهماً جداً في نوع ومستوي الإنتاج الفني.. والدليل أن التجارب الدرامية المهمة والفاعلة في وجدان الناس ووعيهم والتي أشارت إليها المخرجة القديرة كانت من إنتاج "الدولة" ومن تأليف كتاب منتمين للمشاريع القومية التي تصب مباشرة في بناء وتنمية المجتمع ومنها صناعة "الفكر" والتي تعتبر الدراما ضمن مستوياتها الأكثر قبولاً وجماهيرية. فالأسماء التي كانت وراء تلك الأعمال المهمة والمحترمة ضمت أسامة أنور عكاشة وفتحية العسال ومحفوظ عبدالرحمن. ولو استرسلنا في ذكر كتيبة المفكرين والكتاب الذين أثروا الدراما التليفزيونية وتأملنا أدوارهم التي لعبوها سنتوقف أمام عنصر المسئولية الاجتماعية التي تحرك ملكة الإبداع وتوجه دفتها لصالح المجتمع ولشحذ إرادة أفراده بتقديم النماذج الإيجابية وتراعي الضمير الوطني عند تسليط الضوء علي المشكلات وأشكال القصور التي يعاني منها أفراده ومنها الأمية بأنواعها وسيادة الخرافة ومعاداة العلم واغتيال دور "القانون" لحساب البلطجة. وفي السنوات الأخيرة غابت مؤسسات الدولة المنوط بها إنتاج الدراما التليفزيونية عن مسئولية إدارة "المصنع" ولم يعدلها اليد الطولي في وضع "خطة" للإنتاج تقوم علي رؤية شاملة ومنهج يخدم ويدعم التوجهات السياسية والاجتماعية للدولة ويواجه التحديات الفكرية والثقافية ويتصدي لجحافل الطامعين في الاستيلاء علي هذه الصناعة الثقيلة والسيطرة علي ما تنتجه للاستهلاك الآدمي الذي من شأنه أن يلتهم الوقت فقط ويحشو أدمغة الناس باللهو والترفيه الغث ويصنع في النهاية صوراً بملامح رديئة ومحبطة تكدس مظاهر العنف والتدني والانحطاط الأخلاقي والتراجع الحضاري وتلقي الأضواء علي نماذج شاذة ومنحرفة من الجنسين وتحفز صور المجتمع غير جدير بالتقدم. إن الدراما التليفزيونية سلاح ذو حدين بمقدورها أن تدفع عجلة التقدم أو أن تشد المجتمع إلي الوراء..